ما رشح عن جولة (جون كيري) وزير الخارجية الأمريكي التاسعة في المنطقة، وما طرحه على الرئيس عباس، يؤكد من جديد أن الولايات المتحدة الأمريكيـة لا يمكن أن تكون راعياً محايداً للمفاوضات الفلسـطينيـة الإسـرائيليـة؛ فهي ليسـت منحازة وداعمـة (لإسـرائيل) فحسـب، بل هي تُطالب (لإسـرائيل) أكثر ممّا تطلبـه (إسـرائيل) نفسـها، مستغلة بذلك أوراق الضغط التي تملكها، ومستغلة غياب أيّ موقف عربي رسمي للوقوف في وجه الحملات المضادة، بل هي تُجند النظام العربي الرسمي ليكون ورقة ضغط ثالثة على السلطة الفلسطينية.
فأمريكا وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي الذين يُمسكون بخانوق السلطة الفلسطينية من خلال الدعم المالي، وهو دعم في المحصلـة يصبّ في خانـة الاحتلال، ويوفر على الخزينـة الإسـرائيليـة ما يتطلبـه احتلالها للمناطق الفلسـطينيـة من إلتزامات ماديـة...، وهم لم يتورّعوا بالتلويح بتهديدات للسلطة تتمثل في احتمال عدم الإفراج عن دفعة الأسرى القُدامى المقرّرة في 29 ديسمبر الحالي، وتلميح الاتحاد الأوروبي بتقليص رواتب موظفي السلطة في قطاع غزة؛
وهو تلميح بلا شك بضغط وتنسيق أمريكي جاء مصاحباً لجولة الوزير (جون كيري)، وطروحات (كيري) بتأجير منطقة الأغوار (لإسرائيل) لعشر سنوات قابلة للتجديد، واحتفاظ (إسرائيل) بمعداتها العسكرية والاستطلاعية على رؤوس الجبال في الضفة الغربية، وإدارة مشتركة للمعابر، والسماح للطيران الإسرائيلي باستباحة أجواء الضفة الغربية، وتدويل القدس القديمة، والاحتفاظ بالتجمعات الاستيطانية، وهي طروحات تنفي بالتأكيد قيام دولـة فلسـطين "العتيدة"، وما الحلول التي تقترحها أمريكا إلا تنفيذ لمخطط (إسرائيل) بإدارة مدنية فلسطينية على السكان دون الأرض في الضفة الغربية، وليُسميها الفلسطينيون والعرب "دولة" أو "إمبراطورية" فهذا شأنهم..!!
وتأتي "طروحات" الوزير (كيري) على السلطة الفلسطينية في وقت لم تضغط فيه على (إسرائيل) لوقف الاستيطان ومصادرة الأراضي، هذا الاسـتيطان الذي يتسـارع بشـكل جنوني لفرض حقائق على الأرض تحول دون إقامـة دولـة فلسـطينيـة. وحتى لم تضغط على (إسرائيل) لاحترام حقوق الإنسان الفلسطيني، بما فيها حق الصلاة في دور العبادة وفي مقدمتها المسجد الأقصى..!!
و"اقتراحات" (كيري) الصهيونية وما يُصاحبها من ضغوطات مالية وغيرها، تأتي من أجل تمديد فترة التسعة شهور التي وعدت فيها أمريكا بإيجاد حلٍّ دائمٍ للصراع الذي طال أمده، وهذا التمديد يعني منح (إسرائيل) الفرصة لاستكمال مشروعها الاستيطاني، ولن يُحقق أيّ تقدّم لصالح إنهاء الصراع.
والوزير (كيري) يعرف تماماً مدى الضعف والخذلان والتفرق العربي، تماماً مثلما يعلم ضعف موارد السلطة الفلسطينية المالي.
إن طروحات (كيري) تتطلب من السـلطـة الفلسـطينيـة في الضفـة الغربيـة و"إمارة حماس" في قطاع غزة، أن يُسـارعوا في إنهاء الانشـقاق القائم منذ منتصف العام 2006؛ فهذا الانشـقاق ورقـة رابحـة في أيدي أمريكا وإسـرائيل للالتفاف على حق تقرير المصير للشـعب الفلسـطيني، وعلى طرفي الانشـقاق أن يُقدّما مصلحـة الوطن والشـعب على الصراع على سـلطـة تحت الاحتلال ولا تملك من السـلطـة سـوى الاسـم..!!
وإذا ما استمرت هذه الضغوطات، وكل الدلائل تُشير على أنها ستستمر، فما الذي يمنع السلطة من حلّ نفسها، وإعادة القضية إلى الجامعة العربية، لتتحمل الدول العربية مسؤولياتها القومية بهذا الخصوص!؟ ولتترك الشعوب تُقارع محتليها، والرّهان على الشعوب دائماً هو الرابح.
13/12/2013
واقرأ أيضاً:
وفد وزاري عربي يتوسل المفاوضات/ هنا القدس...!/ بدون مؤاخذة ـ المرأة وحقوقها/ بدون مؤاخذة ـ عفواً سيادة الرئيس