الدين والخيار...، ومسائل الأدبار!!! (1)
بعد أكثر من عام شاء الله أن أكتب الجزء الثاني من هذا المقال!! وهذا طريف للغاية، لكن كل شيء بقدر، وكنت أتعجب من عرقلة الكتابة في هذا، وأخيرًا أذن الله.. ورغم أن مشكلة المقال التي أعالجها تتكرر كثيرًا جدًا، إلا أن استشارة جديدة نشرت، حركتني للكتابة رغم عدم اختلافها عن غيرها، وأيًا كان السبب فالحمد لله أن رفيفا تحركت وكتبت!
الاستشارة كانت تتعلق بالعادة السرية، وكالمعتاد: إصدار حكم في حقها، يُنصح السائلُ به.
وقضية العادة السرية، واختلاف الآراء فيها هل هي حسنة أم سيئة؟ هل هي محرمة أم جائزة؟ هل هي مضرة بالصحة أم مفيدة أم لا هذا ولا ذاك؟ هذه الخلافات قديمة جدًا، وكثيرة، ومتكررة. الإجابة بحد ذاتها ليست هامة بالقدر الذي يهمنا فيه الميزان الذي نزن به المسألة ونخرج بعده بالنتيجة التي علينا العمل بها، وهو موضوع هذا المقال الذي وعدت به من عام وثلاثة أشهر! ميزان أمر ما، دائمًا يكون المبدأ الذي يؤمن به (س) من الناس، وحينئذ لا يمكن أن تكون النتيجة واحدة لتعدد المبادئ واختلافها اختلافًا كبيرًا، ولا يمكن لسين أن يقنع عين بالحكم الذي أصدره ما لم يتفقا على مبادئ وموازين مشتركة.
وباعتبار أن السائلين والمستشيرين، كلهم من المسلمين، إلا حالات معدودة من بين أكثر من تسعة آلاف استشارة، فإنه لابد لنا أن نخاطبهم وفق المبدأ الذي يؤمنون به، وإلا كان هذا سببًا لرمي الإجابة كلها، وإضافة نقطة سوداء إلى سمعة الطب النفسي، خاصة عند مخالفة ما هو معروف في البيئات المسلمة.
هناك من أصحاب الاستشارات من يكتب في خانة الديانة "ملحد" أو "لا ديني" مثلًا. هل يمكننا إقناعه ومطالبته بشريعة الإسلام المخالفة لعقيدته؟ الأمر فيه تفصيل، وينبغي أن يتم عرضه بحكمة بالغة تتناسب مع حال كل شخص على حدة، ومن المضحك حقًا أن نقول له: العادة محرمة وعليك الكف عنها، وقد رمى الدين كله وراء ظهره، لا داعي أن نجيبه على سؤاله من ناحية دينية أصلًا. هل يُجبر المستشار أن يجيب بعكس قناعاته؟ لا طبعًا، ولكن ما ينبغي أن يكتب ما يثير حفيظة المستشير بمعاكسة مبادئه.
نعود لأول الكلام، ولما يؤمن به المسلمون بشأن هذه العادة، وبشأن أمثالها من المسائل، كمسائل العلاقة الزوجية:
من هو المسلم؟
المسلم: من آمن بالله ورسله كلهم وبأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو آخرهم، وأسلم أمره كله لله ولما أمر به. شريعة الإسلام التي أنزلها الله تعالى كغيرها من الشرائع والمبادئ، تعطي حكمًا أو قانونًا أو آدابًا، لكل شيء!! قد يكون كلامي غريبًا، فما اعتدنا عليه أن يقال: إن شريعة الإسلام امتازت عن غيرها بتنظيمها لكل صغيرة وكبيرة في حياة المسلم، وفي الحديث عن سلمان الفارسي: (قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا لَنَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ، حَتَّى يُعَلِّمَكُمُ الْخَرْأَةَ، قَالَ: إِنَّهُ يَنْهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ، وَنَهَانَا عَنِ الرَّوَثِ وَالْعِظَامِ، وَقَالَ: لَا يَكْفِي أَحَدُكُمْ دُونَ ثَلَاثَةِ أَحْجَار).
لكن أليس إهمال مبدأ من المبادئ، تفصيل هذه الأمور، أليس يعني ضمنًا أن قانونه في هذا: ترك تنظيم ذلك لصاحب العلاقة؟
امتاز الإسلام بأنه فصل الدقائق، وعلَّمَ الناس كل حركة وسكنة في حياتهم، بعضها بنصوص صريحة، وبعضها بترك الأمر للإنسان ذاته، أو لأعراف المجتمع التي لا تتعارض مع مبادئ الشرع، وما ذلك إلا لأن مصدره إلهي، ومَن خَلق يعلم ما ومن خُلق، ويعلم ما يصلحه ويناسبه في أدق أموره، وله الحق المطلق في تنظيم أمور خلقه، إنما هم له وليسوا لأحد غيره. (وتقريبًا جميع الأديان السماوية فصلت في أمور لم تفصلها المبادئ الأرضية) وغير الإسلام أعطى حكمًا عامًا في كثير من الأمور، ولم يتدخل بها، إما صراحة بقوله: الإنسان حر في هذا. أو ضمنًا بسكوته عن ذكر الموضوع. والكلام –كما قلت سابقًا- عام لا يتعلق بالأمور الجنسية وحدها.
إذا آمن الإنسان بالله حقًا، وصدَّق بما أنزله، وعاهده على الاستسلام لأوامره من خلال "شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله"، ورأى أن شريعته تفصل كل شيء، لا يجد أي حرج من تطبيق ما آمن به. ولكن الذي يجد الحرج ويتعجب، من التبس عليه الأمر، وغابت عنه الحقيقة هذه، أو من عرفها ثم جحدها لأنه يضيق ذرعًا بإلزام نفسه بشيء لا يريده، ويجعل إلهه هواه.
قد يقول قائل: أنا أؤمن بالله، وأؤمن برسوله، وأستسلم له، لكن الذي أراه أن كثيرًا من الأحكام ليست إلا آراء شخصية للفقهاء وصلوا إليها حسب نظرهم واجتهادهم، ولا تعبّر بالضرورة عن حكم الإسلام، ولي أن أرجع إلى القرآن والسنة، وأنظر في النصوص، وآخذ الأحكام منها مباشرة دون أن يتحكم بي (رجال الدين) ويلزموني بآرائهم.
من الواضح لكل متأمل، أن إلقاء هذه الفكرة في عقول المسلمين، وجعلها كقناعة وكأمر مسلم به، أمر متعمّد منظم، بدأ منذ سنوات طويلة، وهو يحصد المزيد من العقول سنة بعد أخرى، فبتنا نجد علماء الأمة الذين كان لهم -سابقًا- احترامهم عند عامة المسلمين، عبارة –في عقول أكثر الناس- عن ثلة من المتحجرين المتخلفين المتحكمين بالبشر، والمضيقين عليهم!!
هل هؤلاء هم علماء الدين فعلًا؟
منذ انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه، والصحابة والتابعون ومن بعدهم ممن ملكوا العلم الواسع والعقل الراجح، كانوا ينظرون في النصوص الشرعية، ويشرحون معانيها، والأحكام التي فيها للناس، وكل المسلمين –من العلماء والعوام- كانوا يعرفون أن دور العالم هو هذا لا أكثر: (إيصال مراد الله تعالى إلى الناس، من خلال فهمه للنصوص مستخدمًا علمه الذي يفتقر إليه الآخرون). ولهذا يقول العلماء: إن الشخص الذي يحسن الاجتهاد بما يحوزه من علم لا يجوز له أن يقلد غيره. كيف يقلده وهو بغير حاجة له؟! لو كان الأمر قضية تحكم واستعباد للآخرين، لمنع المجتهدون أمثالَهم من الاجتهاد وإعمال العقل، لأجل استعبادهم وقهرهم؛ لكن الأمر ليس إلا قضية إيضاح ما يريده الله، لمن لا يفهمه من الناس، لافتقاره لأدوات الفهم العلمية. وعبر سنوات طويلة –كما ذكرت آنفًا- تم تشويه هذه الحقيقة، وإخفاؤها، باستخدام طرق عدة منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- الإتيان بما كان مسلمًا به، وما كان فهم العلماء فيه واحدًا، أي أجمعوا على معناه، وأنه هو مراد الله من خلقه؛ الإتيان به وجعله موضع نقاش بين عامة الناس -المسلم منهم وغير المسلم-، وطرح الشبهات المناسبة التي تقنع الناس بأنه فعلًا أمر قابل للنقاش!! وأكثر ما يكون هذا في الأمور الاجتماعية والأحوال الشخصية، وشئون المرأة (تعدد الزوجات، الحجاب، الاختلاط، مجال عمل المرأة وطبيعته، طبيعة علاقة الرجل بالمرأة، الخ...).
2- عرض اختلافات العلماء -التي لا يفهم العامة أساسها وأدلتها- على الملأ، وبثها عبر وسائل الإعلام المختلفة لتصل إلى كل كبير وصغير. فلا يصل منها إلى غير المختصين سوى أن الكل يختلف والكل يجتهد، وعلماء الدين لا يحسنون إلا الجدل والاختلاف، والإسلام ليس له أحكام محددة نتبعها، والأمر يسير ويمكنني الاجتهاد أنا أيضًا!!
كانت هذه الخلافات مقصورة على مجالس العلم، تمامًا كخلافات الآراء بين سائر المختصين في علوم الدنيا، فكل واحد منهم له نهجه واتجاهه الفكري والعلمي، وله أدلته التي يجادل بها غيره، والتي أخذها من نتائج الدراسات والتجارب المختلفة. أنا كطالبة علم شرعي، لا يمكنني -قبل البحث والقراءة وسؤال المختصين- أن أفهم نظريات علم النفس -مثلًا- ولو تم عرض حلقة يتناقش فيها علماء النفس عن مدارسهم، فيقارنون بين مدرسة الجشطلت، والمدرسة الهورمية، ومدرسة التحليل النفسي وغيرها، لما فهمت شيئًا، ولو جئت أتكلم مستخدمة المفردات القليلة التي حفظتها، لضحكتْ الثَّكلى مما أخرج به! ولَعَلِّي إن طبقته لحولت العالم إلى مشفى مجانين كبيرة!
3- تسليط أكثر الأضواء من خلال وسائل الإعلام –أيضًا- على أشباه العلماء، والفاسدين منهم، من طلاب المال والمراكز، وجعلهم إعلاميًا رموزًا لعلماء الدين، مع نشر فضائحهم خفية بين الناس، ما هي الرسالة التي تصل؟ العلماء –جميعهم- فاسدون، كاذبون، يتبعون هواهم، ويتكلمون بغير علم ليستعبدوا الناس، يجملون أنفسهم ظاهرًا، ونفوسهم كنفوس الشياطين.. وبصراحة الحق مع الناس بعد هذا فيما يخرجون به من نتائج!
أين العلماء الصالحون إذن؟
في زوايا المساجد، تبحث عنهم حتى تجدهم، إن مشوا بين عامة الناس لا تعرفهم، إلا إن لبسوا زيّ العلماء، هربوا من الشهرة الزائفة، وتمّ إخفاؤهم عمدًا!! وهذا حديث ذو شجون لا مجال للكلام عليه الآن.
وخلاصة الكلام: المسلم يستسلم لله، وكلنا يقرّ بهذا، والله بيّن لنا كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، ومن لا يستطيع فهم هذا من مصادر التشريع الإسلامي، يشرحه له العلماء. وكان هذا بديهيًا فيما سبق، لكنه تعرض للتشويه والتجهيل، والتشكيك من خلال طرق عدة وعمل متعمَّد دؤوب.
بعد هذا، أليس يجدر بالمسلم أن يجعل الشرع ميزانًا حتى في مناقشة أدق التفاصيل؟ أليس يجدر به ألا يستغرب تحريم إدخال الخيار في الأدبار؟ أليس يجدر به ألا يستغرب تحريم العادة السرية إلا على المضطر لها لخشيته على نفسه من الزنا؟ أليس يجدر به أن يبقى حذرًا من المداومة عليها أو الاسترسال فيها؟ أليس مستغربًا بعد هذا أن يقال عن الذي يحذرها ويتمنى تركها، ويتألم من إقدامه عليها: إنه إنسان غير سوي، مع أن نصوص القرآن والسنة تقتضي تحريمها إلا لضرورة قد عمت وطمّت هذه الأيام؟ أنزل الله لنا هذا، وشرح العلماء لنا وبيّنوا وقاموا بواجبهم وأوصلوا هذا إلينا، وليس علينا إلا الخضوع لما وصل إلينا من شرع ربنا، لسبب واحد: وهو أننا مسلمون.
واقرأ أيضاً:
وضع الإصبع في الدبر / إدخال إصبع الزوجة في دبر الزوج: هي / إدخال إصبع الزوجة في دبر الزوج مشاركتان1 / إدخال إصبع الزوجة في دبر الزوج: هو / إصبعي في دبر زوجي / جنسي زواجيMarital Sexual Problems شبهات