من الكتب التي ظهرت في الحياة الثقافية الفكرية العربية، كتاب "طبائع الاستبداد" للمفكر السوري الحلبي عبد الرحمن الكواكبي (9\6\1855-23\6\1902)، والذي مات مسموما، وكُتب على قبره بيتان لحافظ إبراهيم: "هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى... هنا خير مظلوم هنا خير كاتب... قفوا واقرؤوا أم الكتاب وسلموا... عليه فهذا القبر قبر الكواكبي".
وهذا يعني أن الأمة فيها أنوار قد وعت عاهة الاستبداد، ودوره في الحياة الاجتماعية وشخصت آثاره السلبية. لكن الأمة أمضت قرنا بعد صدور ذلك الكتاب في أشد حالات الحكم الاستبدادي. ولا أظن أن أحد الحاكمين قد قرأه وتعلم منه شيئا، أو سلوكا مهما.
بينما الكثير من حكام الدول الغربية قد استناروا بالكتب، وكانت لهم أدلة معرفية وبوصلات سلوك يحدد اتجاهاتها المفكرون في عصورهم. وفي الواقع العربي غالبا ما يتم مضايقة المفكرين ووصفهم بالمعارضين أو المناوئين، وغير ذلك مما يتسبب في القضاء عليهم.
وهذا سلوك ليس بجديد، فما أكثر المفكرين في تأريخنا والذين أصابهم التنكيل من قبل الحكام. ولا تزال هذه الظاهرة فاعلة في حياتنا. ومادام المفكر العربي مقصيا عن أنظمة الحكم، فإن الفشل والعجز عن التقدم والمعاصرة سيستمران ويتفاقمان.
فلا يمكن للحياة أن تكون أفضل من غير مفكرين ومنظرين مدركين للقوانين الأساسية، والمستشرفين لما ستلده الأيام من تطورات وتفاعلات، وهذا ما يجري في أنظمة حكم الدول القوية المعاصرة في العالم.
ويبدو أن علينا إعادة النظر في آليات الحكم والقيادة، وأن نعتمد على أنفسنا، ونستدعي المفكرين والمثقفين إلى طاولة التفاعل الحضاري اللازم لصناعة المستقبل القويم لأجيال الأمة، التي ابتليت بمن لا يملكون رؤية إلا أن يكونوا أسرى لكرسي الحكم السقيم!!
واقرأ أيضاً:
ما بعد الخيال وقبله!! / ما هو مستقبلنا؟!! / الانتخاب والانجذاب!! / لعبة الفقراء!!