يحتاج الكيان الصهيوني سنوياً إلى مائتي ألف مهاجر جديد، بالإضافة إلى الزيادة السكانية الطبيعية الناتجة عن نسبة المواليد، لتتمكن من مواجهة التنامي السكاني الفلسطيني الآخذ في الإزدياد، في الوقت الذي يشهد فيه الكيان حالة تدني مخيفة في نسبة الزيادة الطبيعية، على الرغم من سلة الحوافز المغرية التي تقدمها مؤسسة الشؤون الاجتماعية، والمؤسسات الأخرى للمواليد الجُدد، وللأُسر الأكثر عدداً، إلا أن الثقافة الإجتماعية، والسلوك الظهوري، وعادات المرأة الجديدة، وحرصها على مظهرها وزينتها، واهتمامها بشكلها وحضورها، باتت كلها تقضي على الأحلام الإسرائيلية في تزايدٍ سكاني طبيعي مُرضي، يكون قادراً على حل المشكلة، ووضع حدٍ حقيقي لها، بما يُطمئن بال المخططين والمنظمين للدولة العبرية، والقلقين على مستقبلها.
وأكد مسؤولون إسرائيليون، أنه إذا لم تتمكن جهات التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي من الإحاطة بهذه المشكلة، فإن المجتمع الصهيوني سيُفاجأ قريباً بالإنفجار الديموغرافي الفلسطيني، الذي سيكون متلاحماً بقوة مع البحر العربي المحيط بالدولة العبرية، والذي يُشكل في حقيقته خطراً على مستقبل الدولة، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة، ومدى إلتزامها أو إيمانها بالإتفاقيات الأمنية الموقعة.
يشـكو الإسـرائيليون من الفلسـطينيين، ويعترضون على سـياسـتهم البيولوجيـة، ولا تُرضيهم عاداتهم الأُسـريـة، ولا تقاليدهم الموروثـة، ويُبدون اسـتياءهم الشـديد من التزايد السـكاني الفلسـطيني "المريع"، الذي لا يهتم بالوضع الإقتصادي، ولا يُعير الظروف الماديـة أي اهتمام، ولا يسـأل كيف ولا من أين يُمكن لهذا الطفل الجديد أن يعيـش ويكبر ويتعلم، ويكون له مسـتقبل؛ وكأنهم يقولون أن العادات الأُسـريـة الفلسـطينية معاديـة لهم، وضارة بهم، وليـس بمسـتبعدٍ أن يُصنفوا الفلسـطيني المعيل، الذي أكرمـه الله بعديدٍ من البنين والبنات، بأنـه "إرهابي معادي للسـاميـة"، وان نسـلـه ضارٌ بالبشـريـة..!!
يغضب الإسرائيليون من التوكل الفلسطيني، الذي هو توكلٌ إيماني، خصَّ الله به المسلمين في كتابه، عندما دعاهم إلى عدم قتل أولادهم خشية الفقر والإملاق، فالله يرزقهم وإياهم، وهو يتولاهم ويرعاهم، وهو الذي خلقهم ولن ينساهم، وما اعتاد المسلمون أو العرب قتل أولادهم، أو التخلي عن أطفالهم مخافة الفقر والحاجة، بل اعتادوا المباهاة بهم، والتفاخر بكثرة عددهم، وبزيادة سوادهم، وكلهم أمل أن يحمل القادمون عنهم بعض أحمالهم، وأن يكونوا سنداً لهم، وعوناً لهم في شقائهم وعند هرمهم وفي شيخوختهم.
أذكر يوماً، في ظل الإنتفاضة الفلسطينية الأولى، التي اندلعت في نهاية العام 1987، أن الجيش الإسرائيلي كان في محاولته السيطرة على الفلسطينيين، يلجأ بالإضافة إلى اعتقال الآلاف، إلى فرض حالات منع تجوال على مختلف المناطق الفلسطينية لأيامٍ طويلة، قد تستمر أحياناً مدة شهرٍ أو أكثر، مع السماح للسكان بساعتين أو ثلاثة يومياً للخروج للتسوق وشراء حاجاتهم.
فإذا بمسـؤولٍ إسـرائيلي يخرج بتصريحٍ علني، ينتقد فيـه سـياسـة الجيـش الإسـرائيلي، القاضيـة بفرض حالـة منع التجوال على الفلسـطينيين، ويعتبر أن هذه السـياسـة خاطئـة، وأنها تضر بمسـتقبل (إسـرائيل)، وهي وإن كانت تُحقق الأمن الآني للمواطنين الإسـرائيليين، أو تُقلل من درجـة الخطورة، فإنها على المدى البعيد تقضي على الحلم اليهودي، وتقوّض آمالهم في مملكتهم الثالثـة؛ ذلك أن حالـة منع التجوال تتسـبب في زيادة مطردة وغير طبيعيـة في نسـبـة المواليد الفلسـطينيين... وبالرجوع إلى المسـتندات والإحصائيات، وجدت الإدارة المدنيـة الإسـرائيليـة، أن الملاحظات الواردة صحيحـة تماماً، إذ أن نسـبـة التزايد السـكاني الفلسـطيني في ظل الانتفاضـة كانت عاليـة جداً، بل وأعلى من معدلاتها العاديـة، ولكن النسـبـة بقيت على حالها، رغم رفع حالـة منع التجوال، أو التخفيف منها..!!
أما الاعتراض الإسرائيلي الآخر، فهو على الله سبحانه وتعالى، أنه يمنح الفلسطينيين مواليد ذكور أعلى بكثير من غيرهم، وكأنه يُعوضهم عن الأسرى والشهداء، ويُبارك لهم في نسلهم وأولادهم، إذ أن نسبة المواليد الذكور في المجتمع الفلسطيني، خاصةً في قطاع غزة، تفوق نسبة المواليد الإناث، وقد تكون حالات الولادة التي تشهدها مستشفيات غزة أحياناً مذهلة، و"تُبرر" الغضب والثورة الإسرائيلية، عندما تُشير تقارير المستشقيات إلى أنه في أسبوعٍ واحد، كانت نسبة المواليد الذكور إلى لإناث 7-3، وهي حالةٌ متكررة، دائمة وليست نادرة..!!
لكن في الجانب الآخر من هذه المسألة، فإن الفلسطينيين يعيشون إلى جانب الحصار المرير، ضائقة مالية حادة جداً، ويُعانون من ارتفاعٍ في ظاهرة البطالة، ومن الزيادة المفرطة في الأسعار، ومن تدني الأجور، وتناقص فرص العمل، ويشكون من غياب البرامج الداعمة، والعطاءات المساعدة، فلا رعاية لأُسرهم، ولا تشجيع لهم، ولا محاولة للتخفيف من أعبائهم، رغم أنهم أحق بالمساعدة، وأولى بالمناصرة، كونهم يُقيمون في المربع الأول، وفي الجبهة المتقدمة، في مواجهة الأطماع الصهيونية الكبيرة، التي لا تقف عند حد، ولا تعترف بالشبع أو الإكتفاء، بل تبقى دوماً نهمة جشعة، لا تشبع وتطالب بالمزيد.
بيروت في 14/02/2014
واقرأ أيضاً:
خنساء فلسطين في رحاب الله/ فلسطين بين بلفور وأوباما/ الحياد الفلسطيني والقرار المستقل/ إيلات تتخوف وتل أبيب تتوجع/ الربيع الإسرائيلي والخريف العربي/ الأزمات العربية والوساطات الغربية/ من تنغير إلى القدس بعيونٍ مغربية