أول المرتقى
ليتهم يرون ما أرى، ليس لأنني أمتلك الحقيقة المطلقة، بل لأنني أرى الأشياء البسيطة جدا حد اقترابها من البديهة بألوانها الفطرية لا بألوانها التي حشرت في منظوري حشرا، وأصبحت بيني وبين كنه ذاتي.............
أهوار
الطعام هنا لا يكفي، والماء يشح باستمرار.. والحر قاتل.. مشاجرة مع مخالب الفضاء قد تسببت في كسر جناحي، وتناثر ريشي على أغصان شجرة برية مشوكة، عدا جروح طفيفة في الجؤجؤ.. الساقية الضحلة التي يسمونها فخرا بالنهر.. أصابت خيال اللاغطين بعطب ما، وغرقت في قعرها العاري كل آثار رحلاتنا نحو الشمال.. رغم أنها ليست كل ما في الأرجاء، فقد كررت الشموع المقدسة ذوبانها على سطحها الآسن،
واحتشدت آلاف الطيور عندها خاشعة.. بعض المخضرمين يعزفون عن الإصغاء إلي، واليافعون يجدونني حمقاء، أبدد وقتي في تطلع شاذ.. خسارتي لجناحي القوي وريشي جعلتني محط سخرية كل طيور السبخة..
_ما تشرق الشمس إلا لتقول أنها قضت ليلتنا في مكان آخر يبتهج بضوئها.. سقط صوتي على صمت السبخة دون مهد يستقبله، وغرد البعض خفية إشارة منهم إلى فقداني لبوصلة الاتجاهات، وهي أثمن ما يملكه طائر مهاجر.. جناحاي الوقحان يحثاني على التحليق بعيدا، والعيون التي ترمقني بازدراء لم تتابع تنهدات الريح التي رافقت رحيلي صوب الأفق المجهول..
قبل أن يتساقط الغروب بهدوء من مخبأ الشمس كنت قد بنيت عشا بين القصب، واستمتعت بمرأى آلاف الطيور من حولي، وهي تبني لبيوضها وصغارها بيوتا لا تحصى حيث تمتد صفحة الماء بلا نهاية..
_هل ستصدقني طيور السبخة؟..
هل ستتبعني يوما نحو مسقط رأس كل طير مهاجر؟.
سؤال ليس لعشي الواهن طاقة به، وأثقل من أن أحلق به مجددا نحو الساقية الضحلة.. لكن ذاكرة المكان ستحتضن حتما وبشدة آخر المشاهد لتجمعات قومي عند شفتيها قبل وداعي الأخير..
واقرأ أيضاً:
ما بعد انقراض الرجل الأخير / بضاعة / كروموسومات انقراض الرجل الأخير / غوانتانامو إبليس.. / جدي دافنشي / بئر أبي ذر الغفاري / قصص قصيرة جدا