على قدر الهوى يأتي العتاب ....... ومن عاتبتُ يَفديه الصِّحاب (أحمد شوقي)
تجذر الاعتقاد لدى الناس بأن العتاب دليل على الحب وأيد ذلك أشعار كبار الشعراء مثل البيت الذي تم ذكره. أو البيت التالي :
أما العتاب فبالأحبة أخلَقُ ...... والحبُّ يصلحُ بالعتاب ويصدُق (أحمد شوقي)
فهل الأمر فعلاً كذلك ؟ وهل كثرة العتاب دليل على الحب وهل هو أداةٌ لازدياد العلاقة وتماسكها بين المحبين أم بالعكس ؟!
وماذا عن العتاب بين الأهل والأصدقاء ؟!
قبل الإجابة على هذه الأسئلة، أول نقطة يجب أن ننتبه إليها هي أن الشعراء ليسوا علماء!! فهم أشخاص أمثالنا وما يميزهم هو قدرتهم في بيان مشاعرهم بطرق جمالية نحن لا نقدر عليها. إذن الشاعر يقول ما يشعر به أو يصف مشاعر الآخرين حسب رؤيته، ولكن هل تفسيره صحيح أم لا؟ هذا ليس ثابتاً دائماّ. إذاً لا نستطيع أن نفسر السلوكيات "فقط" حسب أقوال الشعراء أو حتى الحكماء.
ما هو العتاب ؟
كي نكتشف هل هذا السلوك سوي أم غير سوي لابد أن نفككه ونحلله. فالعتاب هو نوع من اللوم للطرف الآخر لأنه لم يتصرف بالطريقة التي كان "يتوقعها" منه الشخص المُعاتب. ولو تعمقنا أكثر في جذور هذا السلوك رأينا أنه غالباً نوع من طلب الاطمئنان على أن المحب ما زال يحبه. وهذا السلوك يفعله الطفل بصورة مباشرة ودائمة إذا لم يكن متأكداً من حب أبويه له فتراه يسأل أمه مثلاً : "هل تحبينني؟" لكن حين يكبر لا يسأل هل تحبينني بل يتعلم لغة العتاب فيقول :"أنت لم تعد تحبني ...".
المعاتبون:
كي نعرف سيكولوجية العتاب يجب أن نحلل شخصية الأفراد الذين يستخدمونه بكثرة وهم :
1- المحب القَلِق: وهو المحب الذي يشك في حب محبوبه (المحبوب ربما يكون الأب أو الأم أو الصديق أو الزوج أو ...الخ) وهذا الشك يكون بسبب شخصيته الحساسة القلقة والتي تطلب كسب الاطمئنان بصورة مستمرة تصل لدرجة الوسوسة وتكرار العتاب بصورة مملة تجعل المحبوب يبتعد عنه مما يزيد سلوك العتاب لديه وبالتالي يزيد الابتعاد !
2- المحب غير الواثق : عندما تكون تصرفات المحبوب متناقضة أو غير واضحة للمحب بحيث يقترب أحياناً ويبتعد أحياناً أخرى يجعل المحب غير واثقٍ بحب محبوبه، لذلك يعاتبه كثيراً لأنه يفسر تصرفاته حين البعد عدم حب له فيعاتبه عليها.
3- الشخصية المتطلبة : هذه الشخصية تحب أن تأخذ لكن عطائها قليل، وقلة عطائها بطبيعة الحال وبحكم قانون ردة الفعل تتساوى مع الفعل، لن تستطيع أن تأخذ بالقدر الذي ترغب فيه فبالتالي يزيد العتاب والشخص لا يعلم أن سبب حرمانه هو بخله في العطاء (سواء مادياً أو عاطفياً).هؤلاء ينظرون إلى المحبة كواجب للآخرين تجاههم وليس كمشاعر متبادلة.
4- الشخصية المتسلطة: ترغب هذه الشخصية بالسيطرة وتملك الأشخاص، وحين لا يرضخ الآخر لسلطته يبدأ بالعتاب، وكثيراً ما يحصل ذلك من أم وأب لديهما هذه النزعة السلطوية فيمارسون العتاب بصورة مستمرة مع أبنائهم.
يتضح من تحليل نوعية المعاتبين بأن العتاب رغم أنه سلوك واحد لكنه يصدر لأسباب نفسية مختلفة، وهذا ما يؤكد لنا عدم القدرة على الحكم عليه بأنه دليل على الحب أو البغض!
هل نخفي مشاعرنا ؟
ربما يستنتج القارئ من هذه السطور بأن الطريق الأصوب في العلاقات الاجتماعية هو إخفاء المشاعر السلبية وتصنع المشاعر. لكن ليس هذا هو المطلوب بل المصارحة في المشاعر السلبية أفضل من كبتها لأنها في هذه الحالة سوف تظهر بطريقة انفجارية غير متناسبة مع الحدث، بل المطلوب هو ممارسة المصارحة بأسلوب الحوار وبيان المشاعر السلبية بصيغة أنا أشعر ... وليس بصيغة الاتهام : أنت ...
السؤال بدل العتاب
هل نستنتج مما سبق بأن العتاب سلوك خاطئ ويجب أن نتخلى عنه؟ ليس كذلك تماماً، بل ربما يكون الأفضل أن نستبدل العتاب الذي يهلك المعاتِب والمعاتَب بأسلوب السؤال وثم الحوار الهادئ، ونستبدل العبارات الخبرية القطعية بعبارات استفهامية . مثلاً بدل أن نقول "أصبحت لا تهتم بنا ولا يهمك حالنا و..." نقول : "جعل الله التأخير خيراً، لكننا نشتاق إليك فماذا جعلك تتأخر عن السؤال عنا؟".... ولك أيها القارئ العزيز أن تقارن العبارتين وتحكم أيهما تحتوي على مشاعر أكبر من الحب والاهتمام؟ العتاب المتداول أم السؤال الحنون ؟
اقرأ أيضاً:
لماذا الرجال أكثر عرضة للشذوذ الجنسي من النساء؟/ سيكولوجية المتقين (2)/ كيف تجتنب النساء إيذاءات المنحرفين/ وباء النرجسية/ ازدواجية العواطف