منذ ما يقترب من العشرين عاما، كنا شبابا من أديان وقطار مختلفة حين سألونا أسئلة للتعارف، كان منها: من تحب أن تقابل؟؟
اثنان فقط -أنا منهما- قلنا: نيلسون مانديلا.
أنا مهتم بنموذج جنوب أفريقيا التحرري من جوانب مختلفة، وأعتقد أننا نخسر الكثير بعدم فهمنا له، كما نخسر أكثر بعدم دراسة نموذج الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987، قابلت شابا من جنوب أفريقيا يدير مركزا لدراسات الانتفاضة- كنموذج للتحرر!!!
معرفتي ببعض ما جرى في جنوب أفريقيا، وتجوالي في العالم، وفي النفوس، وثقافات الشعوب، ومشاهدات مطولة لأحوال الناس -عن كثب- طوال ثلاثين عاما تعطيني يقينا بأننا في مصر نعيش زمنا نادرا في تاريخنا، بل وتاريخ الإنسانية، لكن قصور معرفتنا يزهدنا في الندرة، لأننا لا ندركها أصلا!!!
للأسف لا يمكن أن تحل محل أحد لتقوم بما ينبغي أن يقوم به من ترحال ليعرف نفسه، وغيره، وزمانه!!!
مانديلا مات، ومثله آلاف، علامات سير على طريق لا يغشاه العميان
تسحب أية سلطة الناس إلى حيث تستطيع أن تستعرض أدواتها، تسحب عقولهم، إلى حيث الإعلام يكذب ويزين، وتسحب حتى أشكال العمل ضدها إلى مساحات تبطش فيها بهم، اعتقالا، ومحاكمة، وتنكيلا!!
هي تمتلك السجون، والقيود، ومهرجين يرتدون البذلات بأنواعها، وتستطيع تحريك هذه الأطقم، واستعراضها، بل إن هذا الاستعراض، هو كل ما لديها!!
البقاء ضمن هذا المخطط الدرامي هو اختيار يضع صاحبه في حالة شعورية إحباطية، حين يرى أن السلطة -ها هي- تفعل، والناس عاجزون، وقد ترواده حينئذ أفكار حول الاستسلام بالصمت، أو محاولة منازعة السلطة في لعبة القوة، أي الانتصار عليها بنفس أدواتها!!
العمل الثوري الشعبي السلمي العميق هو سحب السلطة إلى مساحات لا تتوقعها، ولم تتدرب على مواجهتها، ولا تستطيع التعامل معها، ويحتاج هذا الخيار إلى تحفيز ما تجمد في الناس من وعي روحي، وإبداع فردي وجماعي، وتضافر جهود يومي، ومعرفة تقوم على التحفيز الداخلي، والاحتفاء بالإنساني والفطري!!
تلك كانت -بالضبط- هي وصفة انتفاضة فلسطين الأولى 1987، والتي شلت قدرة العدو الصهيوني بكل سلاحه وعتاده، إنها وصفة الشعب المجيش مدنيا، نفس وصفة بدايات الثورة المصرية، وفي الحالتين لا تجد السلطة للقضاء على هذه الحالة الثورية أفضل من إجهاضها في مسار سياسي -كما حصل في أوسلو- وفي المسار المصري، بدءا من 19 مارس 2011، لكن من يغفلون عن دروس التاريخ، يدفعون الثمن أكثر من مرة!!
ويتبع >>>>>>>>: فيما يرى الحالم المختبر...
واقرأ أيضاً:
مسار الثورة 30 أكتوبر هكذا وقعنا في الفخ......../ حالة تسمم في الشارع نتحرك ولكن ببطء/ مسار الثورة لحظة محمد محمود 19/11/2013