هذه رسائل للباحثين عن طرق جديدة لمواجهة صعوبات الحياة اليومية، وللصمود في أوقات المحن، والمرونة في التعامل مع التحديات، والأزمات.
نحن جميعا نتمتع فطريا بكل ما نحتاجه لنصمد، ونتكيف، وننجح في حياتنا، والصامدون في وجه الصعاب هم من تعلموا كيف يعيدون اكتشاف مواهبهم الفطرية، وانطلقوا إلى تنمية المهارات اليومية البسيطة والمتجددة التي تمنحهم قدرة أفضل على التعامل من خلال امتلاك مخزون زاخر ومتنوع من أساليب يمكنهم الاعتماد عليها.
خلق الله الإنسان متصلا ومتسقا مع روحه، والطبيعة، وحضرته العلية، بفطرته الصافية التي يحصل لها من بعد مولده، تعطيلات وتشوهات وتشويش مما يفقد الإنسان اتصاله، واتساقه!!
من أجل ذلك كانت الصلاة مناسبة يومية متكررة لاستعادة وتقويم ما نفقده، ويتشوش فينا، لكن ليس كل الناس تصلي، بل ليس كل من يصلي... يصلي!!
تأتي الفرص تالية للإنسان ليتصل ويتسق عبر الأحداث، وما ينشأ عنها في النفوس من مشاعر وآثار روحية بحيث يصلنا كل يوم عدد لا نهائي من الرسائل ونستقبلها نحن بغضب، وألم، أو رضا، وتسليم، وحسن الاستقبال شرط للتعلم، والاستيعاب!!
الألم مثلا يعطينا فرصة نادرة للاقتراب من أنفسنا، وسبر أغوارها المخفية، والتي صارت غريبة عنا من طول انفصالنا عنها، ولكن بدلا من النظر عبر نافذة واسعة يفتحها الألم بوابة لعالمنا الداخلي لنعرف تضاريسه، ونعيد اكتشافنا من جديد، ومن ثم اكتشاف العالم بعيون تتجدد نظرتها -كل يوم- نضيع الفرصة بالهروب من استقبال الرسائل باستسلام لمشاعر الألم، أو بمعركة معها، لنتخلص منها، أو بتكرار الشكوى، وارتداء دور الضحية العاجزة، أو الهروب منه إلى التسوق، أو الاهتمام المفرط بالجنس، أو تعاطي المخدرات، أو غير ذلك من طرق الهروب!!
بدلا من التعرف على أنفسنا الحقيقية، بالتواصل مع أرواحنا، تتغذى نفوسنا المزيفة على أنواع المخدرات والهروب من مواجهة الألم فيزداد الشعور وطأة!! بدلا من أن نتخلص من الألم -كما نتوهم- يغرقنا الهروب منه في براثنه جالبا معه منظومة من المشاعر والذكريات والمواقف والانطباعات وطرق الإدراك القديمة السلبية المكررة عن الذات والعالم والحياة والناس!!
بدلا من أن يكون الألم فرصة للوصل، يصبح حاجزا للفصل عن الروح، وعن الله سبحانه، وعن المحيط الذي حولنا بشرا، وطبيعة!! ويزداد بحثنا عن مسكنات، أو هروب، أو انتحار بطرق مختلفة، أو طرف ما يتحمل عنا الألم، والمسئولية، بأن يصبح -في تقديرنا- سبب هذا الألم، والتعاسة المصاحبة له، والشقاء المترتب عليه!!
إما أن نبحث عن كبش فداء يتحمل عنا مسئولية ألمنا، أو نسعى للخلاص منه بالانتحار، أو الانتقام، أو الاكتفاء بالفرجة عليه، وعلى آلام الآخرين دون تدخل فعال للتعامل معه!!
الألم -ببساطة- جزء من الحياة، ولا يمكن أن يمر إنسان بسعادة حقيقية، وراحة بال إلا إذا خاض –بحكمة- غمار آلامه، وتعامل معها بإيجابية!! ولنا -في هذا جولات- إن شاء الله.
لا يدوم في الحياة الدنيا شيء... لا ألم، ولا حزن، ولا سعادة، ولا راحة بال -الدنيا نفسها- لا تدوم.
5/1/2014
ويتبع >>>>>: في العتمة .. ضي مدخل مكمل .. عن الألم
واقرأ أيضًا:
الخوف/ في مديح التشفي