في حقيقة الأمر أن هناك مصطلحات نفسية من الضرورة أن يعرفها الجميع، ويتم تيسيطها لعامة الناس بحيث لا تكون مقصورة على المتخصصين في مجال علم النفس والطب النفسي، حيث أن هذه المصطلحات تساهم بشكل كبير في معرفة الإنسان لنفسه ولطبيعة سلوكه الظاهر وغير الظاهر، ومن هذه المصطلحات مصطلح التنافر المعرفي.
ماذا نعني بالتنافر المعرفي:
التنافر المعرفي كمصطلح نفسي تم استخدامه لأول مرة بواسطة عالم النفس الأمريكي ليون فيستنجر Leon Festinger وكان ذلك في عام 1957، وقد استخدمه "فستنجر" ليصف به الشعور الذي ينتاب الإنسان بعدم الراحة النفسية عندما تتزاحم في عقله فكرتين – أو أكثر – عكس بعضهما البعض أو متناقضتين أو متنافرتين، فتتولد لديه رغبة قوية في تقليل هذا التنافر الموجود بين الفكرتين، حيث أن العقل البشري دائماً لديه نفور من الاختلاف ويسعى جاهداً إلى الابتعاد عن الدخول في دائرة صراع الأفكار المتنافرة.
ولذلك يبذل مجهود كبير ليقلل الاختلاف أو يقوم بإلغائه من أجل الابتعاد عن الضيق والتوتر والضغط النفسي من أجل الوصول إلى الراحة النفسية.
ولكن كيف يقوم بهذه المهمة؟
لكي يستطيع القيام بهذه المهمة نجد أن عقل الإنسان يميل إلى التحيز bias، بمعنى أنه ينجذب ويميل إلى الأشياء التي تؤيد معتقداته، وتؤيد قناعاته الشخصية بل أنه يبحث عن هذه الأشياء في محيطه ويذهب إليها.
وليس هذا فحسب بل أنه يقوم في نفس الوقت بتجاهل الأشياء التي تخالف معتقداته وأفكاره وتتناقض مع ما هو مقتنع به. كل هذا ليريح نفسه من الصراع.
وبطبيعة الحال فإن هذه التحيزات المعرفية Cognitive biases تؤدي إلى حدوث أخطاء في حياة الإنسان وفي العمل وفي السياسة، حيث أنها قد تؤدي إلى ان يتخذ الإنسان قرارات خاطئة، لأنه لا يرى الحقيقة في ضوء تحيزاته المعرفية تلك.
وهذا حقيقي ومثبت بالأدلة المسندة في عدد من الأبحاث والدراسات العلمية في مجال علم النفس.
بعد تناولنا لمصطلح التنافر المعرفي اجعلنا نلقي نظرة على حياتنا اليومية، فما رايك لو ألقيت نظرة على نفسك وأفكارك وسلوكياتك ولاحظتها؟!
ولنأخذ مثالاً بسيطاً على ذلك وهو استخدام واحدة من وسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة بواسطة شبكة المعلومات (الإنترنت) وهو الفيس بوك
سنجد أن الشخص عند استخدامه للفيس بوك يبحث عن الأشياء التي تؤكد معتقداته الحياتية والدينية والسياسية، وتؤكد في نفس الوقت اتجاهاته وأرائه ووجهة نظره الخاصة وأفكاره التي يتبناها، وبسهولة منقطعة النظير سيجد بالفعل ما يؤيد كل ما سبق، ولكننا في نفس الوقت سنجده غير مهتم بالأشياء التي تتعارض مع وجهة نظره على الرغم من أنها أيضاً متوفرة لكن عقله يتجاهلها لكي لا يدخل في صراع وليريح نفسه من وجود عملية تنافر معرفي، حتى إذا قام شخص آخر بلفت انتباهه لما يتعارض مع أفكاره ومعتقداته سنجده يقوم على الفور بالتحدي والمعارضة والهجوم السريع على من يلفت انتباهه لذلك، ويقوم سريعاً بالبحث عن الأشياء التي تؤيد وتتفق مع وجهة نظره ومعتقداته وأفكاره، ويقوم بإرسالها للشخص الآخر ويقوم بنشرها ايضاً على صفحته الشخصية وفي جميع الصفحات والمجموعات المشترك بها.
ولذا نلاحظ أثناء النقاش أن كل شخص في اتجاه مختلف عن الآخر، فكل شخص يرفض سماع الآخر، ويبحث عن ما يتفق مع أفكاره ويقاوم وبشدة من يحاول تقديم فكرة مختلفة أو وجهة نظر مختلفة، حتى أنه لا يكلف نفسه بالتفكير فيما يقال له، فعينه لا ترى سوى ما هو موجود بعقله بشكل مسبق، وأذنه لا تسمع سوى ما هو موجود بعقله بشكل مسبق.
ويصل الأمر إلى أن نجد الشخص بمجرد ما يجد موضوع منشور لا يتفق مع ما هو موجود بعقله من أفكار ومعتقدات يقوم بشكل سريع بالتعليق على هذا الموضوع بالرفض، بل أن الأمر يصل لحد الخلاف والقطيعة بين المعارف والأصدقاء.
ووفقاً لما سبق فالإنسان بسبب تحيزاته المعرفيه وهروبه من التنافر المعرفي قد يستمر في عمل ليس مفيد بالنسبة إليه ولمستقبله، أو قد يستمر في علاقة خاسرة، أو قد يشتري أشياء ليس لها الأولوية في حياته، أو قد يتعامل مع شريكة حياته بشكل معين، او قد يربي أولاده بشكل معين، أو يعامل رؤسائه وزملائه ومرؤسيه بشكل معين، أو يستمر في اتباع موقف خاطئ.
خاتمة:
علينا ملاحظة سلوكياتنا ومتابعة أفكارنا بصورة مختلفة، حتى يمكننا فهم مواقفنا وسلوكياتنا بصورة أفضل، لكي نتمكن من الاستبصار بما نحن عليه، والاستبصار بما يمكن أن يترتب على مواقفنا، حتى نسنتطيع إحداث تغيير في انفسنا ومن ثم مجتمعاتنا للأفضل بإذن الله.
ونحن بحاجة لوجود التنافر المعرفي من أجل التغيير، التنافر المعرفي يعد حافزاً قوياً يقود الإنسان لتغيير سلوكه وأفكاره ومن الممكن أن يقود الإنسان لأفكار جديدة بعيدة عن التحيزات المعرفية، ليصل إلى مرحلة التوازن المعرفي والراحة النفسية.
بإذن الله قريباً مقال عن: التنافر المعرفي كتكنيك علاجي.
مـع أرق تـحـيـاتـي
المصادر:
http://psychcentral.com/
http://www.huffingtonpost.com/
http://en.wikipedia.org/
http://www.simplypsychology.org/
http://changingminds.org/
واقرأ أيضًا على مجانين:
الأفكار والتعميم / الأفكار وعبارات الوجوب / الوصية الأخيرة / رحيل / التغيير السلوكي ؛ لماذا لا يتغير الناس؟؟؟