كنت أريد وضع هذا الكلام كتعليق على مقال المهندس حسين، آفة الدالات الممالة...
لكني آثرت أن أجعله منفصلًا، لأن الكلام لا يتعلق بمقال بعينه ولكن بمسألة تقبل فكر الآخر عمومًا، وأحببت أن يستفيد منه القراء جميعهم...
وهذا ما سطرته له:
مهندس حسين، انتقادك سليم، لكن أخشى أن يفهم قولك: (يتناطحان) على غير وجهه.
يعيب الدكتور -الذي تنتقد كلامه- علينا لماذا لا نقبل فكر الآخر، ولا نناقش بهدوء، ووو...
المشكلة أننا مللنا من رؤية الأعوج وقراءته وسماعه... كل ما حولنا أعوج، فإذا رأينا عوجاء أخرى قال لسان حالنا: وبعدين بقى؟!!!
المبدأ في هذا، والذي لا يختص بمقال بعينه، أنه كيف نقبل فكرًا بناه صاحبه على معلومات مغلوطة؟! (إن صح تسميتها معلومات)
من أراد أن يكتب في التاريخ واللغة والعلوم الشرعية، لا يكفي أن يرجع إلى مراجع حديثة فحسب ويلقي المسؤولية عليها...، عندنا في كليتنا لا نقبل بحثًا من طلاب السنة الأولى إن لم يرجعوا إلى المراجع الأصيلة ويفهموها بلغة سليمة بالمعنى الذي أراده أصحابها، لا وفقًا لرطانة اليوم...
كثير من الكتاب المعاصرين يكتب لا عن علم وإنما عن هوى، وفكرة مسبقة، ولا يكتب الحقيقة، ولا بتجرد. يسمي نفسه مفكرًا لأنه يفكر، ويفكر، ويفكر... لكن بماذا يفكر؟ نعلم حين ينضح بما فيه.
وصاحب كل اختصاص يعلم السليم من السقيم فيما يُكتَب في اختصاصه، وصاحب كل اختصاص مخلص لمجاله لا يتحمل أن يرى التخريف فيه.
إن كان من أمامه جاهلًا علمه، وإن كان ذلك المتكلم يفتخر بما يقول فإنه من إهانة عقل المختص أن تجبره على قبول ما يعلم أنه باطل...، لِمَ أتعبنا نفسنا بالتعلم –السنين الطوال- إن وجب علينا تقبل الخطأ، وتقبل ما بُنِيَ على باطل وجهل؟!!!
إذا كان الأمر كذلك، لا داعي للتعلم، نتكلم بما خطر في بالنا، وبما وجدنا فيما تيسر أمامنا من أوراق مسطورة ومجموعة بين دفتين، ويجب على الكل أن يقبل!
لا ليس هذا من حرية التعبير، ولا من حقوق الإنسان، هذا من حق من يدخل إلى عيادات أطباء هذا الموقع فقط...
إهانة العقول أشد وطأً من إهانة الأجساد...
الإسلام قَبِل المفيد من حضارات الآخرين والذي لا يتعارض مع العقل بل يدعمه، والمثال المشهور في هذا: عَمَلُ النبي صلى الله عليه وسلم بقول سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، وحفْرُه للخندق في غزوة الأحزاب، أو ما سميت غزوة الخندق نسبة لهذا الخندق...
لكن لما قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم: نعبد إلهك يومًا وتعبد إلهنا يومًا، لم يقبل كلامهم لأنه مخالف للحقيقة، وهي أن الله تعالى واحدٌ خالق الكون، لا إله غيره، ولا معبود سواه، وهل كان يلعب طوال السنين التي دعاهم فيها للحقيقة، حتى يوافقهم على باطلهم أخيرًا؟!!
نزلت حينها سورة الكافرون: بسم الله الرحمن الرحيم {{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}}
كم مرة تم تكرار رفض الباطل هنا؟؟
المعلومات المغلوطة لا تُقبَل، ومثلها الاستنتاجات القائمة على معلومات صحيحة لكنها تخالف حقائق أخرى لم تذكر في النص الذي تتم دراسته...
فإن أصرّ صاحب القول على حقه في الكلام كيف يشاء، فنحن نُصِرّ على حقنا في الرفض عن علم ودليل، وعلى حقنا في صيانة عقولنا وعقول الآخرين من الإهانة.
ارحموا أنفسكم يا من تتكلمون كما يحلو لكم، ولا تهينوها بكلام لا يليق بأصحاب العقول... احفظوا للعلم قدره، -ولا أعني العلم الشرعي وحسب- كل علم مفيد جدير أن يحترم وألا يتكلم فيه إلا من هو أهله...
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعلهما علينا متشابهين فنتبع الهوى فنضل.
ويتبع >>>: صيانة العلم والعقل... (1)
واقرأ أيضاً:
قانون التغيير والمطبخ النفسي/ العبادة في الهرج / عندما عتب العيد / في هذه اللحظة / الكفالة الربانية للشام../ ساعات مع الشمعة / الإبداعات الشمعوِية!!! / زانية أبكتني..
التعليق: من أراد أن يكتب في التاريخ واللغة والعلوم الشرعية، لا يكفي أن يرجع إلى مراجع حديثة فحسب ويلقي المسؤولية عليها...، عندنا في كليتنا لا نقبل بحثًا من طلاب السنة الأولى إن لم يرجعوا إلى المراجع الأصيلة ويفهموها بلغة سليمة بالمعنى الذي أراده أصحابها، لا وفقًا لرطانة اليوم...
لماذا هذه القدسية لمراجع لم تخضع حتى لأبسط قواعد البحث العلمي والأدبي ... وكيف يمكن دراسة نظريات ومفاهيم دون تحديها وانتقادها ... هل هذا هو مستوى التعليم الجامعي؟.
ولماذا لا يعبر الإنسان عن ما في باله ؟ منع ذلك هو بالضبط إهانة العقول والأجساد معاً.
ليس هناك طبعة واحدة لكتاب وتلك المراجع المقدسة باستثناء القرأن الكريم تحتاج إلى تنقيح وطبعات جديدة ودراسات جديدة.
حان الوقت للتخلص من وهام الشعور بالعظمة المزيفة وبث آراء مزيفة مبنية على قواعد خالية من أبسط قواعد البحث العلمي والأدبي.
و قد سنحت لي الفرصة للاطلاع على ما تسمينه بانتقاد سليم في مقال مبتذل بعنوان آفة الدالات المبالة الموجه لشخصي