سعيد صحفي مخضرم بدأ الكتابة في سن مبكرة، ولما تخرج من كلية الآداب حصل على وظيفة في إحدى الجرائد وظل يكتب فيها حوالي العقدين من الزمن، ونشر في هذه المدة عدة مؤلفات في مواضيع مختلفة لاقت استحساناً لدى جمهور كبير من القراء، وطبعاً لم يكن سعيد شخصية مثيرة للجدل ولم يكن يسعى من خلال ما يكتب إلى الظهور واستعراض عضلاته الأدبية والإعلامية بل كان يؤمن بأن الصحافة والأدب لديها رسالة سامية في توعية الإنسان ورفع مستواه الفكري والأدبي.
ظل سعيد يعمل في الجريدة حتى جاء يوم تغيّر فيه رئيس التحرير الذي أعلن أن الصحيفة ستشهد تغييرات كبيرة وجذرية كي تواكب عصر الإنترنت، وانطلاقاً من هذا المبدأ فسيتم تعيين كفائات شابة "لتجديد الدم" في الصحيفة، وبعد يومين فوجئ سعيد بفتاة شابة جميلة الوجه جريئة المظهر تدخل غرفته وتُعرف نفسها على أنها "سناء" المحررة لعمود الثقافة والفن الجديدة في الجريدة وستعمل معه.حاول سعيد أن يُعلم الفتاة الشابة ما يعرفه عن الصحافة إلا أنه وجدها منشغلة بهاتفها ومظهرها أكثر بكثير من العمل الإعلامي، ولاحظ أن ما تكتبه في عمودها ليس سوى مجموعةة تفاهات عن فنانة تطلقت وأخرى عشقت وثالثة تجهل ممن حملت وإلى آخره من الأخبار التي لا تُسمن من جوع ولا تُدفئ من برد.تحمل سعيد وقال لنفسه طالما هذه سياسة رئيس التحرير الجديد فلنُعطه فرصة ونرى ما تكون النتيجة من هذه التغييرات.
في أحد الأيام استدعى رئيس التحرير سعيد إلى مكتبه وقال له:
أستاذ سعيد أنت أحد أقدم العاملين في هذه الجريدة، ولقد رشحتك لجائزة أفضل صحفي لهذا العام، وأريدك أن تحضر حفل الجوائز وأن تصطحب معك المحررة الجديدة كي تُغطي الحفل.
فرح سعيد لأنه، وأخيراً، سيتم تكريمه على ما بذله من جهود في عالم الصحافة والإعلام بجائزة مميزة، واتفق مع زميلته على اللقاء في صالة الحفل، عند البوابة تفاجأ سعيد بزميلته ترتدي ثياباً أقل ما يُقال عنها أنها فاضحة، وشعر بالحرج للسير معها ولكنه مع ذلك بقي إلى جانبها احتراماً للزمالة بينهما. وقال سعيد لزميلته:
أنت جديدة في هذه المهنة ولا تعرفين أحداً، لذا إبقي معي وسأعرفك على الموجودين تفادياً للإحراج.
نظر سعيد حوله فشاهد وكيل وزارة الثقافة فقال لزميلته:
هذا زميل قديم والآن أصبح وكيلاً للوزير، دعيني أعرفك عليه.
ذهب سعيد برفقة زميلته وما أن شاهدهم الوكيل حتى ابتسم ملأ شدقيه كما يُقال وبادر بالقول:
آنسة سناء؟ الكاتبة العبقرية؟ كيف الحال؟ والله أنا متابع بل مدمن على مقالاتك الرائعة، وأقول لنفسي طالما لدينا أدباء عباقرة مثل "سناء" فالثقافة بألف خير!
ثم التفت إلى سعيد وقال: هل ما زلت تكتب يا سعيد؟ ألم يحن الوقت لتقاعدك يا رجل؟ أحياناً أتصور أنك تكتب باللغة الهيروغلوفية من شدة قدم مواضيعك!
ابتسم سعيد على مضض لهذه النكتة السخيفة وانسحب بهدوء بما تبقى من كرامته، ثم شاهد وزير الثقافة محاطاً برجال حمايته فقرر الذهاب والتعريف عن نفسه وزميلته، فلما وصلا إلى رجال الحماية أفسحوا لها الطريق بكل احترام بينما أُوقف سعيد ومُنع من المرور، فما كان من "سناء" إلا أن قالت لرجال الحماية:
لا بأس الأستاذ سعيد برفقتي دعوه يمر.
وهنا أفسح الحماية المجال له كي يمر وسط ذهول سعيد، وكما الوكيل قام الوزير بالواجب مع "سناء" وزاد عليه أنه قام بحضنها والتصوير معها!!
لم يكن سعيد يُصدق ما يرى...؛ فالزميلة التي دخلت عالم الصحافة منذ أيام صارت مشهورة أكثر منه الذي يكتب ويؤلف منذ عقود من الزمن، وشاهد النواب والمدراء وحتى السفراء يأتون صوبها ويُسلمون عليها ويمتدحون "إسهاماتها" الكبيرة في عالم الأدب والثقافة العربية ويُعطونها أرقام هواتفهم الخاصة، وسأل سعيد نفسه هل من حدود لمعارف وعلاقات هذه الفتاة..!!؟؟ ولما حان موعد توزيع الجوائز دخل وزميلته القاعة وبعد توزيع عدة جوائز على أشخاص آخرين قال عريف الحفل:
قررت لجنة التحكيم منح جائزة أفضل عمود صحفي للزميل الأستاذ سعيد، ولكن فخامة رئيس الجمهورية أصدر مرسوماً تقرر بموجبه منح الجائزة للصحفية المبدعة "سناء"...!!!
خرج سعيد من الحفل وهو يُغني:
أنا سناء أخت القمر،
بين العباد حُسني اشتهر...
وكل جائزة ثقافية وأنتم بخير
30/04/2014
واقرأ أيضاً: