لم يعد الكيان الصهيوني يشكو من مشكلة الأجواء الإقليمية العربية، عندما كان طيرانه المدني يواجه صعاباً وتحدياتٍ خلال بحثه عن مساراتٍ جوية بعيداً عن الأجواء الإقليمية العربية، التي كانت تمنع الطيران الإسرائيلي من المرور فوق أراضيها، وتُجبره على الطيران بعيداً، والالتفاف طويلاً، لئلا يضطر إلى اختراق أجوائها، الأمر الذي كان ينعكس على شركاته الناقلة كُلفةً أكبر في المال، ووقتاً أطول في التحليق بعيداً، والدوران طويلاً، وصولاً إلى أجواء صديقة وآمنة، تسمح له بالطيران في أجوائها.
إذ تحتاج الطائرات المدنية الإسرائيلية، شأنها شأن أي طيران مدني آخر، يحلق على ارتفاعاتٍ منخفضة، أن تبقى حاضرة على شاشات الرادار المختلفة طوال مدة رحلتها، وألا تغيب عنها أبداً، وأن تكون على اتصالٍ بالمحطات الأرضية، تجنباً لأي خطأ، وعلاجاً لأي عطل، واستدراكاً لأي حادث أو طارئ، وهو ما كانت تشكو الطائرات الإسرائيلية من غيابه فوق الأجواء العربية كلها، باستثناء الأجواء المصرية والأردنية في العقود الأخيرة، ولهذا فقد كانت تُحلق بعيداً للاستفادة من المحطات الأرضية الصديقة، ولتكون قادرة على الهبوط الاضطراري في أحد مطاراتها في حال تعرضها لأي طارئ أو حادثٍ مفاجئ، كما لم تكن المطارات العربية تُقدم أي مساعداتٍ لها، كالتزود بالوقود، أو إصلاح وصيانة أي عطل طارئ.
ربما هذا ما كنا نعتقد به ونصدقه، ونراه ونشهد عليه، ونُباهي به ونُفاخر، فكنا لذلك نُشيد بحكوماتنا، ونُمجد قراراتها، ونُدافع عنها بسبب مواقفها القومية، ونرى أنها معنا في خندق المواجهة، تُشاركنا المعركة، وتتصدى وتتحدى، وتواجه بصدق، وتُحارب بإرادة، وتلتزم بالمقاطعة بأمانة، وأنها لا تتنازل للعدو ولا تقدم له تسهيلاتٍ، ولا تستجيب للضغوطات، ولا تقبل بالوساطات، لتساعده أو لتخفف عنه، ولا تخضع لكل محاولات الابتزاز أو عروض الإغراء، إذ ترى فيه العدو الذي لا لقاء معه، والذي يجب أن يحارب بكل السُبُل الممكنة، ويُقاطع في كل شئٍ وعلى كل الصُعُد.
إلا أن الحقيقـة كانت عكـس ذلك، ومخالفـة لما كما نظن، ولعلها صادمـة لكثيرين، ومفاجئـة لآخرين؛ فقد كشـفت أوسـاطٌ صهيونيّـةٌ أنّ طائراتٍ إسـرائيليـة خاصـة تقوم منذ زمنٍ طويلٍ برحلات جويّـة منتظمـة بشـكل سـري بين "تل أبيب" وبعض العواصم العربيـة، في إطار تعاون أمني منظم مع بعض الدول العربيـة، التي تعلم أجهزتها الأمنيـة والسـياديـة بهذه الرحلات، وتوافق على تسـييرها، وتُسـهل مسـاراتها، وتُذلل العقبات من أمامها، وهي رحلاتٌ تشـمل دولاً أخرى غير مصر والأردن اللتين تربطهما اتفاقياتُ سـلام مع الكيان الصهيوني، حيث تُشـير معلوماتٌ خاصـة أن الرحلات الجويـة الإسـرائيليـة تشـمل دول الخليج العربي، وبعض دول شـمال أفريقيا.
أو أنها تتم بطرقٍ خفية ومساراتٍ مزيفة في محاولة لاختراق دولٍ أخرى، لا يوجد بينها وبين الكيان الصهيوني أي علاقاتٍ معلنة أو سرية، حرصاً على الشكل العام للدولة، ومنعاً للحرج، وخوفاً من التحركات الشعبية المعارضة، لذا تتم إليها الرحلات الجوية بطرقٍ غير مباشرة، وبالتفافاتٍ مرورية باتت معروفة، وقد تحمل الشركات الناقلة هوياتٍ أجنبية، ومسجلة ضمن شركاتٍ عالمية، لتزيد في التمويه، ولكنها لا تتمكن من إحفاء الحقيقة وطمس الواقع.
وأوضحت بعض الأوساط المطلعة أنّ رحلات الطيران المباشرة التي يتم تسييرها بين بعض الدول العربية و"تل أبيب" تتم بعضها من خلال شركة "PrivatAir"، وهي شركة سويسريّة خاصة تتخذ من جنيف مقراً لها، تقوم بتسيير رحلات بين مطاري "بن غوريون" ومطارات عربية أخرى.
مشيرةً إلى أنّ الرحلة تغادر (إسرائيل) على أنّ الوجهة المعلنة لها هي الأردن أو مصر، ولا تكون الرحلة مدرجة على قوائم الرحلات القادمة إلى مطار الملكة علياء بالأردن أو مطار القاهرة الدولي، إلا أنّ الإعلان عن الرحلة ما هو إلّا غطاء فقط، فالأردن ومصر يُقيمان علاقات دبلوماسية طبيعيّة مع (إسرائيل) منذ عقود، ولا تُخفيان وجود رحلات جوية متبادلة بينهما، إلا أن العدو الصهيوني يستخدم مطاراتهما لتبييض رحلاته المشبوهة، إذ أن الطائرة تُغادر "تل أبيب" وتهبط بالفعل لفترة قصيرة جداً في مدرج تابع لمطارٍ أردني أو مصري، ثم تُغادر إلى عواصم عربية مختلفة، كي لا ينكشف أمر الرحلات السريّة.
علماً أن بعض الدول العربية تعرف بأمر الرحلات، ولديها كشف بمواعيدها، وتعرف مهامها والوظيفة التي تقوم بها، وتحط طائراتها في مطاراتها الوطنية بصورةٍ نظامية وقانونية، ضمن عقودٍ محترمة، ومواعيدٍ مسبقة، إلا أنها في الحقيقة ليست إلا تغطية لرحلاتٍ إسرائيلية، لعل من مهامها نقل شخصياتٍ خاصة، وتسهيل سفرهم، أو المساهمة في تنفيذ برامج الهجرة إلى الكيان الصهيوني، أو القيام بمهام سريةٍ أخرى لا ترغب في أن تكشف عنها، وإن كان همها الأول وهدفها الأساس، المباشرة في التطبيع العملي مع العرب.
في حين أن دولاً عربية أخرى لا تعرف شيئاً عن هذه الرحلات، ولا تستطيع التمييز بينها وبين أي رحلاتٍ أوروبية أخرى، ولا تستطيع الاعتراض عليها، أو إبداء الشكوك تجاهها، ولكنها بلا شك ـــــ إن أرادت ـــــ قادرة في حال توافر الأدلة التي تُدينها، على وقف رحلاتها، ومنع هبوطها في مطاراتها، بذريعة مخالفة أصل العقود، واختراق خصوصية وسيادة الدولة، وعدم احترام سياساتها وعهودها ومواثيقها، واستغلال التسهيلات الممنوحة قانوناً فيما يخالف قوانين البلاد، ويتعارض مع سياساتها.
ولكن الأدهى من ذلك هو قيام الطائرات العربيـة بالهبوط في المطارات الإسـرائيليـة، وهي تحمل على متنها ما لا نعرف ونُدرك، وتنقل منها ما لا تريد أن نطلع عليـه، ويقضي بعضهم في المدن الإسـرائيليـة أياماً، في اجتماعاتٍ مشـبوهـةٍ، وتنسـيقاتٍ أمنيـةٍ مريبـة، ومهامٍ قذرةٍ، وأعمالٍ مشـينـةٍ، أو سـهراً ومجوناً في باراتها، ورقصاً وسـكراً في كازينوهاتها، أو سـياحـةً واسـتجماماً في فنادقها وعلى شـواطئها، أو غير ذلك مما يُعيب ويُشـين، ويُخجل ويُخزي...!!!
إنه من السفة والبلاهة أن نطمئن إلى الرحلات الإسرائيلية، وأن نقبل بها، إذ لا ثقة مع الإسرائيليين أبداً، ولا أمان معهم ولا صدق عندهم، فهم لا يرجون لنا خيراً، ولا يُحسنون إلينا أبداً، وعندهم من الأهداف ما يضيرنا، ومن الغايات ما يُسيئنا، وهم كانوا وسيبقون عدونا، المحتل لأرضنا، والغاصب لحقوقنا، والطارد القاتل لشعبنا وأهلنا.
بيروت في 26/12/2014
واقرأ أيضا:
إسرائيل تسوّق إنسانيتها!/ القوّة وحدها لا تُعيد الهدوء والاستقرار!!/ إخلاء سيناء مطلب (إسرائيلي)!/ الأمل قبل الأمن أولويةٌ إسرائيلية جديدة/ إسرائيل في مواجهة المقاومة المنظمة والعمل التلقائي