احتضنتني بدفء النهار وكأنها ملاك الضياء
أطلقت سراحي من برد وظلام هذا المساء
هناك ظاهرة كثيرة الملاحظة مؤخراً حول تحول التوجه الجنسي من مشاهير الرجال والنساء من غيري إلى مثلي. هذا الإعلان الصحفي لتحول التوجه الجنسي يخص رجال الفن والأدب والسياسة ولكنه أيضاً ليس بغير المعروف اجتماعياً في الغرب. بين الحين والآخر قد تقابل رجلاً أو امرأة انفصلا عن شركائهم وتستفسر عن شريكهم الجديد. البعض وعلى سبيل النكتة والمرح مع زملائه من الرجال يقول أرجو أن لا يكون الشريك رجلا ويأتي الجواب بدون تردد نعم. أما المرأة فقلما يحدث المزاح معها بأسلوب النكتة الأخير ولكنها لا تتردد في تقديم شريكتها الجديدة لزميلاتها خلال مناسبة معينة.
خصصت صحيفة الديلي ميل Daily Mail البريطانية في شهر كانون الأول 2013 صفحة كاملة لهذا الموضوع ودار النقاش وطُرحت آراء المشاهير من الناس ومعارفهم. كذلك أشارت إليه صحيفة الغارديان Guardian البريطانية في الشهر نفسه. لم يكن طرح الآراء علمياً وإطاره يميل إلى المدح والمواساة وشجاعة النساء في إعلان توجهم الجنسي المثلي.
أما على صعيد المجتمع فهو أيضاً ظاهرة يكثر ملاحظتها بين الحين والآخر وعدد النساء اللاتي يصرحن بتغير تحولهم الجنسي يفوق عدد الذين يثيرون اهتمام الصحافة ونسبتهم قد تفوق عدد الرجال الذي يصرحون بتغير توجهم الجنسي.
الفوارق بين الرجال والنساء:
الرجل الذي يعلن مثليته بعد العقد الثالث من العمر قد يكون أعزباً ويميل إلى الانطوائية في تفاعله الاجتماعي مع الآخرين. تحوم الشكوك حول الكثير من هؤلاء الذين يصرون على توجه جنسي غيري ويتميزون دوماً بعلاقات مع الجنس الآخر لا يمكن وصفها بالحميمة والجنسية، لذلك فإن رد فعل المجتمع الغربي لإعلان الرجل عن مثليته لا يصاحبه الذهول لأن الشكوك حول مثليته كانت موجودة في الأصل. كذلك ترى المجتمع هذه الأيام يمدح مثل هذا الفرد على خروجه من دولاب إنكار المثلية إلى واقع الحياة.
أما المرأة التي تعلن مثليتها بعد العقد الثالث أو الرابع من العمر فهي متزوجة ولا تميل إلى الانطوائية مثل الرجل. لم تحُم الشكوك حولها يوماً ما بأنها مثلية التوجه، وأطفالها تجاوزوا سن البلوغ.
أما رد فعل المجتمع الغربي لإعلان المرأة عن مثليتها فطالما يصاحبه الذهول لأن الشكوك حول توجهها المثلي لم تكن موجودة. لا ينهال عليها المجتمع بالمديح ولا ينتقدها فالحياة الجنسية تقع ضمن الحرية الشخصية للبالغين.
تعريف المصطلح:
يتم استعمال كلمة سحاق في اللغة العربية بصورة سلبية وتعني سحق أو ضغط النساء لأجسادهن أثناء ممارسة العمل الجنسي المثلي. أما في اللاتينية فيستعمل مصطلح Lesbian للإشارة إلى المثلية الجنسية بين النساء. هذا المصطلح حديث العهد ومشتق من جزيرة إغريقية اسمها ليسبوس Lesbos في القرن السادس قبل الميلاد حيث كانت تعيش فيها شاعرة تدعى سافو Sappho التي تميزت بولعها بالنساء وأسهبت في شعرها عن جمال النساء، ولم تخفي عشقها لهن. كان استعمال كلمة lesbian قبل نهاية القرن التاسع عشر يقتصر على كل ما له علاقة بالجزيرة من طعام وشراب دون المثلية الجنسية النسائية.
المصطلحات التي تستعمل لتعريف المثليين تغيرت أكثر من مرة وتختلف من حضارة إلى أخرى. يشيع استعمال كلمة باجي في العراق على سبيل المثال وتعرف المرأة المثلية بالباجية وهي مشتقة من اللغة التركية وتعني الأخت الكبرى. كلمة مثلي ومثلية دخلت المجتمع العربي ولكنها قلما تستعمل في الغرب هذه الأيام وتم الاستعاضة عنها بكلمة Gay للرجل. تطلق أحياناً كلمة Butch على المرأة التي لديها صفات رجولية وكان المصطلح شائعاً في الأربعينيات وتضاءل استعماله مؤخراً.
انتشار المثلية:
أول دراسة5 عالجت موضوع المثلية عند النساء قسمت أجوبة المشاركات فيها كما يلي:
0 غيرية فقط.
1- غيرية ونادراً مثلية.
2- غيرية ولكن أحياناً مثلية.
3- مثلية وغيرية.
4- مثلية وأحياناً غيرية.
5- مثلية ونادراً غيرية.
6- مثلية فقط.
7- غير جنسية.
7 % من النساء العازبات عمر 20 – 35 و4% من المتزوجات سابقاً عمر 20 -35 تم حشرهن في المجموعة الثالثة. 2- 6 % من النساء عمر 20 – 35 في المجموعة الخامسة و1 -3 من العازبات في المجموعة السادسة. هذه الدراسة كانت الأولى من نوعها في الخمسينيات وأثارت الكثير من الضجة وتم توجيه الانتقاد بعد الآخر للباحث وفريقه بسعيهم لتدمير المجتمع أخلاقياً. كذلك تم توجيه الانتقاد حول طبيعة الأسئلة الموجهة للمشاركات. بعبارة أخرى كان ادعاء من شكك في الدراسة بأن نسبة المثليات في المجتمع مبالغ فيها ولا يمكن الوثوق بها.
بعد ربع قرن من الزمان4 تم عمل دراسة أخرى وتم التركيز على تعريف المرأة لنفسها وتفضيلها للتجربة الجنسية. هذه الدراسة التي شملت أكثر من 3000 امرأة توصلت إلى نتائج تدعم الدراسة الأولى وعلى العكس استنتجت بأن نسبة المثلية النسائية أكبر من الأرقام أعلاه. 8% من النساء يفضلن الجنس مع امرأة أخرى و 9% يعرفن أنفسن بثنائيه التوجه. كان أهم ما توصلت إليه الدراسة هو أهمية التجربة الجنسية للمرأة مع الرجل والتركيز على تحفيز البظر والتفاعل العاطفي أثناء العمل الجنسي والوصول إلى عتبة الإرجاز.
النساء لا يستحببن كلمة مثلية أو ثنائية التوجه Bisexual ومن وجهة نظرهن أن الهوية الجنسية غير التوجه الجنسي3 وهذا الحديث لا يخلو من الصحة ويستعيضون عنها بمصطلح علاقة نفس الجنس Same Sex Relationship . إن استعمال المصطلح الأخير قد يوضح بعض التناقض في الدراسات الميدانية لانتشار المثلية الجنسية النسائية. معظم الدراسات الإحصائية العامة ركزت على الهوية الجنسية بدلاً من التوجه الجنسي أو التجارب الجنسية واستعملت السؤال: هل تعرفين نفسك كمثلية (gay) أو ثنائية التوجه (bisexual)؟
نسبة النساء اللاتي يعرفن أنفسهن بهذا المصطلح تتراوح بين بلد وآخر. في بريطانيا كانت نتيجة الإحصاء العام هي 1.5% من النساء يعرفن أنفسهن بمثليات في عام 2010 أما الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية فتضع النتيجة بمقدار 2.6% في عام 2000، وفي دراسة أخرى في الولايات المتحدة ارتفع عدد العلاقات المثلية النسائية بمقدار 30%. أما في استراليا فالأرقام تتراوح بين 1.3 إلى 2.2 % من مجموع السكان. هذه المجتمعات الثلاثة تكاد تكون متشابهة في كل شيء وهذا التضارب في الأرقام يمكن تفسيره بالرد على سؤال لا تقتنع به المجيبة أو ترفضه.
ما أثبتته الدراسات الحديثة في عام 2011 أن تجارب النساء المثلية هي ضعف عدد تجارب الرجال المثلية وتصل إلى 12% من عدد النساء من عمر 25 إلى 44 عاماً1 .
لا توجد دراسات يمكن الاستناد عليها في العالم الشرقي عموماً لشدة العداء نحو المثلية عموما وتقييد حرية المرأة. لا يقتصر ذلك على العالم العربي الإسلامي فقط وإنما يشمل روسيا الأوربية وأكبر ديمقراطية في العالم وهي الهند. تم عرض فيلم هندي في العقد الماضي يتعرض لعلاقة بين امرأتين فأدى إلى أعمال شغب وهتافات جماهيرية تشير إلى عدم وجود علاقة جنسية بين النساء في المجموعة الهندوسية بينما نرى فيلما فرنسيا مشابها حصل على جائزة كان 2013 مخرجه فرنسي من أصل تونسي.
تعليل الظاهرة:
هناك اختلاف بين السلوك المثلي في النساء مقارنة بالرجال. السلوك المثلي في النساء يتميز بقلة عدد الشركاء على المدى البعيد واستقرار العلاقة بين الشريكتين مقارنة بالمثليين من الرجال بل وحتى بين الرجل والمرأة أحياناً. كذلك تشير الأدلة العلمية من دراسات ميدانية في الصحة النفسية بأن نسبة اضطرابات الاكتئاب والقلق في النساء المثليات لا تختلف عن بقية أفراد المجتمع وربما أقل بكثير من الاضطرابات النفسية في المثليين من الرجال. كذلك لا يوجد دليل على أن سلوك النساء المثليات في زينتهن وحديثهن يختلف عن بقية النساء ويصعب تمييزهن من الغيريات.
العلاقة بين الرجل المرأة تتضمن عدة أبعاد من أهمها:
٠ القدرة على الاستجابة العاطفية
٠ الشعور بالأمان وغياب العنف المنزلي
٠ التعقل المتبادل بين الرجل والمرأة
٠ القدرة على اتصال حر بين الرجل والمرأة
هذه العوامل وربما غيرها تؤدي إلى علاقة حميمة والعلاقة الحميمية بدورها إلى علاقة جنسية.
عند هذا المنعطف تأتي أهمية العلاقة الجنسية الصحية التي تلبي احتياجات المرأة الجنسية والتركيز على تحفيز البظر والتفاعل العاطفي ومن ثم الوصول إلى الإرجاز. يمكن في هذه المرحلة تقييم التأثير السلبي لختان النساء على العلاقة الزوجية وسعادة المرأة.
نجاح العلاقة الزوجية عبر المراحل أعلاه يؤدي إلى الدخول في علاقة صحية مع الآخرين. متى ما حصل ذلك بدأت المرأة باكتساب المتانة والتماسك في شخصيتها.
هذا المخطط يوضح هذا المفهوم
في غياب الأبعاد الأساسية للعلاقة بين الرجل والمرأة وفشل العلاقة الجنسية تبدأ المرأة حالها حال أي مخلوق حي في البحث عن علاقة أخرى. المجتمع العربي الإسلامي يمكن وصفه بمجتمع مثلي Homo-society حيث ترى الفعاليات الاجتماعية محصورة بين الرجال أنفسهم وكذلك الحال مع النساء. كذلك لا توجد حدود على زينة المرأة وملبسها في الفعاليات الاجتماعية بين النساء أنفسهن وربما تسمع المرأة مديح النسوة وإعجابهن بها أكثر من زوجها نفسه. من خلال هذه التفاعلات الاجتماعية تدخل المرأة في علاقة تتوفر فيها الأبعاد أعلاه وتتحول إلى علاقة حميمة. العلاقة الحميمة بدورها تلمح دوماً صوب علاقة جنسية وتصبح قاب قوسين أو أدنى لعلاقة عاطفية وجنسية معاً مع غياب علاقة أخرى تلبي احتياجات المرأة الجنسية.
هناك فرضية أخرى ربما تشير إلى أن التوجه الجنسي عند المرأة أكثر سيولة من الرجل. إذ يتميز دماغ المرأة عن الرجل في أن الاتصال بين الجزء الأيمن والأيسر من المخ أكثر من الرجل2. الجزء الأيسر يعنى بالتفكير العقلاني بينما الأيمن يعنى أكثر بالتفكير الحدسي مما يفسر تفوق المرأة على الرجل في:
٠ معالجة الذكريات
٠ المهارة الاجتماعية
٠ تعدد المهام
يوضح هذا المخطط الفرق بين دماغ المرأة (الأحمر) ودماغ الرجل (الأزرق).
المرأة تعني ببيتها ونفسها وعملها في نفس الوقت ومهارتها الاجتماعية أفضل بكثير وتتفحص ذكرياتها بمهارة. هذه العوامل جميعها قد تساعد على زيادة سيولة التوجه الجنسي عند المرأة وبحثها عن علاقة تلبي احتياجات مشروعة فشل رجل في تلبيتها ولم يقع اختيارها عليه أصلاً.
المصادر:
1. Chandra A et al(2011). National Health Statistics Reports. 37.
2. Economist. December 7th 2013.
3. Faderman, Lillian (1991). Odd Girls and Twilight Lovers: A History of Lesbian Life in Twentieth Century America, Penguin Books
4. Hite, Shere (1976). The Hite Report: A Nationwide Study on Female Sexuality , MacMillan
5. Kinsey, et al (1953). Sexual Behavior in the Human Female, Institute for Sex Research Saunders.