لم أفهم لماذا كل هذا الاهتمام بكلمات الوفود المختلفة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فصاحب الليلة الوحيد كان هو الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، فهو الذي حدد الموضوع وجدول الأعمال وخطط العمل ثم قام بتوزيع الأدوار مثل مايسترو الاوركسترا الذي ما إن يرفع عصاه، إلا ويتبارى الجميع في العزف على سيمفونيته.
أو على رأي من قال بأن أوباما كان يغرد والجميع يعمل ريتويت، لقد كانت الجلسة رقم 69 جلسة أمريكية بامتياز، دارت كل الكلمات في فلك الأجندة الأمريكية، لا صوت يعلو فوق صوت الإرهاب في الشرق الأوسط الذي ابتلي بالتطرف الإسلامي، فظهر المشهد وكأننا بصدد طابور طويل من قادة المنطقة، يحلفون اليمين أمام رئيس العالم، ليؤكدوا جميعا وبلا استثناء على دعمهم للحملة الأمريكية الحالية في العراق وسوريا، بكل ادعائاتها وذرائعها المضللة، مع إضافة بعض الرتوش الصغيرة في كلماتهم وفقا لظروف هذا البلد أو ذاك.
ليس من المعقول أو المقبول، أن يتصدر حديث داعش والتحالف الدولي والتطرف والإرهاب العربي والإسلامي، كلمات كل رؤساء المنطقة، بدلا من أن يتصدر كلماتهم، العدوان الصهيوني الأخير على غزة الذي راح ضحيته أكبر عدد من الشهداء الفلسطينيين منذ مذبحة صابرا وشاتيلا.
فالكلمات الجوفاء التي يرددها الرؤساء والملوك العرب في كل مناسبة بلا أي روح أو حماس أو مصداقية من أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية، وأنه لا بديل عن دولة فلسطينية على حدود 1967، عاصمتها القدس الشرقية، هذه الكلمات لم تعد تقنع أحدا، ناهيك عن أنها حتى وإن صدقت، فإنها لا تمثل الموقف الحقيقي للشعوب العربية، حتى الرجل المغلوب على أمره، رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن، حين قدم خطابا متواضعا، تجرأ فيه على إدانة العدوان، عنفته الخارجية الأمريكية واعتبرته خطابا مهينا به كثير من المغالطات والاستفزازات.
الأمريكان يكذبون كالمعتاد:
وحين تناول أوباما الصراع العربي الصهيوني الذي يحلو لهم بتسميته النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فإنه لم يستغرق من كلمته الطويلة أكثر من 30 ثانية، وثلاث جمل بالعدد، أكد خلالها بالطبع إدانته لإطلاق الصواريخ على الإسرائيليين الأبرياء، متجاهلا حجم الضحايا والشهداء الذين سقطوا جراء هذه الجريمة، ومبغبغا كالمعتاد ببضعة كلمات دبلوماسية عن ضرورة تسوية النزاع، أما حين تناول الأزمة الأوكرانية التي احتلت جزء كبيرا من خطابه، فوجدناه على العكس تماما، يتكلم وكأنه أحد زعماء الاستقلال الوطني في بلدان العالم الثالث!
فذكر جملا من عينة أنه ليس من حق دول أن تعيد رسم حدود دول أخرى، وأن أمريكا تؤمن بأن الشعوب الكبرى لا يجب أن تفرض إرادتها على الشعوب الصغرى، وأن الحق فوق القوة، وأنه لا يمكن فرض الإرادة بالقوة، ويجب أن نقوم بتجميع أكبر عدد من الشعوب لدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها...إلخ هذا الكلام الأجوف منزوع المصداقية، وحين أراد التبرير لحملته في العراق وسوريا، فلقد استفاض مرددا حزمة من الأكليشيهات المكررة الشهيرة والمضللة مثل: لسنا في حرب مع الإسلام. التطرف هو نكبة العالم الإسلامي. نحن ضد صدام الحضارات. يجب أن نقف ضد العنصرية والنبذ الديني. إننا نرفض تقسيم العالم إلى مؤمنين وكفار. ندين الطائفية والصراع بين السنة والشيعة.
وكم كنت أتمنى أن يخرج من يفند له ادعائاته وذرائعه ومغالطاته مؤكدا على أن الأمريكان ليسوا في حرب مع الإسلام فقط، بل هم في حرب مع كل العالم، حرب سيطرة ونفوذ ونهب واستغلال على كل الشعوب والأوطان، حرب مع الإسلام والعروبة والوطنية والاستقلال والاشتراكية والتقدمية وأي مبدأ أو قيمة إنسانية تدعو إلى التصدي لهم ومقاومتهم.
وأنهم ضد صدام الحضارات بالفعل، لأنهم ليس لهم حضارة ولا دين ولا وطن ولا قيم، سوى صراع المصالح والطبقات والأموال والثروات والنفط والسلاح، وأنهم يتحدثون عن أن التطرف هو نكبة العالم الإسلامي، في حين أنه لا يوجد في العالم من هو أشد منهم تطرفا، وأنهم يرفضون تقسيم العالم إلى مؤمنين وكفار، فلماذا يقسموننا إلى مؤمنين وكفار بمذاهبهم الاقتصادية وبمصالحهم الاستراتيجية، وبمشروعاتهم الامبريالية، وبتعليمات مؤسساتهم المالية.
وأنهم يتصدون للعنصرية والنبذ الديني، فلماذا لا يبدؤون بالكيان الصهيوني العنصري، الذي لم يكتف بإقصاء وطرد وإبادة الشعب الفلسطيني، ولكنه ينادي بيهودية دولة إسرائيل، في ظاهرة هي الأولى من نوعها في العالم، وأنهم يدينون الطائفية والصراع بين السنة والشيعة. ويا لهم من "نصابين كبار!"، أليس هذا هو مشروعهم الذي يدعمونه هم والصهاينة منذ عقود طويلة؟ المشروع الذي تشهد عليه وثائقهم الرسمية، ومراكز أبحاثهم، ومحاضر جلسات الكونجرس، وعقود تسليحهم وحركة تمويلاتهم لكل من المحاور والميليشيات السنية والشيعية؟
إنهم السبب الرئيسي في كل ما يجري من مصائب وكوارث في العالم العربي، بدءا من رعايتهم لهذا الكيان الشاذ المسمى بإسرائيل ومرورا باحتلالهم للعراق وإسقاطهم لدولته، وهيمنتهم على الأنظمة والحكام العرب، وإفقارهم لشعوب المنطقة من خلال نزيف النهب والاستغلال الذي لم يتوقف منذ قرنين من الزمان.
كنا نود أن نسمع مثل هذه الردود، ولكن من الواضح أننا يجب أن ننتظر حتى ننال استقلالنا الحقيقي من دولة الخلافة الأمريكية.
واقرأ أيضا:
يا ولدي هذا هو عدونا الصهيوني/ الربيع لا يتسع للصهاينة/ بدون مؤاخذة ـــــ أمريكا ليست راعياً للمفاوضات / ستة أسباب لانسحاب أمريكا من الشرق الأوسط بهدوء! / لعبة أمريكا / أمريكا عدو العرب اللدود