عندما نريد أن نصف حقيقة شخص ما فأعتقد أننا نصوره كما نريد... نراه فقط عبر منظور حاجتنا
When we describe what the other person is really like, I suppose we often picture what we want. We look through the prism of our need
إيلين كودمن (Ellen Goodman (1980
لا يكاد يخلو موقع مجانين من استشارة أو أكثر أسبوعياً تتعلق بالحياة الجنسية من الذكور والإناث على حد سواء. يتصور البعض عند تفحصه حقل الاستشارات بأن موقع مجانين مجرد موقع للثقافة الجنسية الشرقية وقد يتجاوز البعض بأنه موقع شبه إباحي يستغل هذا الجانب من الحياة للحصول على سمعة جماهيرية وهذا يذكرنا بمقولة أهل الإعلام بأن لا وجود لشعبية جيدة وسيئة ولكن هناك شعبية واحدة فقط وهي الشعبية وحدها.
هذا الانتقاد لا صحة له وينتج فقط من تحيز معرفي لتفحص البعض للموقع في يوم واحد يحتوي على استشارة أو أكثر جنسية وبعدها لا يتعب نفسه بتفحص تاريخ الاستشارات.
بين الحين والآخر يحرص الكاتب على عمل تدقيق Auditللاستشارات المنشورة كما هو الحال في جميع الممارسات الطبية. آخر تدقيق للاستشارات يشير إلى أن 53% من الاستشارات في الأشهر الماضية هي استشارات طبية نفسية بحتة. أما بقية الاستشارات فيمكن تقسيمها كما يلي:
1- استشارات اجتماعية تتطرق إلى مشاكل اجتماعية متعددة ونسبتها 21%.
2- استشارات دينية تتطرق إلى المسائل الروحية للفرد من زوايا متعددة ونسبتها 11%.
3- استشارات جنسية ونسبتها 15% ويمكن تقسيمها بين استشارات تتعلق بالعادة السرية والخطل الجنسي مع ميول جنسية مثلية.
عملية التدقيق هذه تحتاج إلى مراجعة بين الفترة والأخرى لعدة أسباب:
٠ تكرار استعمال المستشير للموقع.
٠ لا وجود لإحصاء الاستشارات المستقبلة.
٠ استيعاب المستشار للاستشارة ضمن اختصاص عمله.
الغاية من هذا المقال التطرق فقط إلى استشارات العادة السرية التي تشكل نسبة عالية جداً مقارنة بالممارسة المهنية3. لا أحد يصل عيادات الطب النفسي شاكياً من العادة السرية ولا أظن الحال يختلف في العالم العربي.
هذه الاستشارات لا يمكن تأكيد مصدرها أحياناً أو بالأحرى في جميع الأحيان. تعتمد مصداقية الاستشارة على إطارها ومحتواها ويمكن تصنيفها إلى نوعين:
٠ النوع الأول هي استشارة تتعلق فقط بممارسة العادة السرية وارتباطها الديني والطبي. يستفسر المريض عن رأي المراجع الدينية في العادة السرية أحياناً ويكثر من الوصف عن عجزه الإقلاع عنها.
٠ النوع الثاني هي استشارات عن اضطرابات عقلية تميل إلى أمراض عصابية (مثل القلق والوسواس القهري) ونادراً إلى أمراض ذهانية. في هذا النوع من الاستشارات يتم التطرق إلى دور العادة السرية في المعاناة أو حشرها ضمن أعراض أخرى تشير بوضوح إلى اضطرابه العقلي.
النوع الثاني من الاستشارات يتم الإجابة عليه من قبل مستشار في الطب النفسي أو علم النفس. يشير المستشار أو لا يشير إلى العادة السرية ولكن الرد يتطرق دوماً إلى الاضطراب العقلي.
أما النوع الأول من الاستشارات فيتم الإجابة عليها أحياناً لا من قبل الأخصائيين في العلوم الدينية والاجتماعية. في هذا النوع من الاستشارات تكثر الإشارة إلى الأبعاد الدينية والروحية لممارسة العادة السرية واستعمال المواعظ الدينية وأحياناً تشجيع المستشير البحث عن شريكة لحياته. لكن لا تخلو بعض الردود من توجيه النصيحة إلى مراجعة طبية واحتمال الإصابة بالوسواس القهري.
في هذه المرحلة يمكن القول بأن تفحص الاستشارات التي تتعلق بالعادة السرية يتم من خلال:
1 - منظور طبي Medical Prism .
2 - منظور ديني Religious Prism.
يتلاعب الفرد أحياناً بالمصطلحات اللغوية وهذه ظاهرت أصبحت شائعة ومقبولة ولا تواجه بالعداء من قبل اللغويين في العالم اللاتيني (وكذلك العربي من كثرة استعمال مصطلحات غريبة من قبل شخصيات سياسية). يمكن القول بأن المنظور قد يؤدي إلى تطبيب أو تديين شكوى لسبب واحد فقط وهو تفحصها من خلال منظور في حوزة المستشار يتمسك به كما يتمسك الإنسان أحياناً بما نسميه بالكائن الانتقالي Transitional Object.
هذه الكائنات يتمسك بها الفرد بعد انتقاله من مرحلة إلى أخرى وكثيرة الملاحظة عند الطفولة مثل دمية معينة أو جزء بسيط من ملابس أو لحاف. هذا السلوك طبيعي ومشاهدته في الأطفال والمراهقين يبعث على الطمأنينة بأن البعد العاطفي الداخلي في الشخصية أكبر بكثير من مما يتصور الأهل والأصدقاء. لكن حمل المنظور في الاستشارات يؤدي إلى مشاكل كثير ويتم استعماله أحياناً لتقييم الفرد بصورة بعيدة جداً عن التقييم الموضوعي.
المنظور الطبي:
ممارسة العادة السرية مجرد سلوك فردي ولا يشير إلى وجود اضطراب نفسي. الحقيقة أن الاضطرابات الجنسية النفسية المصنفة برمتها يصعب تقبلها كاضطرابات نفسية أو عقلية تخضع للعلاج بالعقاقير أو الكلام، ويصر الغالبية على وقوعها ضمن طيف طبيعي لسلوك الفرد الشخصي والخاص به. يتم تطبيق هذه القاعدة على جميع اضطرابات الخطل الجنسي، ويجب التنبيه بأن العادة السرية والتوجه المثلي الجنسي لا يمكن تصنيفها كاضطرابات عقلية.
يتم استثناء الاغتصاب وعشق الغلمان من القاعدة أعلاه ولكن كلاهما يخضعان لعملية تصريف قانونية واجتماعية ومهمة الطبيب النفسي هو البحث عن اضطراب نفسي آخر. إن وجد هذا الاضطراب العقلي الذهاني فقط عالج المريض وإن لم يجده يودعه بدون تردد. وجود اضطراب عقلي يؤدي إلى خضوع المتهم لحجز ومراقبة طبية نفسية عقوبتها أحياناً أشد بكثير من العقوبات القانونية لأن الأمل في إطلاق سراح المتهم المريض ضئيلة للغاية.
إذا تم النظر من خلال منظور طبي للعادة السرية فعندها يبدأ الطبيب النفسي في البحث عن أعراض طبية نفسية وإن لم يجدها يبدأ بصناعتها بصورة غير شعورية، ولا يجد صوب عينيه إلا النموذج الطبي يستعمله في علاج المريض. استعمال النموذج الطبي واللجوء إلى العقاقير قد يؤدي بدوره إلى عجز في الأداء العاطفي والمهني والاجتماعي للفرد وينتهي مؤمناً بإصابته باضطراب عقلي مزمن هو والذين حوله. تنتهي الشكوى من العادة السرية بعد فترة ويتم استبدالها بأعراض عصابية متعددة لا نهاية لها.
المنظور الديني
تفحص الاستشارة من خلال منظور ديني بحت لا علاقة له بالمنظور الطبي النفسي ويخضع لاختصاص المستشار. ولكن هناك أيضاً من يستعمل المنظور الديني من الأطباء في تفحص من يستشيره وليس هذا حصراً على موقع مجانين والشرق العربي كما يتصور البعض وإنما تلاحظه في ممارسات البعض في العالم الغربي ولكن بنسبة أقل بكثير. هناك لوائح مهنية صارمة في استعمال المنظور الديني في الغرب ويعتبره الجميع ليس قانونياً.
وصف سلوك الممارسة السرية بصورة سلبية لا أخلاقية لا يقتصر على العقيدة الإسلامية ومن الصعب أن تلاحظ اختلافا في النصوص الدينية حول هذا السلوك في العهد القديم والعهد الجديد والسنة النبوية. الأحاديث المنسوبة إلى المصطفى صلوات الله عليه وآله وسلم يصعب تحقيق صحتها وكاتب المقال لا يقبل بنسبتها إلى المصطفى الحبيب. على سبيل المثال يتداول الجميع بأن ناكح يده كناكح أمه وبالتالي تم وضع ممارسة سلوك فردي بحت في إطار نكاح المحارم أو سفاح القربى وهذا لا يتقبله عقل سليم.
هذا المنظور الديني1 قد يكون متصلبا وأحادي الاتجاه ويميل إلى الاستقطاب والوعيد. لا يتوقف الفرد عن ممارسة العادة السرية لمجرد سماعة الأحاديث وإن فعل وتاب فإن توبته قد تتكرر مئات المرات.
لا تختلف عواقب التعامل مع الفرد من خلال المنظور الديني والطبي. يبدأ الفرد بالشعور بالذنب ويستعمل البعض مصطلح الوسواس بل وحتى الوسواس القهري وقد يشيرون عليه بمراجعة طبيب نفسي ويتوجه صوب الطريق الطبي ولا يعرف نهاية لسلوكه.
قد تكون نتائج الوعظ الديني أخطر بكثير وخاصة في المستضعفين من البشر. سماع عواقب سلوكه وهو يعيش في مجتمع لا ينتبه لاحتياجاته الناقصة ولا يملك النية على تلبيتها، قد تزيد من استضعافه وتهميشه كلياً.
الانتقاد الاجتماعي:
ينتقد المجتمع وبالذات النخبة المثقفة Intelligentsia الطب النفسي بمحاولته استغلال المجتمع والمستضعفين منه خاصة. هذا الانتقاد ليس حديثا وله تاريخه منذ بداية القرن العشرين مع تورط بعض معالم المدرسة التحليلية مع الكنيسة والنازية. وصل انتقاد النخبة المثقفة ذروته مع الثورة الطلابية الإيطالية2 في منتصف الستينيات وبدأت مصحات الصحة النفسية تفتح أبوابها. كان لأفكار المرحوم جون كينيدي الإنسانية دورها في تحسين صورة الطب النفسي.
هناك بعض الغلو في الانتقادات التي يمكن تلخيصها كما يلي:
1 - السيطرة على السلوك البشري.
2 - الاستغلال المادي من خلال تطبيب السلوك البشري الطبيعي.
هذا الانتقاد نفسه موجه إلى الفكر الديني وهو التحكم في السلوك البشري لخدمة السلطات واستغلال الناس مادياً.
الاستنتاجات والتوصيات:
1- من خلال تدقيق الاستشارات المنشورة لا صحة بتوجيه الانتقاد للموقع بأنه لا يعنى بالصحة النفسية. ربما هناك حاجة لتدقيق الحقول الأخرى ووضع قياسات واضحة لمحتوى ومستوى المقالات لرفع المستوى العلمي من أجل نهضة العاملين بالصحة النفسية وتوعية القراء. ربما يجب على الموقع استطلاع آراء القراء ومستخدمي الموقع من أجل تحفيز المستشارين لتحسن أدائهم. هذا ما يفعله الجميع في العالم.
2- لا تشكل الاستشارات الجنسية نسبة عالية من الاستشارات المنشورة. هناك حاجة للموقع في وضع إرشادات ولوائح للمستشارين حول التعامل مع استشارات تتعلق بالصحة النفسية الجنسية وبالتحديد العادة السرية. يجب أن يتم ذلك بتفاوض المستشارين أنفسهم من أجل هدف واحد وهو ضمان عدم فعل ضرر ولا ضرارDo No Harm .
3- لا تزال الاستشارات الطبية النفسية المنشورة تشكل نسبة عالية من الاستشارات وربما يجب على الموقع العمل لضمان عدم هبوط نسبتها دون 50% والوصول إلى 60% أو أكثر.
4- يجب على كل طبيب أو مستشار الانتباه إلى ظاهرة المنظور ومراجعته. الكثير منا يصاب بضعف في البصر ويستعين بنظارات طبية. إذا ذهبت للحصول على نظارات جديدة سيرفض مركز البصريات عمل نظارات أخرى بدون إعادة الفحص الطبي النظري كل عامين على أقل تقدير. هذا حالنا دوماً ننسى إعادة الفحص لسبب أو آخر.
المصادر:
1- Al-Qardawi Y(1997). The Lawful And The Prohibited In Islam.
2- O'Hagan, Sean. "Everyone to the Barricades." The Observer. January 2008
3- Rollins H(2000). One hundred Years Ago: The Results of Masturbation. BJ Psych 176: 598.
واقرأ أيضًا:
العادة السرية على موقع مجانين / نفسجنسي: العادة السرية إناث، استرجاز Masturbation / نفسجنسي: العادة السرية ذكور، استمناء Masturbation