كثير من مشاكلنا الحياتية اليومية نستطيع ردها إلى التدهور الأخلاقي الشديد الذي أصاب بنيتنا الاجتماعية بقوة في العقود الأخيرة وجعل حياتنا صعبة للغاية, إذ ترسبت في النفوس على مدى سنوات الفساد والتجريف مجموعة من القيم السلبية والأخلاق الرديئة منها على سبيل المثال: الكذب والمراوغة والاحتيال والغش والنفاق والفهلوة والانتهازية والأنانية وعدم إتقان العمل والتهرب من المسئولية وعدم احترام الوقت وخلف الوعد وخيانة الأمانة والكسل واللامبالاة والعشوائية والقبح في القول والفعل والعنف وعدم احترام حقوق الآخر والاستهانة بالنفس البشرية وإهدار قيم النظافة والنظام والجمال.
هذه التركيبة الأخلاقية السلبية صارت تهدد أمننا النفسي وتهدد مستقبلنا, وهي للأسف في حالة انحدار مستمر لأنه حتى الآن لا توجد جهود حقيقية موجهة نحو التشخيص والعلاج مع أن هذه المشكلة الأخلاقية تعصف بأي جهود تنموية في أي مجال من المجالات.
وللدخول قليلا في عمق المشكلة نتساءل ما هي مصادر الأخلاق؟ ... وكيف اضطربت أو تلوثت هذه المصادر لدينا؟ .. وكيف نوقف هذا الاضطراب وذلك التلوث حتى نستعيد بنيتنا الأخلاقية السليمة؟
تتلخص مصادر الأخلاق في التالي:
1 – العقل: فحين يتمتع الإنسان بعقل سليم يحكم على الأمور حكما متوازنا وموضوعيا وهذا يستتبعه أخلاقا متوازنة وإيجابية ومتصالحة مع الآخر ومع الحياة.
2 – العلم: إذ من الملاحظ أن ثمة علاقة موجبة بين مستوى العلم (الحقيقي الأصيل) لدى الشخص وبين أخلاقه, والعكس صحيح, إذ كلما تفشى الجهل ساءت الأخلاق وتدنى الإنسان إلى مراتب غاية في الانحطاط.
ولكن يعيب الأخلاق الناتجة عن العقل والعلم أنها تكون أخلاقا نسبية ومتغيرة بمعنى أن العقل والعلم قد يجدان اتباع أخلاق معينة في بيئة خاصة وفي ظروف بعينها ينتج عنها مكاسب فتنشط تلك الأخلاق, أما إذا كانت البيئة والظروف مختلفة أو الحسابات نفسها مختلفة فقد ترتد النفس عن أخلاقها وتتبع غيرها بحثا عن المكاسب والمصالح, وهو مانسمية بنسبية الأخلاق, أو الأخلاق النفعية.
3 – الدين (الصحيح الأصيل): وهو مصدر الأخلاق المطلقة التي لا ترتبط بمنافع أو مكاسب ولا تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأشخاص, لأن الأخلاق في الدين قيمة في ذاتها وهي مرتبطة بالحقيقة الإيمانية التي تجعل الإنسان محبا لله وللرسل وللمخلوقات وللكون, وينطلق من هذه الحالة المحبة منظومة من الأخلاق العالية, وممارسة هذه المنظومة الخلقية في الدين تعتبر نوعا من التعبد في حد ذاتها.
والنصوص الدينية في هذا الأمر لاتعد ولاتحصى نذكر منها: قوله تعالى في القرآن "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " .. وقوله تعالى "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر" ... وقول رسوله محمد صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" .. وقوله صلى الله عليه وسلم " أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون" .. وقول السيد المسيح عليه السلام " .. كل شجرة صالحة تثمر ثمرا جيدا, والشجرة الفاسدة تثمر ثمرا رديا, ولا شجرة فاسدة أن تثمر ثمرا جيدا، كل شجرة لا تثمر ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار، فمن ثمارهم تعرفونهم .. "
وإذا كان التدين الصحيح ينتج أخلاقا راقية فإن التدين المشوه والمغشوش ينتج أخلاقا غاية في السوء تتستر تحت رداء الدين.
4 – القانون: فحين يطبق القانون بشكل صحيح ومستمر وعادل بلا استثناءات أو محاباة فإن مجموعات من الأخلاق والقيم والمعايير تترسخ في المجتمع وتصبح مع الوقت سلوكا تلقائيا إذ تتم برمجة العقل على احترام مواعيد العمل وإشارات المرور وحقوق الآخرين لا لشيء إلا لأن التجارب السابقة أثبتت للشخص أن المخالفة لها تبعات مؤلمة والنفس بطبيعتها تتجنب مصادر الألم.
5 – التقدير الإجتماعي: فالمجتمعات السوية تعلي من قيمة الصدق والأمانة والمحافظة على المواعيد والوفاء بالوعد وإتقان العمل والنظافة والنظام والجمال, بينما المجتمعات المضطربة والمتخلفة فتضطرب لديها مسألة التقدير فربما تنظر إلى الكذب على أنه ذكاء اجتماعي وتنظر إلى الصدق على أنه سذاجة وتنظر إلى الفهلوة على أنها شطارة ومهارة وتنظر إلى النظافة والجمال والنظام على أنها مسائل رفاهية وكمالية لا تستحق الاهتمام. وبناء على تقدير المجتمع للمعايير والقيم الأخلاقية يتم تعزيز وتدعيم بعضها وإضعاف البعض الآخر فتتشكل الصورة النهائية للأخلاق طبقا لذلك.
6 – الضمير الشخصي: وهو بوصلة شخصية توجه الشخص يمينا أو يسارا بناء على ما ترسخ في هذا الضمير من قيم عبر مراحل العمر المختلفة من خلال التفاعل مع الأبوين ثم الأسرة ثم المدرسة ثم الأصدقاء ثم المجتمع.
7 – الضمير العام: وهو "مانيفستو" عام يتفق عليه كل مجتمع حول ما يصح وما لا يصح وما هو مقبول وما هو مستهجن, وهو جماع للثقافة والدين والعادات والتقاليد.
ويبقى السؤال: كيف نستعيد بنيتنا الأخلاقية السليمة؟ .. وهذا ما سنجيب عليه في المقال القادم إن شاء الله.
واقرأ أيضاً:
الأخلاق فن الحياة / الجماهير .. من السوقة والدهماء إلى عصر المجتمع المدني
هذه التركيبة الأخلاقية السلبية صارت تهدد أمننا النفسي وتهدد مستقبلنا, وهي للأسف في حالة انحدار مستمر لأنه حتى الآن لا توجد جهود حقيقية موجهة نحو التشخيص والعلاج مع أن هذه المشكلة الأخلاقية تعصف بأي جهود تنموية في أي مجال من المجالات.
وللدخول قليلا في عمق المشكلة نتساءل ما هي مصادر الأخلاق؟ ... وكيف اضطربت أو تلوثت هذه المصادر لدينا؟ .. وكيف نوقف هذا الاضطراب وذلك التلوث حتى نستعيد بنيتنا الأخلاقية السليمة؟
تتلخص مصادر الأخلاق في التالي:
1 – العقل: فحين يتمتع الإنسان بعقل سليم يحكم على الأمور حكما متوازنا وموضوعيا وهذا يستتبعه أخلاقا متوازنة وإيجابية ومتصالحة مع الآخر ومع الحياة.
2 – العلم: إذ من الملاحظ أن ثمة علاقة موجبة بين مستوى العلم (الحقيقي الأصيل) لدى الشخص وبين أخلاقه, والعكس صحيح, إذ كلما تفشى الجهل ساءت الأخلاق وتدنى الإنسان إلى مراتب غاية في الانحطاط.
ولكن يعيب الأخلاق الناتجة عن العقل والعلم أنها تكون أخلاقا نسبية ومتغيرة بمعنى أن العقل والعلم قد يجدان اتباع أخلاق معينة في بيئة خاصة وفي ظروف بعينها ينتج عنها مكاسب فتنشط تلك الأخلاق, أما إذا كانت البيئة والظروف مختلفة أو الحسابات نفسها مختلفة فقد ترتد النفس عن أخلاقها وتتبع غيرها بحثا عن المكاسب والمصالح, وهو مانسمية بنسبية الأخلاق, أو الأخلاق النفعية.
3 – الدين (الصحيح الأصيل): وهو مصدر الأخلاق المطلقة التي لا ترتبط بمنافع أو مكاسب ولا تتغير بتغير الزمان أو المكان أو الأشخاص, لأن الأخلاق في الدين قيمة في ذاتها وهي مرتبطة بالحقيقة الإيمانية التي تجعل الإنسان محبا لله وللرسل وللمخلوقات وللكون, وينطلق من هذه الحالة المحبة منظومة من الأخلاق العالية, وممارسة هذه المنظومة الخلقية في الدين تعتبر نوعا من التعبد في حد ذاتها.
والنصوص الدينية في هذا الأمر لاتعد ولاتحصى نذكر منها: قوله تعالى في القرآن "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " .. وقوله تعالى "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر" ... وقول رسوله محمد صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" .. وقوله صلى الله عليه وسلم " أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون" .. وقول السيد المسيح عليه السلام " .. كل شجرة صالحة تثمر ثمرا جيدا, والشجرة الفاسدة تثمر ثمرا رديا, ولا شجرة فاسدة أن تثمر ثمرا جيدا، كل شجرة لا تثمر ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار، فمن ثمارهم تعرفونهم .. "
وإذا كان التدين الصحيح ينتج أخلاقا راقية فإن التدين المشوه والمغشوش ينتج أخلاقا غاية في السوء تتستر تحت رداء الدين.
4 – القانون: فحين يطبق القانون بشكل صحيح ومستمر وعادل بلا استثناءات أو محاباة فإن مجموعات من الأخلاق والقيم والمعايير تترسخ في المجتمع وتصبح مع الوقت سلوكا تلقائيا إذ تتم برمجة العقل على احترام مواعيد العمل وإشارات المرور وحقوق الآخرين لا لشيء إلا لأن التجارب السابقة أثبتت للشخص أن المخالفة لها تبعات مؤلمة والنفس بطبيعتها تتجنب مصادر الألم.
5 – التقدير الإجتماعي: فالمجتمعات السوية تعلي من قيمة الصدق والأمانة والمحافظة على المواعيد والوفاء بالوعد وإتقان العمل والنظافة والنظام والجمال, بينما المجتمعات المضطربة والمتخلفة فتضطرب لديها مسألة التقدير فربما تنظر إلى الكذب على أنه ذكاء اجتماعي وتنظر إلى الصدق على أنه سذاجة وتنظر إلى الفهلوة على أنها شطارة ومهارة وتنظر إلى النظافة والجمال والنظام على أنها مسائل رفاهية وكمالية لا تستحق الاهتمام. وبناء على تقدير المجتمع للمعايير والقيم الأخلاقية يتم تعزيز وتدعيم بعضها وإضعاف البعض الآخر فتتشكل الصورة النهائية للأخلاق طبقا لذلك.
6 – الضمير الشخصي: وهو بوصلة شخصية توجه الشخص يمينا أو يسارا بناء على ما ترسخ في هذا الضمير من قيم عبر مراحل العمر المختلفة من خلال التفاعل مع الأبوين ثم الأسرة ثم المدرسة ثم الأصدقاء ثم المجتمع.
7 – الضمير العام: وهو "مانيفستو" عام يتفق عليه كل مجتمع حول ما يصح وما لا يصح وما هو مقبول وما هو مستهجن, وهو جماع للثقافة والدين والعادات والتقاليد.
ويبقى السؤال: كيف نستعيد بنيتنا الأخلاقية السليمة؟ .. وهذا ما سنجيب عليه في المقال القادم إن شاء الله.
واقرأ أيضاً:
الأخلاق فن الحياة / الجماهير .. من السوقة والدهماء إلى عصر المجتمع المدني