صيانة العلم والعقل...
مرة أخرى أتيت أعلق على كلام أسفل مقال، وإذ بي أجد التعليق لا يتسعه، وأولى به النشر منفردًا... هذا ردي على تعليق د. سداد في المدونة السابقة التي تحمل نفس العنوان، قال فيها: (من أراد أن يكتب في التاريخ واللغة والعلوم الشرعية، لا يكفي أن يرجع إلى مراجع حديثة فحسب ويلقي المسؤولية عليها...، عندنا في كليتنا لا نقبل بحثًا من طلاب السنة الأولى إن لم يرجعوا إلى المراجع الأصيلة ويفهموها بلغة سليمة بالمعنى الذي أراده أصحابها، لا وفقًا لرطانة اليوم... [وهذا نقل لكلامي طبعًا أتبعه بتعليقه]
لماذا هذه القدسية لمراجع لم تخضع حتى لأبسط قواعد البحث العلمي والأدبي... وكيف يمكن دراسة نظريات ومفاهيم دون تحديها وانتقادها... هل هذا هو مستوى التعليم الجامعي؟.
ولماذا لا يعبر الإنسان عن ما في باله؟ منع ذلك هو بالضبط إهانة العقول والأجساد معاً.
ليس هناك طبعة واحدة لكتاب وتلك المراجع المقدسة باستثناء القرآن الكريم تحتاج إلى تنقيح وطبعات جديدة ودراسات جديدة.
حان الوقت للتخلص من وهام الشعور بالعظمة المزيفة وبث آراء مزيفة مبنية على قواعد خالية من أبسط قواعد البحث العلمي والأدبي.
وقد سنحت لي الفرصة للاطلاع على ما تسمينه بانتقاد سليم في مقال مبتذل بعنوان آفة الدالات المبالة الموجه لشخص)
لماذا تسميه يا دكتور مقالًا مبتذلًا؟ الشخص لا يعرفك من قبل وليس بينه وبينك عداوة، إنما هو يقيم أفكارًا وجدهًا، وأدلى برأيه أن من يقول كذا فبرأيه أنه كذا...
أهم فكرة وصفتُها أنا بالانتقاد السليم هي فكرة المقال الأساسية، وهي أن حرف (د) قبل الاسم لا يخوله أن يتكلم في كل شيء!! المختص يبدع في علمه، وكل من تكلم بغير اختصاصه أتى بالعجائب! هذه العبارة كنا ندرسها وما زلنا... لا نتكلم إلا بعد العلم والتمحيص حتى لا نأتي بالعجائب، وهذا أصل الخلاف بين كلامي وكلامك...
أتعجّب جدًا من قولك: (لماذا هذه القدسية لمراجع لم تخضع حتى لأبسط قواعد البحث العلمي والأدبي)!!! هل من المعقول أن أستاذ دكتور أمضى عمره في الجامعات، واستشاري مرموق، ولا تعلم بعد أن لهذه العلوم قواعد خاصة دقيقة في البحث العلمي؟؟ أشك في ذلك!
وما دخل العلوم التاريخية والأدبية والشرعية وأضرابها بعلومكم التي تكتشف اليوم، ثم تنسف الاكتشاف غدًا؟!! هل سمعت خياطًا يخيط وفقًا لقواعد الطبخ؟!!!
تعرّف على قواعد البحث العلمي في علومنا ثم تعال حاكمنا على وفقها...، إنك بحكمك هذا علينا تقيس الطول بالمكيال، والوزن بالمسطرة!!! ومن قال أننا لا نناقش ولا نبدي الرأي، وأن في أبحاثنا جزءًا من الدرجة لمناقشة الطالب للمعلومة وظهور شخصيته في البحث؟
يمكن للإنسان أن يعبر عما في باله ويقترح، وعليه أن يوطن نفسه للتشكيك في رأيه وتمحيصه... فمن يدرس بتأنٍ متعرفًا على قواعد كل علم، ومتبحرًا فيما قاله ذلك العلم في المسألة التي يبحثها، يُحتَرَم قوله ويُناقَش به لإثراء الموضوع أكثر. أما أن يتكلم قبل أن يعلم، ويعرض تصوراته فحسب فهذه مشكلة!!
هذا يمكن أن يقال بين الأصدقاء في سهرة ودية، أما أن يكتب على أنه مقال علمي، ويمتعض صاحبه من النقد فهذه مشكلة أخرى!!
خاصة أنت يا دكتور، رغم أني لا أفهم في الطب النفسي حتى أقيّم ما تكتب، ولكني ألمس عمقًا في العرض والكتابة، وعرضًا لآراء الباحثين المختلفة، وترجيحًا... ثم كل طبيب -كما أرى هنا- يتبنى الرأي الذي يجده مناسبًا، تخالفه أنت، يخالفك هو، لا مشكلة، كلاكما عالم يتكلم...
لماذا تعرض نفسك لأن تكتب كلامًا غير مقبول في فنه لأسباب علمية، فيشهق القارئ حين يسمعه من دكتور كبير مثلك؟!! لماذا تعرض نفسك لأن يجعلوا ما كُتِب أضحوكة؟ لماذا ترضى هذا لنفسك؟!
لا أقول هذا لأطعن في شخصك... هذا فعل لا يرتضيه العاقل لنفسه، ومن يفعل فقد أوقع نفسه في الشبهات، فلا يلومن من أساء الظن به!
العامي يقال عنه: أهبل!! والعالم يقال عنه: مغرض... صاحب هوى... متحيّز!!! لسبب بسيط أن الناس لا تقتنع أن العالم يقول هذا ويصمم عليه جهلًا فحسب!!
هذه ردة فعل طبيعية جدًا فلا تستغربها ولا تقل إنه كلام مبتذل!!
المراجع التاريخية ونحوها ليست كمراجع العلوم الكونية... لا يمكنك أن تعرف معلومة تاريخية بالتأمل ولا أن تحللها وتستنتج منها بنفس طريقة العلوم الكونية...
تذكرت بهذه المناسبة نكتة تقول: أراد شخص أن يجري بعض التجارب على ضفدعة، قطع يدها ثم ضرب على الطاولة فقفزت، ثم قطع يدها الثانية، ثم ضرب على الطاولة فقفزت، ثم قطع رجلها، وضرب على الطاولة فحاولت القفز، قطع رجلها الثانية وضرب على الطاولة فلم تقفز...
فخرج باستنتاج أن الضفدعة تسمع برجليها!!!
هذا الذي سيحصل تمامًا إن طبقت قواعد البحث العلمي في اختصاص ما على اختصاص آخر.
لن أذكر أسماء، ولن أدخل في التفاصيل...، لكن الذين يكتبون لهدف خبيث كثُر في العلوم الإنسانية لحساسيتها وتعلقها بإنشاء الحضارات...، ولا يلتزمون طبعًا أي منهج علمي، لأنهم لو التزموه لما وصلوا إلى النتيجة المطلوبة... واجهني كثير من هذا القبيل أثناء كتابتي للأبحاث، شخص قبل اسمه (د)، يلقب بشيخ، يظهر في الفضائيات، الخ... ثم يحضر نصًا من كتب العلماء على حكم معين. أستغربه، وأرجع إلى المراجع، وإذ به قد حذف العبارة التي تخالف كلامه، ثم وصل الكلام من جديد ليكون على النحو الذي يريده، ثم ينسبه إلى مذهب من المذاهب، يضحك به على العوام الذين ليس لديهم القدرة على الرجوع إلى المراجع.
هل نكون ظالمين إن وصفناه بالدجال والخائن للعلم والإنسانية؟ أو شككنا به أنه مغرض خبيث مبرمج من جهات معينة؟ هو الذي ارتضى لنفسه هذا، هو الذي مسخ إنسانيته حتى لم يعد يأبه بأن يُتَوِّجَه العقلاء بهذه الصفات، رضي بتصفيق العامة له، وبظهوره على الفضائيات، ولربما بمال يجمعه، أو... أو...
نحن أسرة مجانين كلها، مستشاروها وقراؤها، لا يرضون لمستشار مثلك أن تنحو نحوهم، ثم تصمم على هذا! أنت أعقل من أن تفعل هذا، ومن أن تعرض نفسك للتهم...، ولا أريد أن أزيد على هذا الكلام الآن...
الكتب التي نرجع إليها لا نحترمها إلا بمقدار ما توافق الكتاب والسنة، وإلا بمقدار ثناء العلماء في شتى العصور عليها وعلى مؤلفيها، "الشغلة ليست شوربة" كما يقولون!
ما من مجتهد في المذاهب الأربعة، إلا وقد خالفه تلامذته النجباء المبرزون في أحكام اجتهد فيها، وهناك مسائل يعمل علماء المذهب فيها -على مرّ العصور- بقول التلاميذ ويتركون قول الإمام، لأنهم بعد التمحيص يجدون قولهم أقرب إلى الكتاب والسنة من قوله.
ما عندنا عصمة إلا للأنبياء، وكل من سواهم يؤخذ من قوله ويُرد... لكن من الذي يأخذ ويرد: هنا المسألة.
لماذا تعلمت اللغة الانجليزية قبل أن تدرس في الجامعات البريطانية؟ هلا فهمت كتبهم باللغة العربية حسب البيئة التي نشأت فيها؟ لماذا تحترم مدرسيك؟ لماذا تطالب الطلاب باحترامك؟ لماذا ترجع إلى الكتب أصلًا طالما الطب قائم على التجربة؟!
كل هذه الأسئلة طرحتَها أنت في مقالاتك، وأنا ومن ينتقد نطرحها بدورنا عليك... فلماذا تغضب؟!
هذه نصيحة أدليها عن حب وتقدير، ولو لم تكن عاقلًا عالمًا في اختصاصك، لتركتك تقول ما تشاء إذا لا مجال للكلام مع من لا يعقل ولا يفهم...
العاقل يسأل عن كلامه أمام القانون، وفاقد الأهلية ينطق بما يشاء دون محاسبة...
هناك من يقاضي من يطبب الناس بغير ترخيص، ونحن المساكين الذين لا نجد من يقاضي المتعدي على العلم والمهنة...، لكن الله يدافع عن الذين آمنوا، ورضينا به وكيلًا وحَكَمًا...
واقرأ أيضاً:
قانون التغيير والمطبخ النفسي / العبادة في الهرج / عندما عتب العيد / في هذه اللحظة / الكفالة الربانية للشام.. / ساعات مع الشمعة / الإبداعات الشمعوِية!!! / زانية أبكتني..
التعليق: إذا لم يكن الابتذال وصف أحد بأنه مستأجر واتهامه بالتشيع (و هذا بالطبع ليس اتهاماً بل فخراً للكثير) بل تمثيل حي لحقارة وإجرام الفكر الإسلامي المعاصر لتكفير الناس وإباحة دمهم فما هو الابتذال ؟
من المخجل أن تتحدثي كما يتحدث جماعة التكفير وتستعملين عبارة"وتعرض نفسك للتهم". متى ما كان طيف الإيمان واتصال الفرد بربه من اختصاص الغير أم هل أصبح التفكير الإسلامي أشبه بتفكير الكنيسة التكفيري في القرون الوسطى ؟ الإجابة بل اسوأ بكثير.
لا حق لأي فرد أو سلطة السماح باستعمال كلمات تتعرض لإيمان الفرد وكان الأحرى بالموقع أن يحرر الكلمات كما هو الحال في استلام أي مقال فيه كلمات غير أخلاقية أو على الأقل يحجبها.
ومن الذي أعلمك بأني لا أعرف كيف يتم انتقاد ودراسة الكتب القديمة ؟.
قد يكون هناك اختلاف في الآراء ولكن استعمال الكلام البذيء لا يعكس إلا غياب الدين الأصيل والأخلاق وفي هذا الأمر لا أحب أن أذكر بمقولة رائعة للفاروق لوصف هؤلاء البشر.