الولايات المتحدة الأمريكية عسكريّاً ومخابراتيّاً واقتصاديّاً لم تُغادر العراق الذي احتلته لكي تعود إليه من جديد أصلاً (وكنا قد كتبنا تحليلات عديدة حول ذلك وبأكثر من لغة، ويمكن العودة إلى الجنرال غوغل وصفحتنا على النت)، فهي تملك أكبر سفارة في الشرق الأوسط والعالم فيه، ولها قواعد عسكرية ذات حواضن في الجغرافيا والديموغرافيا العراقية، وهي عملت على هندرة وجودها الشامل فيه عبر الاتفاقية الأمنية الموقعة في العام 2008 م.
أمريكا صنعت الإرهاب وأحياناً تُحاربـه تكتيكيّاً وأحياناً كثيرة تتحالف معـه وتوظفـه وتولفـه خدمـةً لمصالحها ورؤيتها؛ صنعت "القاعدة" بالتعاون مع السـعوديـة في أفغانسـتان وفيما بعد حاربتها ثم تحالفت معها ومازالت في الحدث السـوري، وصنعت "داعـش" وأحسـنت وتُحسـن توظيفـه في الداخل العراقي وبالتنسـيق والتعاون مع الاسـتخبارات السـعوديـة والقطريـة والتركيـة، انطلاقاً من اسـتغلال السـاحـة العراقيـة للضغط ومزيد من الضغط على إيران لتقديم تنازلات في موضوعـة تفاوضها المباشـر الآن مع واشـنطن،
ثم لاسـتخدامـه لاحقاً لاسـتنزاف إيران نفسـها عسـكريّاً، وكذلك لإضعاف تركيا لاحقاً، والأتراك شعروا الآن أنهم تورطوا بالتحالف مع "جبهة النصرة" و"داعش" وفتحوا لهم معسكرات تدريب في الداخل التركي في استهدافاتهم لسوريا، وتحدثت يوم الخميس الماضي وبشكل مكثّف عن ذلك وبالمعلومات، حيث شاركني بالرأي الآخر الزميل الدكتور سليمان الطراونة وعلى قناة "جوسات" الأردنية، كيف استطاعت "القاعدة" و"داعش" من اختراق جهاز الاستخبارت التركي والمخابرات التركية عبر الضبّاط الذين أفردوا للتعامل والتنسيق مع "جبهة النصرة" و"داعش" في الحدث السوري،
حيث انتقل الوباء العقائدي لهم، وتحدثت عن تقرير المخابرات الإيرانية إلى مجتمع المخابرات التركي وقبل زيارة روحاني الأخيرة بشهر إلى إيران ومفاده: أنّ "جبهـة النصرة" و"داعـش" صارتا تُشـكلان خلايا نائمـة في الداخل التركي وتخترقان الأجهزة الأمنيـة التركيـة نتيجـة التنسـيق الأمني المشـرّع معهما عبر حكومة (أرودوغان) لاستهداف الدولة الوطنية السورية ومنذ بل قبل بداية الحدث السوري بعام، وأن إيران وواشنطن ونتيجة للقاء غير معلن وضعت الدولة الوطنية الإيرانية ما في جعبتها من معلومات استخبارية على طاولة اللقاء مع واشنطن، وعلى إثر ذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال وفد أمني عالي المستوى معه مسؤولين من (أف. بي. أي.) إلى تركيا، وطلبت واشنطن من أنقرة وقف التنسيق مع "جبهة النصرة" و"داعش"، فقامت تركيا وقبل عشرة أيام بوضعهما على قوائم الإرهاب الأممي والأقليمي وقبيل الطلب من "داعش" في تحركاتها الأخيرة.
وتحدثت عن (آفة جبل أحد) والتي تُعاني منها المؤسسات الأمنية والمدنية في العراق ومؤسسة الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب، وعن الفساد في المؤسسات الأمنية وعن المال القطري والسعودي ودفع الرشاوي لتسهيلات مهمات "داعش" وفاحش وعائلة "القاعدة" كلّها، وكيف فعل فعله المال في تقدم "داعش" كما فعل فعله المال السعودي في تقدم حركة طالبان أفغانستان وطالبان الباكستان في حينه، وعن تساوقات السياسة الخارجية السعودية مع واشنطن إزاء المنطقة، حيث خلاصة السياسة السعودية هي: سوريا فلنُخرّبها، وبغداد فلنُفجّرها، لبنان فلنُعطّلها، واليمن فلنصفعها، ويمكن الرجوع إلى البرنامج: بكل جراءة على قناة "جوسات" الأردنية بتاريخ 12 حزيران الحالي.
كما تحدثت في 11 حزيران الحالي الأسبوع الماضي أيضاً وعلى "قناة الحقيقة" الدولية حول ذلك، وفي 5 حزيران وعلى "قناة الميادين" ويمكن الرجوع إلى كل ذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي والـ "يوتيوب"، وأحاول قدر الإمكان الاشتباك مع جلّ هذا الموضوع الهام عبر هذا التحليل السياسي والاستخباري ملخصاً جلّ أحسن الكلام.
لذلك فإن ما يجري في العراق هو عمليات كرٍ وفرٍ اسـتخباراتيـة دوليـة وإقليميـة بأدوات عراقيـة محليـة نتيجـةّ لفعل اسـتخباراتي قذر وقذر على الأرض، سـرّعت من خلالـه واشـنطن من تفعيل وجودها في الداخل العراقي وتهيئتـه لفعلٍ قادمٍ إزاء إيران وإزاء سـوريا، ولاحقاً إزاء الدور التركي والسـعوديـة نفسـها؛ فإعلان روحاني وعلى وجه السرعة أنّ إيران ستُحارب الإرهاب في الداخل العراقي والمنطقة والعالم، وهذا الإعلان الإيراني هو نتيجة لمعرفة مجتمع المخابرات الإيرانية بخُطط ونوايا الولايات المتحدة الأمريكية نحوها ونحو سوريا ولاحقاً تركيا والسعودية نفسها أيضاً، إنّ ما يجري في العراق لعبـة أمم بأدوات عراقيـة محليـة وبعض عربيـة وبعض غربيـة فإلى أين المفر!؟
لماذا أينما وجد النفوذ الأمريكي ونفوذ حلفائه الغربيين وجدت "القاعدة" ومشتقاتها وجلّ الزومبيات الإرهابية!؟ من الذي جعل "القاعدة" وعائلتها في سوريا والعراق أخطر وأعمق اللاعبين في المنطقة!؟ من المنتج والأب الروحي لها؟ لماذا تُقدّم العاصمة الأمريكية واشنطن (دي سي) المجهود الحربي والمجهود الاستخباراتي كدعم لمحاربة "القاعدة" و"داعش" في العراق ولا تُقدمها للدولة الوطنية السورية..!!؟؟
ولماذا تُفتح خزائن السـلاح الأمريكي للعراق في محاربتـه "للقاعدة" و"داعـش" ولا تُفتح لدمشـق الرسـميـة، والأخيرة تُحارب ذات الجذور "القاعديّـة" الإرهابيـة المدخلـة؟ ولماذا تُقدّم صور الأقمار الصناعيـة التجسـسـيـة الأمريكيـة للعراق، كنوع مسـاند للدعم (اللوجسـتي) لأماكن تواجد "القاعدة" و"داعـش" وجلّ زومبيات تلك العائلـة الإرهابيـة، ولا تُقدّم لسـوريا الرسـميـة، بالرغم من أنّ الأخيرة تُحارب ومنذ ثلاث سـنوات جذور "القاعدة" وما تفرّع ويتفرّع عنها؟ لماذا يدفع بتمنهج مجتمع المخابرات الأمريكي "داعش" والزومبيات الأخرى بالتوجه إلى الشمال اللبناني تحديداً الآن وبعض المخيمات الفلسطينية وكذلك نقل "داعش" إلى الداخل الأردني عبر ما يجري في العراق؟ هل صارت طرابلس لبنان حواضن اجتماعية لتلك الزومبيات الإرهابية حيث لا سلطة قانون فيها وتُعاني من العنف؟ وهل غدت كذلك مخيمات اللجوء الفلسطيني في الشتات حواضن "للقاعدة" ومشتقاتها؟
هل يدفع ذات المجتمع الاستخباراتي الأمريكي "داعش" وإخوانه و"القاعدة" وأبناء عمومتها بالتوجه والتغلغل في الداخل الأردني، وعبر تنشيط بعض الحواضن الجاهزة لاستقبال "القاعدة" وزومبياتها لخلق المشاكل واللعب بورقة الديموغرافيا السكّانية، مع انطلاق مفاوضات التقريب على المسار الفلسطيني ــــ الإسرائيلي كجزئية مهمة من جلّ الصراع العربي ــــ الإسرائيلي، وتمّ اختزال الأخير فيه كمسار ثنائي ومسألة ثانوية بحتة تُحل فقط بين رام الله وتل أبيب؟
الموقف الأمريكي في ظاهرة مرتبك ومتناقض بشكل واضح وصريح وعميق، وحسب "منطق" البيت الأبيض الأعوج والمعوّج أنّ "القاعدة" وزومبياتها من "داعش" وغيره خطر كبير في العراق يجب إسقاطه، بينما في سوريا الخطر ليس "القاعدة" وزومبياتها و"الدواعش"، بل النظام الحاكم والحكومة والنسق السياسي، فأيّة صفاقة ووقاحة أمريكية هذه؟! لا بل تبلورت تلك الصفاقة والوقاحة للولايات المتحدة الأمريكية في أنّها تُسلح الطرفين في العراق: "القاعدة" ومشتقاتها و"داعش" ومشتقاته وكذلك حكومة الرئيس المالكي.
من الزاوية الأمريكية الصرفة، مسألة تسليح "القاعدة" وجلّ أفراد عائلتها من جهة والحكومة وجيشها من جهة أخرى في العراق لا يُعتبر تناقضاً؟! بل هو وكما أسلفنا صفاقة وبمثابة هبة حقيرة لصناعة الأسلحة الأمريكية وعبر المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي. فالـ (بنتاغون) والـ (سي. آي. إيه.) ووكالة الأمن القومي الأمريكي يضعون تصوراتهم على الورق بعد تلقيهم التعليمات من إدارة المجمّع الصناعي الحربي، حيث تعليمات الأخير من الـ (بلدربيرغ) وقلبه المعتم (جمعية الجمجمة والعظمتين)، ثم يُنفذونها على أرض الميدان وعبر أدواتهم المحلية والإقليمية فيخلقون مشـكلـة إرهابيـة، ثم يقومون وعبر (كونغرسـهم) "الديمقراطي" بتشـريع تشـريعات تسـمح للحكومـة الأمريكيـة بتزويد السـلاح لكل الأطراف المتصارعـة، للتعامل مع ذلك المشـكل الإرهابي وهذا يعني الربح السـريع وبدون خسـارة.
ولأنّ "القاعدة" وزومبياتها و"داعش" و"دواعشه" الأخرى -عائلة الأطفال الأمريكية المدللة ـوالأخيرة تخدم كإطار أيديولوجي متلون متحوّل كالحرباء، ومستعد للتدخل الأمريكي الإمبريالي في الشرق الأوسط وما وراء الشرق الأوسط، وقد مرّت وتمر تلك العائلة الإرهابية الأمريكية بعمليات استنباط وتحولات كثيرة، مع تغيرات مخادعة وماكرة إن لجهة الاسم وإن لجهة الطريقة، وهي في الحقيقة صنيعة واشنطن وبعض مشيخاتها العربية، وتتقلّب بين كونها عدواً لما هو ملائم لمصالح الـ (بلدربيرغ) وقلبه المعتم (جمعية الجمجمة والعظمتين) في بعض الدول، ووكيلاً لا يرحم لذات الـ (بلدربيرغ) وقلبه المعتم في دول أخرى، من أجل القيام بتفجير الأنسقة السياسية القائمة من الداخل(سوريا مثال)، ليُصار لتغييرها والتي لا تتلائم مع مصالح محور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من بعض العُربان والعرب..!!
ولأنّ مشروع الطاقة الأمريكي الضخم (ترياق البلدربيرغ الأمريكي وقلبه المعتم جمعية الجمجمة والعظمتين) على سواحل سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة، قد اعتراه وأعاقه صمود الدولة الوطنية السورية وتماسك جيشها العربي العقائدي وتماسك القطاع العام السوري، كل ذلك بإسناد روسي كبير مدعوماً بإسناد صيني نوعي وعميق أيضاً ولكن بنعومة، وإسناد إيراني استراتيجي، فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية أصابها التكويع السياسي وعلاقاته بالطاقة وعجلة الاقتصاد، فإنّ العاصمة الأمريكية واشنطن (دي. سي) بدأت "تتكوكب" من جديد، حول "القاعدة" ومشتقاتها و"داعش" و"دواعشه"
وتدفع بعائلتها الإرهابية هذه نحو لبنان والأردن وفلسطين المحتلة، وحتّى إزاء (إسرائيل) نفسها والتي غدت عِبء على جنين الحكومة الأممية (بلدربيرغ)، ليُصار إلى إعادة إنتاج الأخيرة من جديد عبر تفجير الائتلاف الحاكم فيها وهندسة منظومة حكم جديدة في (إسرائيل)، لذلك سارعت أمس بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية الصهيونية للقول: أنّ ما يجري في العراق سـينتقل إلى الأردن، وهذا يؤكد وجهة نظر حكومة دولة (إسرائيل) على إصرارها على التواجد العسكري في غور الأردن، كذلك قالوا أنّ خوف المخابرات الإسرائيلية والاستخبارات العسكرية أنّ المستوطنين الثلاثة قد يكون تم نقلهم إلى الأردن!
والسؤال هنا: هل يلجأ (بنيامين نتنياهو) إلى خيار ومسار حل الكنيست والدعوة إلى إنتخابات مبكرة، تُعرقل وصول ترياق الغاز والنفط الطبيعيين للقلب المعتم (جمعية الجمجمة والعظمتين) للـ (بلدربيرغ) الأمريكي -جنين الحكومة الدولية -رغم أنّه جزء من ذات المحفل؟ ولحين نضوج الظرف الدولي والإقليمي للحل في المسألة السورية والمسألة الفلسطينية، وإنجاح الفوضى الخلاّقة على الساحة الأردنية عبر الولايات المتحدة الأمريكية مخرجات تُنفذ على الأرض لساحات أخرى؟
وفي المعلومات والخلفيات التاريخية، يُعد السيد (زبيكنيو برجينسكي) هو مصمم مشروع "العرب الأفغان الجهاديين"، والأخير كمشروع ناجح قاد إلى النمو المتفاقم للبنى التحتية لآفاق الأصولية الإسلامية المتطرفة وتحركاتها، عبر حركة طالبان في مواجهة السوفيات في أفغانستان وقبل نهاية الحرب الباردة.
لقد جرت جلسات عصف ذهني في زمن غابر، حول ما هو الشيء المهم أكثر من أي شيء آخر في العالم؟ حركة طالبان أم الإمبراطورية السوفيتية في وقتها؟ تحريك وتحريض المسلمين، أم تحرر أوروبا المركزية ونهاية الحرب البادرة بين المعسكرين الغربي والشرقي؟ في زمانه ووقته.
طبعاً بالنسبة للأشخاص الذين تعوّدوا أن يدفعوا نفقات سياساتهم من جيوب الآخرين، هناك خطر ماثل لتكرار حدوث هذا الأمر كل أكثر من نصف قرن، لكن بالنسبة للشعوب التي تعيش في المنطقة، هي من تقوم بشكل يومي جراء انتهاج هذه السياسات بدفع نفقاتها الباهظة، من موردها البشري ونطاقات تطورها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري. وخلال نصف قرن تقريباً، دفع الشـرق الأوسـط لمرتين متتاليتين الفاتورة الباهظـة للصراع في أوروبا، وتمثل هذا الأمر أولاً في احتلال فلسـطين كل فلسـطين التاريخيـة، وتشـكيل "الدولـة الإسـرائيليـة" "كديّـة" عن دماء الضحايا اليهود الذين سـقطوا في الحرب العالميـة الثانيـة، وثانياً إيجاد مشـروع جهادي "العرب الأفغاني" الذين كان هدفهم النهائي إسـقاط سـلطـة الروس في الشـرق ومركز أوروبا.
الفيروس الذي زرعه (برجينسكي)، مفتخراً بأنه أحد أهم الإنجازات التي تمت خلال توليه مسؤولية مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، فبعد اجتثاث نفوذ الإمبراطورية السوفيتية في أوروبا سرعان ما تحوّل إلى مرض فتّاك مزمن، ويُشكل زعماء "القاعدة" "الملا عمر" "أيمن الظواهري" و"أسامة بن لادن" قبل قتله أول إصدار من هذا الفيروس، يكفي أن نستذكر جرائم طالبان فقط في وادي "باميان" الواقع في منطقة "هزارهجات" في أفغانستان، حتى نُدرك الطبيعة الخطرة لهذا الإصدار من فيروس الأصولية الإسلامية المتطرفة.
لم يمضِ الوقت طويلاً حتى أخذ فيروس (برجينسكي) يحصد أرواح المواطنين الأمريكيين -أحداث أيلول 2001 م، التاريخ يُعيد نفسه مرة أخرى وهذه المرة مع الجيش الأمريكي الاحتلالي، الذي دخل إلى أفغانستان مكان الجيش الأحمر لمواجهة العدو الذي صنعته أمريكا نفسها -سبحان الله إنّها مفارقة عجيبة غريبة!!
لقد كان لمشروع مكافحة الإرهاب تحت الشعار المعروف: "من ليس معنا فهو ضدّنا" إصدارات وأجيال جديدة من فيروس الأصولية الإسلامية المتطرفة، ظهرت هذه الإصدارات في العراق بعد الغزو العسكري الأمريكي له تحت عنوانين الجهاد ضد المحتلين والكفّار، حيث قتل عشرات آلاف من العراقيين الأبرياء، وهجّروا الملايين منهم في كل إنحاء المعمورة.
الإصدارات الجديدة من فيروس الأصولية الإسلامية المتطرفة خطيرة جداً أكثر من السابقة، ويكفي أن نُقارن إصدار نسخة "أبو مصعب الزرقاوي" مع إصدار نسخة "أيمن الظواهري"، عندها سنُدرك كم تحوّل وتطور هذا الفيروس بعد دخوله إلى العراق إلى فيروس فتّاك مزمن متنقل بحريّة، وما يجري في العراق من تفجيرات إرهابية بشكل يومي خير دليل على ذلك، وكيف فعّلت وتفعّل الاستخبارات السعودية والتركية أدواتهما في الداخل العراقي.
طبعاً يجب الاعتراف أن مشروع المجاهدين العرب، حاول امتطاء القوالب والأيديولوجيات الفكرية المتجذّرة عميقاً في التاريخ الإسلامي، لشخصيات أمثال ابن تيمية، والذين يعتبرون أن كفر الشيعة أكبر وأخطر من الكفّار المسيحيين واليهود ويحكمون عليهم بالموت! وهل نمط تفكير شخصيات مثل الزرقاوي مختلف عن بعض فقهاء إسلاميين من السنّه والذين يُعلنون أن كل الشيعة كفّار! ورحم الله الشيخ نوح القضاة عندما كان يسأل عن المسلمين الشيعة يقول: لنبحث عن القواسم المشتركة بيننا وبينهم، نبحث عن ما يجمعنا لا ما يُفرّقنا.
أليس هذا هو اللحن نفسه -تكفير كل الشيعة -الذي يُسمع من فقهاء الوهابية السعودية، الذين يُعلنون أن قتل الشيعة والمسيحيين والعلويين أمر مباح، وأنّ المجاهدين الذين يُقتلون في هذا الطريق يُصبحون جُلساء رسول الله ـــــ صلّى الله عليه وسلّم ـــــ في الجنة!؟
الممتع في هذا أن هؤلاء "المجاهدين في سـبيل الله"، حتى الآن لم يفعلوا فعلهم في فلسـطين المحتلـة؛ فلا "قاعدة" ولا "داعـش" هناك، لم يرموا ولو حجراً واحداً على جدار السـفارة الإسـرائيليـة الصهيونيـة في بلدين عربيين، وهذا يُظهر ماهيـة قياداتهم التي تتحكم بهم وتسـيطر عليهم، عن طريق أجهزة إسـتخبارات الدول التي تتعهد أنظمتها السـياسـيـة الحاكمـة وتفعيلاً لمعاهدات موقعـة، بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني الطارئ على الجغرافيا والتاريخ في المنطقـة.
إن أي فيروس يحتاج إلى ظروف مناسبة وبيئة حاضنة لاستمرار بقائه، والبيئة الحاضنة لفيروس التكفيريين تكمن في الحروب، وحسب ما يدّعون "الجهاد" في سبيل الله،
وهذا ما صارت تستثمره أجهزة الاستخبارات المختلفة والمتحالفة بصورة مباشرة وغير مباشرة، مع محور واشنطن -تل أبيب ومن ارتبط به من بعض العرب المتخاذل، إزاء الحدث السوري الآن، لكي تكون كل سوريا محرقة لهؤلاء التكفيريين، وحتّى تتخلص تلك الدول المصدّره لهم بما فيها بعض دول الجوار السوري من عبء استضافتهم، والآن سيُصار إلى استخدامات قديمة جديدة في الداخل العراقي والداخل التركي والسعودي لاحقاً، ضمن رؤية واشنطن الجديدة لاستنزاف إيران وتركيا والسعودية ومزيد من استنزاف سوريا.
16/06/2014
واقرأ أيضًا:
أمريكا عدو العرب اللدود/ أعمدة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة/ هل يخطط الأمريكيون لمملكة عربية متحدة ووطن بديل؟/ عن الدور الأمريكي الإسرائيلي في اختيار رئيس مصر/ هل الثورات العربية خطة أمريكية؟