العرب في مأزق كبير .. لا يعرفون كيف السبيل للتعامل معه، فضلا عن الخروج منه، وتجاوزه !!!
الأجيال التي عاشت وهم حلم الدولة الوطنية وصلت إلى المحطة الأخيرة من سكة خيبات الأمل حين كشفت الأيام أن الأوطان تحكمها عصابات تحتكر الثروة وتسيطر على مفاتيح القوة والسلاح المخزون أصلا للتعامل مع كل من تسول له نفسه الاعتراض على ظلم وإهمال وسرقة !!
والأجيال التي تجاوزت ذلك الوهم لم تجد في أوطانها غير شذر مذر من ذرات متناثرة، وطوائف متناحرة، وعقول مشوهة، وأجهزة دولة مخربة، ومقاومة ضارية للوعي والحركة باتجاه تغيير حقيقي وتحول جذري .. لا أمل للأمة بدونه !! بل .. هي لم تجد لهذه الأمة أثرا إلا أطلال تلوح كباقي الوشم في ظهر اليد !!
طبعا البعض يعيش في إنكار وتعامي، ولكن الذين آثروا النظر إلى ما يجري وتأمله .. وجدوا أنفسهم في مواجهة المدافع التي دفعوا ثمنها لتحميهم فإذا بها تقتلهم .. بلا رحمة، ولا صديق، ولا ضجيج ينبئ عنهم، وعن دمهم المراق .. إلا قليلا !!
المأزق يتفاقم حين لا يدرك العرب أن السلطة حتما هي ضد حركة الناس الواعية بمصالحهم،الباحثة عن حقوقهم.. من ميسوري في أميركا .. إلى تل أبيب، مرورا بالقاهرة، وكل العواصم العربية !!
ورغم تحركات شعبية هائلة في حملات مقاطعة وتنديد وإجراءات سياسية جريئة ضد دولة الهمجية والشر .. الصهيونية .. يقف أغلب العرب كالبلهاء عاجزين عن فهم منطق هذه التحركات، فضلا عن التواصل معها، والبناء عليها، وتعظيم وتطوير المكاسب المستفادة منها !!
نفس العجز ستجده في القاهرة ، وقد مرت سنة على مذبحة فض الاعتصامات في رابعة والنهضة، وقتل المئات .. بل ربما آلاف من المصريين .. واعتقال عشرات الآلاف من الشباب والبنات وكبار السن ومنهم مرضى .. تحت ظروف خطرة، وفي أوضاع إنسانية بالغة الظلم والسوء .. ولم تنشأ حتى الآن حركة شعبية واسعة لصد هذا الظلم، والتنديد به، ومواجهته بقوة الناس في الداخل والخارج، نفس الناس الذين تعاديهم السلطة، وتضربهم في أمريكا، وغيرها .. إذا ما تحركوا دفاعا عن حقوقهم !!
هل ما تزال الشعوب العربية تنتظر انصلاح الحال وانقلابه بأن تعمل السلطات التي تحكمها لحساب الشعوب، وليس لحساب نفسها ؟؟ هل ما تزال الشعوب العربية تنكر ما ظهر جليا بطول العالم وعرضه من صراع حتمي بين أصحاب السلطة والسطوة في العالم، وبين الناس .. كل الناس، وبخاصة الفئات المهمشة، والمضطهدة .. أكثر من غيرها ؟؟ هل ما تزال الشعوب العربية تعيش حالة من الحمق تهيئ لكل شخص أن الأذى الظاهر الظالم المدمر الذي أصاب بعض من حوله،سيمرره هو، ولن يؤذيه !! وما هي الضمانات لذلك ؟؟
هل الاستقرار المؤقت النسبي الذي تعيشه بعض الأقطار العربية المؤسس على مظالم متراكمة، وتمييز طبقي، وعرقي، ومذهبي، وجهوي، وقبائلي .. قابل للانفجار في أية لحظة.. هل هذا السراب ما زال يشوش على البعض اكتشاف الحقيقة، وتوقع الانفجار والعمل على تلافيه !! هل هناك شك من أن بناء المجتمعات الواعية وتكوين العقول وتشبيك الجهود وطرح الأسئلة المحرجة والمصارحة الشجاعة بأخطاء التقدير والتدبير والتخطيط الفوري لمواجهة الأخطار والتحديات على أرضية مجتمعية .. هل ما يزال أحد يشك أن هذا هو الخيار الوحيد والأمل الوحيد لمواجهة عصابات السلطات التي تنسق مصالحها وتبني تحالفاتها .. حول العالم !!
هل ما يزال هناك خلط بين عصابات السلطة، ومؤسسات الدولة؟؟ وإذا كانت الأولى تسيطر على الثانية، فهل يصلح حل هذه المشكلة بمداهنة العصابات والاستكانة لبطشها، والتفكير البدائي المتواضع بمواجهة عنيفة لعنفها المنظم المدجج بالسلاح النظامي الممول بالضرائب والأموال المسحوبة من ميزانيات التعليم والصحة والبحث العلمي والثقافة والتنوير وإيقاظ الوعي وتحويل الصراعات المجتمعية ... لمصلحة تأمين وتسليح السلطة ضد شعبها !!
هل ما يزال غامضا وصعبا على العرب أن يتعلموا من تراث الأمم في مواجهة بغي الطواغيت، وبربرية الهمج والعصابات التي تحكم وتتسلط وتقتل .. وأن يتواصلوا مع جهود واسعة جدا حول العالم تحاول الضغط لمصلحة تحرير وإنصاف أمة تبدو كسلى وما تزال تعاني من شلل صدمات سقوط الأوهام .. وهي تقف محزونة على الدم الفلسطيني دون القدرة على التواصل معه وتنسيق الجهود الشعبية لنصرته !! هل ما نزال محتارين منحبسين في لجة سؤال خاطئ يضعنا أمام خيارين :إما أن نقبل الظلم صاغرين أو أن نواجهه بعنف بائس يصب في مصلحته أكثر من أن يدحره !!
في الوقت الذي تمتلئ الفضاءات الواقعية والرمزية بمواد مكتوبة مطبوعة، ومرئية مسموعة .. توثيقية ودرامية، وبأشكال متنوعة توثق لتراث إنسانية الناس وهي تواجه العسف والشر والهمجية .. فنكون كقول الشاعر :
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها .. محمول
واقرأ أيضا:
مباركة ثورة مصر العربية / صورة ثورة...! / قراءة نفسية في ملحمة الأمل المصرية / مرسي والكرسي