يتمنى الكثيرون أن يتخلصوا من أخطائهم، وأن يرتقوا بمستواهم على مقياس العمل الصالح، وكثير من هؤلاء يستطيعون أن يحولوا هذه الأماني إلى واقع، وأن يضعوا نظاماً لإصلاح الذات، وأن يسيروا على هذا النظام، لكن ليس كل من يطبق نظام الإصلاح ينجح في تحقيق الإصلاح، فإن الإنسان في سيره وتفاعله مع بيئته يقابل حوادث ومواقف طارئة قد تحول خط سيره، وتتدخل في معرفته وعواطفه عوامل متعددة قد تضعف أو تحرف عمليات مراقبته وتوجيهه لتصرفاته، مثل الغفلة، أو الغرور، أو الملل.. ولعل أكثر ما يناله التغيير وأكثر ما يستحق المراجعة من هذه العمليات هو صدق النية.
إن الخلل في النية لا يصيب فقط ضعفاء الإرادة الذين تجتذبهم المثيرات وتستلبهم المغريات، إنه يهدد أيضاً الذين يحققون مقداراً عالياً من الإنجاز والتفوق يجعلهم يظهرون أقوياء أمام أنفسهم أو أمام غيرهم، فيغويهم الإعجاب الذي يلمسونه من أنفسهم أو من غيرهم، ويقعون في فخ الغرور، ومن ثم يتوقف لديهم نظام المراقبة والإصلاح.
لهذا يحتاج كل إنسان منا مع مراقبته لذاته، يحتاج إلى أداة يختبر بها صدق هذه المراقبة، ويحفظ بهذه الأداة نظام المراقبة عن التحول إلى ممارسات شكلية أو عمليات متكررة لخداع النفس. وفي هذا الموضوع ولهذا المقصد يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: "رحم الله عبداً وقف عند همِّه، فإن كان لله عز وجل مضى، وإن كان لغير الله أمسك". ويعني بلفظ "الهم" اللحظة التي يقرر الإنسان فيها أن يبدأ بالأداء، اللحظة التي "يهم" فيها أن يدخل في العمل، فإن لاحظ الإنسان أن هذا العمل سيكون بنية مخلصة لله بدأ به واستمر، وإن لاحظ خللاً في النية توقف وأعاد النظر.
إن من تيقظ في هذه اللحظة لخطواته التالية، وأجرى مراجعة شاملة لنيته الباطنة، وتصرفاته الظاهرة، ومقاصده البعيدة، ومآلات الفعل الممكنة، يمكنه أن يصدر حكماً حاسماً على هذا الفعل المتوقع حدوثه، كما يمكنه أن يصدر أحكاماً صادقة على توجهاته وتصرفاته الماضية التي وصلت به إلى هذه اللحظة.
والحكم الصادق هو أهم ما يعطي الإنسان قوة القرار، فيستمر أو يتراجع بناء على هذا الحكم، ولا يتوقف دور الإنسان الإيجابي عند قرار الاستمرار أو العودة عن هذا العمل، إنما يمتد هذا الدور ليطور رؤيته عن نفسه، ويحدد نقاط قوته وثغرات ضعفه، ويبني لنفسه نظاماً أكثر فاعلية للمراجعة والوعي بالمسيرة. ولأهمية هذه المراجعة قبيل البدء بالعمل، ولشمول تأثيرها على نظام المراجعة كله، ولوقوعها في المراحل الأخيرة قبل القيام بالسلوك، يمكننا أن نعتبرها اختبار الجودة لمهارات الإنسان المتصلة بملاحظته لعمله، وتقويمه لأدائه، ومراجعته لخط سيره، وحفاظه على استقامته.
قال تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون" (سورة الأحقاف: 13-14).
واقرأ أيضا:
صدق النية في تغيير السلوك / كيف تتقبل النقد دون توتر / متى تكون عدوانيًا ومتى تتقبل الإساءة