الحضارة كالموجة تعلو وتنخفض وتغيب في نهر الوجود الدفاق، وبهذا الغياب تمتزج مع الموجودات الأخرى، وتتخلق فيها وتتحقق في صيروراتها المتنوعة. فلا توجد حضارة أصيلة، ولا يمكن التصديق بأن ما هو كائن قائم لذاته وغير مولود من رحم غيره. فالحضارات تدور في دائرة مفرغة، وملامحها مشتركة وتفاعلاتها متواصلة في معادلة البقاء والسرمد. وحقيقة الحضارة أنها إنسانية وحسب، ولا يمكن ربطها بأي مسمى آخر.
إنها دفق الأفكار الإنسانية، وتعبيرها عن ذاتها ورسالتها في وعاء مكاني وزماني يلد غيره.
ووفقا لهذا فأن جميع الكيانات البشرية قد أسهمت في الحضارة الإنسانية بدرجات وأزمان متفاوتة، وكل مجموعة بشرية في مكان ما وزمان ما، تعطي ما عندها من الأفكار والمساهمات والتعبيرات التي تحقق انتقالة جديدة في الحياة المحكومة بزمنها ومكانها الدوار.
والذين يحاولون إخراج أو إلغاء بعض البشر من مسيرة الأرض الحضارية المعاصرة، فإنهم يقدمون تضليلا وتبريرا لسلوك سلبي لا يمتلك ما يسوّغه. فالعرب -على سبيل المثال- يساهمون في المسيرة الحضارية في مكانهم وخارجه، وبامتزاجهم في محلول الإنسانية، فإنهم يشاركون الدنيا في صياغة حالتها الحضارية. كما أن لمكانهم دور أساسي ومهم في صناعة ما هو قائم في الأرض من قدرات الإبداع والمدنية، فحضارتنا على مدى أكثر من قرن، إنما هي حضارة النفط، ولولا النفط لما تمتعت البشرية بهذه الإنجازات الباهرة.
وعليه فإن القائلين بغياب الدور العربي، والساعين إلى ترسيخ الشعور بإلغاء المساهمة العربية الحضارية، لا يقدمون الحقائق، ولا يقرؤون المسيرة الإنسانية، ويبحثون في تحولاتها الحضارية، وتفاعلاتها التي أوجدت ما نحن نعيشه اليوم. فالبشرية عبارة عن خلية وجود حضارية واحدة متفاعلة ومتبادلة الأدوار والأفكار!!
واقرأ أيضاً:
سلوك الشكر!! / التفكير والتكفير!! / الشعوب تصنع سعادتها أو تعاستها!! / اعرف طريقك!!