إنهم اليهود لا غيرهم، الذين يقفون وراء تحريف تاريخنا، وتشـويـه ماضينا، وتزوير الحقائق، وتغيير الوقائع، واسـتبدال المعطيات، والغـش في النتائج والتلاعب في الاسـتنتاجات، لتكون الدراسـات التاريخيـة كلها، وكافـة الأعمال الفنيـة وغيرها في خدمـة الأسـاطير الإسـرائيليـة، والخُرافات اليهوديـة والتلموديـة، وكأنهم يريدون كتابـة التاريخ بالمقلوب، وفقاً للأماني والرغبات، وحسـب النتائج التي يُريدون، والأهداف التي إليها يتطلعون، وهم يعلمون أنهم كاذبون ومُدلسـون، ومُزورون وغشـاشـون، لكن عيونهم على فلسـطين ومصر وأرض العرب، يريدون أن يُثبتوا "ملكيتهم لها، وأحقيتهم بها، وأنهم فيها أُصلاء" وليسـوا فيها طارئين ولا منها عابرين!
لهذا كانت جماعاتٌ يهودية صهيونية وراء إنتاج الفيلم (أكزودوس)، الذي يفتري على التاريخ، ويُغير في وقائعه، ويُدلس في شواهده، ويُكذب آياتٍ قرآنية ويدعي خطأها، وكأنه يُشكك متعمداً في القرآن الكريم، وينقض روايته التاريخية لقصة موسى عليه السلام مع فرعون مصر، وحياته في مصر قبل الرسالة وبعدها، ويريد أن ينسج قصةً أخرى وحكايةً مختلفة، تتناقض مع عقيدة المسلمين وقناعاتهم، وتختلف عما رُوي في كتابهم، أو ذكره لهم نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.
فقد تعمد القائمون على إنتاج الفيلم الذي يروي قصة نزوح العبرانيين من مصر إلى فلسطين هروباً من فرعونها الذي كان يضطهدهم ويُعذبهم، ويقتل ذكورهم ويستحيي إناثهم، خوفاً على ملكه من نبيٍ يُبعث فيهم، يمزق ملكه، ويُنهي حكمه، كما تنبأ له بذلك السحرة والعرافون، ويُنكر الفيلم الكثير من الوقائع التاريخية المثبتة، ويدعي ملكية اليهود للأرض المقدسة، وأنها كانت لهم قبل النزوح وطناً وسكناً، ومنها كانوا ينتقلون للتجارة إلى مصر للتبضع منها.
وينفي الفيلم معجزة فلق البحر وانشطاره، وغرق فرعون وجنده، ويدعي أنه زلزالٌ وقع أثناء مطاردة فرعون وجنوده للعبرانيين الفارين، أدى إلى حدوث شرخٍ في البحر، غرق بسببه من كان فيه من جندٍ، إلا أن الناس تناقلت الحادثة وكأنها معجزة إلهية، وإرادة ربانية انتشلت موسى ومن معه من براثن فرعون وزبانيته، وهو ما ذكره القرآن الكريم في أكثر من آيةٍ وموضع، وما يؤمن به المسلمون وكثيرٌ من اليهود، ولا يوجد في التاريخ المنقول في العهدين القديم والجديد وما قبلهما وما بعدهما ما ينفي هذه الرواية، أو ما ينقضها ويأتي بغيرها مما ذكره الفيلم، وأراد القائمون عليه تثبيته وتأكيده.
(أكزودوس) ليـس المحاولـة الأولى ولن تكون الأخيرة لليهود، الذين يسـعون بكل قوة للطعن في التاريخ العربي والإسـلامي، والتشـكيك في أصالـة انتماء العرب إلى هذه الأرض، وأنها لم تكن لهم يوماً، بل كانت لبني إسـرائيل قديماً وطناً وسـكناً، وحضارةً ومملكـة، وأن العرب فيها طارؤون ووافدون، وعابرون ومارون، جاؤوا في فترةٍ من الزمن، وعبروا فيها تجارةً أو رعياً، أو دخلوها غزواً وحرباً، وتمكنوا منها عُنوةً وفتحاً، واسـتوطنوها ردحاً، وأقاموا فيها حكماً حقباً متواليـة.
قد لا يُلام الإسرائيليون ومن يقف معهم على فعلتهم، فهم يبحثون عما يُعزز روايتهم، ويؤيد "حقهم"، ويُثبت "ملكيتهم" للأرض الفلسطينية التي يغتصبونها ويحتلونها، فيستخدمون لذلك كل سلاحٍ ممكن، ويُسخرون لغايتهم كل العقول والطاقات، ويُطوعون القدرات والإمكانات، ويسلكون كل دربٍ وعرٍ وشائك، ويُبررون لأنفسهم كل وسيلةٍ وأداةٍ، ولو كانت قذرة أو خبيثة، ودنيئةٍ وحقيرة، ويُجيزون لأنفسهم الكذب والدجل، والنصب والاحتيال للوصول إلى غاياتهم، وتحقيق أهدافهم ولو كانت غير مشروعة، وهي في أكثرها غير مشروعة، بل تستند إلى القوة والاستعلاء، والهيمنة والسيطرة، التي يُتيحها لهم الحلفاء الداعمون والمؤيدون.
إنما يُلام ويُعاب العرب الذين يقبلون بهذه الروايـة، ويوافقون أن يُصور الفيلم في بلادهم، وأن يُروج بين مواطنيهم، وأن يُعرض في دور السـينما العربيـة، ولو كان القصد منها الكسـب والربح، والتشـغيل والتنشـيط، إذ لا ربح من حرام، ولا كسـب من نصبٍ واحتيال، فلا خير من عوائد ماليـة تتحقق عن طريق غير مشـروع، وعلى أيدي مزوري التاريخ، ومغتصبي الحقوق، وقاتلي الشـعب والأمـة.
فقد تم تصوير بعض مشاهد الفيلم في دولٍ عربية، بعد أن تعاقد منتجوه مع شركاتِ إنتاجٍ عربية، أتاحت لهم توفير أماكن مناسبة، والحصول على مشاهد معينة، تخدم أغراضهم المشبوهة، وتُحقق غاياتهم المخالفة للأصول والوثائق، وهو أمرٌ مشينٌ ومعيب، ما كان لعربيٍ أن يقبل به ويوافق عليه، إذ أن من تعاون معهم، وسهّل لهم عملهم، وساهم في التصوير أو الإعداد، فإنه شريكٌ لهم في الجريمة، ومثلهم في هذا الفعل البشع، الذي يتطاول على التاريخ، ويعتدي على الحقوق، ويؤسس تاريخياً لجريمة العصر الكبرى، المتمثلة في اغتصاب الإسرائيليين للأرض الفلسطينية، واعتدائهم على أهلها، وطردهم منها.
علماً أن هذا الفيلم يُكذب الرواية القرآنية ويتعارض معها، وكأنه يُشكك في صدقية القرآن كله، ويقول لمن يؤمنوا به أن روايتكم غير صحيحة، وهذا أمرٌ لا يقبل به المسلمون أبداً، إذ أن القرآن الكريم وحدةٌ واحدة، وكلام رب العالمين المقدس، المنزه عن العيب والنقيصة، والمنزل على رسوله الأكرم، والمنقول عنه بالتواتر الصادق، والمكفول إلى يوم القيامة بالعناية والحفظ من رب العالمين.
رغم أن العديد من الدول العربية منعت عرض هذا الفيلم، واستدركت الخطأ الذي وقعت فيه بعض شركاتها الفنية، وأصدرت أوامر صارمة بمنع عرضه وتداوله في بلادها، إلا أن دولاً غربية كثيرة تعرض الفيلم وتُصر عليه، وكأنها تتبنى الرواية الإسرائيلية وتؤمن بها، وتُكذب الرواية العربية والإسلامية وترميها في وجه المؤمنين بها، والمعتمدين عليها، في الوقت الذي أطلقت فيه أبواقها الإعلامية، وتصدرت المنابر الثقافية والفنية، تُهاجم من خلالها العرب والمسلمين، وتتهمهم بأنهم ضد الفن، ويُحاربون الإبداع، وأنهم يقفون في وجه الحريات ويكبتون الآراء، ويمنعون التعددية في الفكر والاعتقاد.
منع عرض هذا الفيلم وأمثاله في بلادنا العربية، ليس فقط لمحاربة أباطيله وصد خرافاته، بل أيضاً للحد من أرباحه، ومنع استفادة الصهاينة من عوائده المتوقعة، إذ أنهم يتوقعون منه الكثير، ويرصدون أكثره لخدمة مشاريعهم، وترويج أفكارهم، ولكنهم نسوا أن هذه الأمة مهما اختلفت وتباينت، وانقسمت وتنازعت، فإنها لا تُفرط في حقها، ولا تتنازل عن قيمها، ولا تقبل الاعتداء على مقدساتها، وستبقى معركتنا معهم قائمةً إلى يوم القيامة، حتى نسترد الحق ونستعيد الأرض والوطن.
واقرأ أيضا:
إسرائيل في مواجهة المقاومة المنظمة والعمل التلقائي/ رحلات طيران سرية بين تل أبيب وعواصم عربية!/ عيد الميلاد غصةٌ يهودية وأحقادٌ تاريخية/ الكيان الصهيوني ينتقد الصمت الدولي!