اذهب وانظر إلى والدتك، تأملها جيداً، علامات السن غزت وجهها الذي كان جميلاً ونضراً ذات يوم، بضع كيلوات زادت، لم تعد أنيقة ورشيقة كما كانت في السابق ولكنها مازالت تعمل ربما لتتمكن من الإنفاق عليك أنت وإخوتك أو ربما تعمل حتى لا يأكل السن والفراغ روحها بعدما كبرتم أنتم وأصبح اليوم يمر ثقيلاً طويلاً بلا مشاغل حقيقية. لا يهم السبب المهم أنها تعمل.
اذهب الآن وافتح مواقع التواصل الاجتماعي .. وشاهد صور والدتك في عملها والمئات يتهكمون عليها وعلى وزنها الزائد ويطلقون حكمهم بأنها لم تعد تصلح لوظيفتها بسبب الوزن والسن ويقررون أنها يجب أن تجلس في البيت لأن شكلها لا يليق بالوظيفة التي تشغلها. هذا ما حدث باختصار مع مضيفة مصر للطيران التي حسب ما قيل تعمل في وظيفتها منذ قرابة 30 عاماً، لديها أولاد .. نحن لا نعلم ظروف هذه السيدة ولا أي شيء عنها ولكننا قرأنا السخرية اللاذعة من شكلها.
بداية أنا لا أفهم أسباب أي شخص يقرر أن يؤلم شخصاً آخر دون سابق معرفة ودون سبب ولا هدف، فقط أذى وألم نفسي بالمجان ليضحك قليلاً وينسى الموضوع برمته بعد قليل غير مدرك حجم الألم الذي سببه للشخص وعائلته وأصدقائه، ولكننا لا يمكن أن نختصر المشكلة فقط في ذلك، فمصر للطيران تضع شروطاً لمضيفة الطيران تتضمن الوزن والطول والسن بالإضافة لأشياء أخرى. ما يدهشنني هنا لماذا من الأساس يكون الشكل عاملاً لقبول الشخص أو رفضه في أي وظيفة؟!
كنت أفترض أن الكفاءة هي المقياس، قدرة المضيف أو المضيفة على التعامل مع أزمات طبية مثلاً تحدث خلال الرحلة أو نوبات هلع من بعض المسافرين أو غير ذلك. كنت أيضاً أفترض أن تحديد القبول في وظيفة المضيفة له علاقة بأن الأكبر سناً قد لا تمكنهم صحتهم من العمل في هذه الوظيفة الصعبة –وإن كنت أرى أن شهادة طبية تكفي خاصة وأن الصحة غير مرتبطة بالسن- وليس لأن (العواجيز شكلهم مش حلو) في نظر بعض الناس!
-كنت أفترض أيضاً أن شرط الوزن له علاقة بالقدرة على الحركة السريعة في حال حدوث كارثة في الجو- وإن كنت أيضاً أعتقد أن اللياقة البدنية ليس لها علاقة بوزن الشخص- وليس لأن (التخان بردو شكلهم مش حلو) في نظر بعض الناس أيضاً - يبدو أن تحليلاتي لم تكن صحيحة إطلاقاً فبعض الناس يتعامل مع المضيفة على أنها الوجه الحسن الذي سيرفه عنه خلال الرحلة وهذا هو منطلق رفضه لمضيفة كبيرة في السن أو ذات وزن زائد.
الموقف كله جعلني أفكر في المعايير التي تضعها الشركات في قبول أو رفض المتقدمين لأي وظيفة، ولماذا تتضمن هذه المعايير أشياء غير كفاءة الشخص وقدرته على القيام بالعمل؟ ولماذا الافتراض أن سناً معينة أو وزناً معيناً أو شكلاً معيناً قد يشكل عائقاً أمام قيام الشخص بالعمل إذا كان فعلياً قادراً على أدائه؟
الكثير من شركات الطيران العالمية وخاصة في الرحلات العابرة للمحيطات تعمل على متنها مضيفات لا يخضعن لمعايير السن والوزن هذه لأن الخبرة هنا والكفاءة هي المقياس. أتساءل هل يعترض المعترضون على وجود مضيفين ذكور ذوي أوزان زائدة وأعمار متقدمة أم أن الاعتراض فقط يخص الإناث؟!
ليست المرة الأولى التي نسمع فيها تهكماً وسخرية من مستوى جمال ووزن وسن المضيفات ولا أذكر أنني سمعتُ من قبل تعليقات مشابهة على المضيفين رغم أنني رأيت منهم من تجاوز على الأقل الـ50 عاماً! هذا لا يمنع أيضاً من طرح سؤال آخر، إذا كانت هذه هي الشروط التي تضعها مصر للطيران –وأنا أرفضها- فكيف وجدت هذه المضيفة على متن الطائرة؟!
باختصار، ليس مقبولاً أن نلتقط صوراً للبشر أثناء أداء عملهم وننشرها على مواقع التواصل لنتهكم على أشكالهم، وليس مقبولاً أن يكون من ضمن معايير القبول في الوظائف شروط لها علاقة بالوزن والسن أو معايير أخرى لا تخص قدرة الموظف على أداء عمله.
وأخيراً ليس مقبولاً أن تضع الشركات شروطاً لقبول الشخص في وظيفة ما ثم لا تلتزم بها مما يجعلنا نفكر كيف تم قبول المضيفين والمضيفات في مصر للطيران والذين لا تنطبق عليهم شروط القبول التي وضعتها الشركة بذاتها، كيف تم قبولهم في وظائفهم؟! كيف توضع شروط تحرم الكثيرين من التقدم ثم نجد الوظيفة نفسها يشغلها أشخاص لا تنطبق عليهم شروط الوزن والسن -الظالمة في الحقيقة- ولكنها لا تُطَبّق؟؟
واقرأ أيضا:
اعترافات أنثى: متهمة بــ..الرومانسية!/ اعترافات أنثى : وأنا ...مسترجلة !/ مقعد في الدرجة الأولى مصر للطيران/ العصمة في يدها .. الوهم الذي صنعوه/ الأسئلة التي تفقع المرارة