ماذا تعني حرية التعبير عن الرأي للإنسان العربي؟ ليس من السهل الإجابة على هذا السؤال وهناك من يضع هذا الحق الإنساني في أعلى هرم الحقوق الإنسانية وهناك من لا يبالي بإدراجه ضمن قائمة الحقوق البشرية.
شهد العالم في الأسبوع الثاني من يناير 2015 حدثان يعكسان هذا التفاوت في إدراج حرية التعبير عن الرأي في هرم الحقوق الإنسانية. هاجم متطرفون ينتسبون إلى الدين الإسلامي مكتب مجلة ضيقة الانتشار في فرنسا ناهيك عن العالم انتقاماً لنشرها صورة كاريكاتورية تصور الرسول الكريم (ص) وهو يقول 50 جلدة لمن لا يموت من الضحك في عام 2012. انتهى الهجوم بمجزرة في مكتب الصحيفة ومجزرة أخرى في متجر يهودي راح ضحيتها أربعة شبان لا علاقة لهم بالمجلة.
في نفس الوقت بدأ تنفيذ حكم الشريعة الإسلامية بحق مواطن عربي يعيش في بلد عربي بجلده أسبوعيا لأنه نشر على موقعه الإلكتروني ما هو مسيئا للإسلام. هذا الحكم بحد ذاته لا يسهل على الإنسان المسلم وغير المسلم استيعابه وكيفية وصول القضاء إلى تنفيذ الجلد العلني الأسبوعي.
كان رد فعل العالم على الحدث الأول التضامن مع الضحايا وحرية الرأي وكان رد فعل العالم إشارة واستنكار للحدث الثاني على مستوى المواقع الإلكترونية والصحافة الغربية فقط.
الضحية والجاني
في بداية الأمر لابد من إلقاء نظرة اجتماعية نفسية على الضحايا والجناة في مجزرة باريس.
معظم ضحايا المجلة في متوسط العمر والمشهور عنهم توجهم اليساري الماركسي الذي بدأ شأنه يتضاءل في أوربا الغربية والشرقية على حد سواء. هذا التوجه معروف بمعارضته الشديدة للحركات الدينية من إسلامية ومسيحية ويهودية. يسخرون من السيد المسيح عليه السلام ومن الحاخامات أكثر من سخريتهم من الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. سخريتهم لم تصل إلى مستوى سخرية المجلة الدنماركية Jellands-Posten في 2005 من الرسول الكريم وربما الكارتون الذي تصدر صفحة مجلتهم في عاما 2012 لم يكن بمستوى الكارتون الدنماركي إساءة لمشاعر المسلمين. لم تكن المجلة واسعة الانتشار وتعاني من مشاكل مادية وقلما تفلح ببيع 20 ألف نسخة أسبوعياً.
أما الجناة فهم من طبقات مسحوقة تعيش في أطراف المدن الفرنسية الكبرى من باريس وغيرها. طفولتهم تميزت بالنبذ والانتقال من بيت لآخر وغياب التعلق بالأبوين. هذه المناطق بحد ذاتها تعتبر وصمة اجتماعية للفرد حتى يومنا هذا وتسمى Banlieues أي الضواحي. هذه الظاهرة شائعة في الأفراد ذوي الخلفية الإجرامية في المجتمع وينتهي معظمهم خلف قبضان السجون عاجلاً أو آجلاً. لا يختلفون في هذه الميزة عن اليهودي والمسيحي وغير المنتسب إلى دين. رغم أن أكثرية سكان ضواحي باريس الفقيرة هم من غير المسلمين ولكن عدد المسلمين فيها أكثر من غيرها من المناطق.
لكن إحصائيات السجون في فرنسا، وهي تختلف في ذلك عن بقية بلاد أوربا الغربية، تشير إلى أن تعداد ونسبة المسلمين فيها عالية. يشكل المسلمون 60% من تعداد سكان السجون في فرنسا البالغ عددهم 68 ألف نسمة. يدخل المجرم السجن للتأهيل والإصلاح ويتم تقديم الرعاية توازياً مع الخلفية الثقافية والاجتماعية وإحدى هذه الخدمات الموعظة الدينية. هناك 178 رجل دين مسلم معتدل توظفه الحكومة الفرنسية مقابل 700 رجل دين كاثوليكي فبدلا من أن يقع المجرم المسلم تحت رعاية رجل دين معتدل يوجهه روحيا وسلوكيا يتم اصطياده من قبل المتطرف بعد الآخر من الذين يسكنون السجون لفترات طويلة. يخرج المجرم وقد تم تأهيله مبدئيا للتطرف ويتم استقطابه من الحركات الإسلامية المتطرفة.
المدرسة الإرهابية الدينية
رحلة كل مجرم في الحياة رحلة شاقة ينتقل فيها من دهليز إلى آخر والمجتمع يسعى دوماً إلى مساعدته إلى حد ما ويتحمل سلوكه العدواني ويأمل بأن يصل مرحلة نضوج عقلي تضع نهاية لإجرامه. لكن العديد منهم ينتهي تحت رحمة الإدمان على المواد الكيمائية المحظورة وما لا يقل عن 10% منهم ينجحون في إنهاء وجودهم عن طريق الانتحار. يصاحب هذه الرحلة شعور دائم بالتهميش والنبذ وبأن الإنسان مجرد ضحية لا قيمة له.
المدارس الدينية الإسلامية المتطرفة أو بالأحرى المنحرفة في بحث دائم عن أفراد يسهل استغلالهم لتنفيذ عملياتهم الانتحارية الإجرامية من أجل تحقيق أهدافهم. ليس هناك أفضل من خريج السجون الذي يشعر دوماً بتفاهة وجوده وعدم انتمائه إلى المجتمع والوطن الذي يحمل هويته. يتحول هذا الشعور بالتهميش وعدم القيمة إلى إحساس قوي يمجد هذا الفرد بين ليلة وضحاها عن طريق فعل إجرامي لا هدف له سوى القتل والتدمير.
لم يكن تدخل الغرب في أحداث الربيع العربي متوازناً وإنما مشوشا ومتردداً ليس بسبب سياسته الخارجية فحسب وإنما بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها وتجارب التدخل العسكري في العقود الماضية. كذلك لا يمكن غض النظر عن أن الحكومات الغربية منتخبة وآخر ما تسعى إليه هو التدخل في شؤون العالم الخارجية التي قد يفقدها شعبيتها ولذلك ليس من الإنصاف دوماً استعمال نظريات التآمر واستغلال الشعوب هذه الأيام مع تغير مفاهيم العلاقة والاتصال بين الحضارات المختلفة. رغم ذلك فإن آخر ما كان العالم يتنماه هو وصول الربيع العربي إلى سوريا وتم تكرار الحديث عن هذا الخطر قبل نشوب الحرب الأهلية السورية. تفاعل الغرب والعالم العربي بأسره مع الحرب الأهلية السورية بأسلوب مرتبك ومع هيمنة المجموعات الإسلامية المتطرفة على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية بدأ الغرب والعرب يراجعون سجلات اجتماعاتهم وقراراتهم التي ذهب ضحيتها الملايين من أهل سوريا.
هذا الارتباك في التعامل مع سوريا لا يختلف كثيراً عن ارتباك الغرب وإسقاطه اللوم على وصول المتطوعين إلى سوريا وتعرضهم لعملية تغيير جذرية أو راديكالية ومن ثم رجوعهم إلى وطنهم للقيام بعمليات إرهابية. هذا التفسير لا يخلو من السذاجة والحقيقة هي أن جميع المتطوعين للقيام بعمليات عسكرية في سوريا تم تعريضهم لعملية راديكالية في الغرب نفسه وحتى في مراحل الدراسة الابتدائية بعيداً عن أنظار الأجهزة التعليمية.
الكاريكاتير ورد الفعل
أحد ميزات الكاريكاتير هز وصدمة من يطلع عليه. هذه الهزة قد تولد رد فعل يشعر خلاله الإنسان بالضحك والمزاح وأحياناً بالغضب. الشعور بالمزاح وتوليد فكرة معينة عن الإنسان بعد مشاهدته الكاريكاتير عملية دفاع نفسية ناضجة وهي الفكاهة Humour التي لا تقل درجة عن وسائل الدفاع النفسية الناضجة مثل التضحية والإيثار. ولكن هناك من يشعر بالإساءة إليه شخصيا من جراء مشاهدة الكاريكاتير. الشعورة بالإساءة Offended هي حالة عقلية أو ذهنية في داخل الإنسان نفسه. يتعامل المجتمع مع جرح شعور الإنسان من جراء مقالة أو حديث أو برنامج تليفزيوني استنادا إلى لوائح قانونية متفق عليها. إن تم تصنيف الحديث كبذيء أو فاسد Abusive يؤدي إلى جرح الإنسان المقابل فسيتم الحساب عليه ولكن إن كان دون ذلك ويؤدي إلى جرح شعور المطلع عليه فهو حميد ولا عتاب على من أصدره.
مشكلة الكاريكاتير الكبرى أو قوته هو أن الرد عليه ليس باليسير. الرد على الكاريكاتير بكاريكاتير معاكس عملية فاشلة ولا يلجأ إليها أحد عكس الرد على مقالات وأحاديث صحفية وإعلامية. رغم ذلك فإن عملية الرد لا يمكن أن تكون عنيفة وموجهة عبر فوهة بندقية وأفضل من ذلك بكثير هو عدم المبالاة بها وهذه أيضا عملية دفاعية نفسية ناضجة نتائجها إيجابية دوماً.
ردود فعل الجماهير والرهاب من الإسلام
عند الحديث عن ردود فعل الجماهير على أحداث مجزرة باريس لا مفر من اللجوء إلى مقارنة تاريخ وحضارة الشعوب والاعتراف بأن رد الأغلبية من الناس هو التضامن مع الضحايا ونبذ المعتدين. لم يكن هناك ردود فعل ضد المساجد الإسلامية وغالبية الشعوب الأوربية تفتقد إلى النزعة العنصرية والطائفية الدينية. هذه هي الحقيقة التي لا يصدقها الكثير.
تسعى معظم الحكومات وخاصة في بريطانيا إلى عملية دمج مواطنيها من أصول عرقية مختلفة في كافة نشاطات وفعاليات المؤسسات. لا يزال الإنسان الشرقي يسعى إلى الهجرة غربا ولا يوجد دليل على أن المهاجرين المستوطنين في البلاد الغربية بدوءا يشدون الرحيل شرقاً. هذه الحقيقة عن عدم وجود الهجرة المعاكسة تنطبق على جميع الأقليات الدينية والعرقية باستثناء اليهود وخاصة في فرنسا حيث تضاعفت معدلات الهجرة اليهودية من فرنسا إلى بريطانيا وإسرائيل في العامين الماضيين لأسباب تتعلق بالمعاداة للسامية في الوقت الذي ازدادت فيه الهجرة من إسرائيل باتجاه الغرب في الأعوام الثلاثة الماضية مع استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
انتقاد الفكر الديني وتقييده في العالم الغربي حقيقة لا تقتصر على فرنسا فقط. مرت فرنسا بظروف صعبة في القرن التاسع عشر ومع حلول 1905 تم فصل الدين عن الخط السياسي الاجتماعي تماما وتم إلغاء جميع القوانين المتعلقة بنبذ الأديان Blasphemy Laws هذه الحقيقة لا يستوعبها البعض من المسلمين بحكم خلفيته الثقافية والحضارية وليس من الغريب أن تستمع إلى فكاهة أو حديث بصورة منتظمة في الإعلام يسخر من الذات الإلهية والسيد المسيح عليه السلام. نشرت مجلة شارلي إيبدو نفسها كاريكاتير يمكن وصفه بالبذيء عن مريم العذراء عليها السلام وهي تلد مولوداً على هيئة خنزير ولكنه لم يؤدي إلى رد فعل ما وحتى الفاتيكان لم يبالي به. يعزو البعض سرعة انفعال بعض المسلمين إلى عدم شعورهم بالأمان اقتصاديا واجتماعيا في الغرب. هذا الاستنتاج لا يخلو من الصحة ولكنه أيضا مرتبط بفشل عملية الاندماج الاجتماعي التي لم يحالفها النجاح في جميع الأقطار الأوربية.
العداء للإسلام4 في المملكة المتحدة يكثر المبالغة فيه والأحداث المدونة ضد المسلمين ضئيلة ولا تتعدى مجرد سلوك صبياني لبعض المراهقين المعادين للمجتمع بصورة عامة. يقدر عدد المسلمين الآن بمليونين وثلاثة أرباع نسمة مقارنة بربع مليون يهودي. رغم ذلك فإن الأحداث المعادية لليهود لا تختلف عن عدد الأحداث المدونة ضد المسلمين. يلاحظ زيادة في هذه الأحداث عقب جريمة إرهابية كما حدث في جريمة ذبح جندي في لندن عام 2013 (لاحظ المخطط) ولوقت محدود.
المخطط 1 هو عن إحصائيات الحوادث المعادية للسامية (اليهود) باللون الزرق مقابل الحوادث المعادية للإسلام (جرائم الكراهية أو الرهاب من الإسلام) بالخط الأحمر. هذا المخطط يعكس المعدلات الشهرية منذ عام 2008 إلى 2014 صادر من جهاز الشرطة المركزي البريطاني ومدعوم ببحوث من جامعة تي سايد. الملاحظ هو هبوط العدد الحقيقي لهذه الجرائم. ليس هناك ما يدل على أن الجرائم أنتجت خسائر في الأرواح أو الممتلكات.
** يتم تقسيم الحدث إلى 6 أصناف من اعتداء جسدي (1) إلى توزيع أو نشر كتيب معادي للإسلام. الأرقام أعلاه تشمل جميع الأصناف.
مصطلح الرهاب من الإسلام ( إسلاموفوبيا ) ( Islamophobia )
تم استحداث هذا المصطلح الاجتماعي السياسي لوقف أي عداء خفي عبر الصحافة والإعلام ضد المسلمين في الغرب منذ أحداث جرائم الحادي عشر من أيلول عام 2001. وصم الإنسان بهذا المصطلح هو تحقير له ويوجه الاتهام له بالعنصرية ولا يختلف إطاره عن مصطلحات مشابهة مثل الهوموفوبيا ( Homophobia )* والزينوفوبيا ( Xenophobia )**.
المسلمون هم أقلية في كل بلد أوربي ويمارسون جميع طقوسهم بحرية، ولكن الغالبية من السكان تميل إلى تضخيم عدد ونسبة المسلمين في كل بلد أوربي كما هو موضح في الجدول أعلاه المقتبس من إحصائيات موري Mori . هذه الظاهرة للتحيز المعرفي لا تقتصر فقط على المسلمين وإنما تشمل كافة جوانب الحياة ولا يمكن الاستناد عليها بأنها دليل على ظاهرة الرهاب من الإسلام والمعاداة لهم. والجدول التالي يمثل التحيز المعرفي للسكان في تضخيم نسبة المسلمين في أوربا.
البلد | تقدير السكان | الرقم الصحيح |
أسبانيا | 16% | 2% |
فرنسا | 31% | 8% |
بريطانيا | 21% | 5% |
بلجيكا | 29% | 6% |
ألمانيا | 19% | 6% |
إيطاليا | 20% | 4% |
السويد | 17% | 5% |
بولندا | 5% | 0.1% |
هنغاريا | 7% | 0.3% |
هناك حركتان فقط في البلاد الأوربية تنادي علنيا بوضع القيود على هجرة المسلمين إليها وهي في هولندا وألمانيا. ولد حزب الحرية الهولندي لكيرت وايلدرز عقب رد فعل الطبقة الإسلامية لفيلم معادي للإسلام لثيوفان كوخ في عام 2004 وحركة بيكيدا Pegida (النداء ضد إسلامية ألمانيا) والتي تتظاهر في مدينة درسدن شرق ألمانيا كل يوم اثنين في الآونة الأخيرة. رغم أن الحركة الأخيرة قد تستقطب 20 ألف متظاهر ولكن التظاهرات المعادية لها تستقطب ضعف هذا العدد. لا يوجد أي دليل على أن شعبية الحركة الهولندية أو الألمانية الضئيلة تشكل خطراً على حقوق الأقليات الإسلامية أو أن هذه الحركات سيكون لها شأن يذكر في السياسة الأوربية.
ولدت الحركة الألمانية في مدينة درسدن التي تتميز بكثرة عدد العاطلين عن العمل فيها مقارنة ببقية مدن ألمانيا واحتوائها على أقل نسبة من المسلمين مقارنة ببقية المناطق. إسقاط اللوم على الأقليات في ظل ظروف اقتصادية صعبة ليس بالأمر الغير المعروف في كافة المجتمعات ويمارسه اليمين الأوربي باستمرار في لوم المهاجرين من أوربا الشرقية إلى الغرب. الحقيقة أن اليمين الأوربي يتميز بعداء مكشوف وصريح ضد المهاجرين من أوربا الشرقية دون الطبقة الإسلامية.
لا يزال الخط السياسي الأكثر شعبية في ألمانيا معادياً لأي انتقاد للمواطنين المسلمين وهذا ما قاله رئيس جمهورية ألمانيا كريستيان وولف عام 2010 بأن الإسلام جزء من ألمانيا ورددته السيدة إنجيلا ميركل مؤخرا.
ردود فعل العالم الإسلامي
لا توجد إحصائيات يمكن الاستناد عليها لدراسة ردود فعل الأقلية الإسلامية في الغرب والعالم الإسلامي. المواقع الاجتماعية الإلكترونية تميل إلى التركيز على ردود الفعل العاطفية وغير الواقعية وكذلك الحال مع الصحافة الغربية.
على سبيل المثال نشرت صحيفة التايمس الواسعة الانتشار صورة لنساء فيليبينيات محجبات (الصورة أعلاه) في تظاهرة لا يبدو أنها كبيرة يحملن لافتات تؤيد مجزرة باريس. نشرت صحيفة التايمس كذلك في نهاية الأسبوع مقالاً ينسب إلى معلمة تعمل في ضواحي باريس الفقيرة تشير إلى تعاطف الأطفال مع المجزرة بحكم تعاطف ذوي أمرهم.
ولكن هناك مقالان نشرتهما صحيفة تركية2 والآخر موقع الشبكة العربية للصحة النفسية والاجتماعية يستحقان بعض التوضيح. المقال الأول يعكس وجهة نظر عمدة إسطنبول الذي استنتج بأن هذا الهجوم تم تدبيره من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالتعاون مع الموساد. إسقاط اللوم على أمريكا وإسرائيل ليس بغير المألوف في العالم الإسلامي وهو ما يسميه الكثير نظرية المؤامرة.
أما المقال الثاني1 فلم يفلح في إخفاء تعاطفه مع مرتكبي الجريمة. الغالبية العظمى من الشعوب الإسلامية محبة للسلام وتستنكر أي عملية إجرامية ولكن لا أحد يستمع لهم والأصح صدر الحكم عليهم بالصمت الأبدي وحرمانهم من حق إبداء الرأي وهذا يقودنا إلى الجزء الأخير من المقال.
صراع الإنسان وحق إبداء الرأي
الشعوب تطلب دوماً من الذي يتسلط عليها سد احتياجاتها الاقتصادية والفكرية وضمان حقوقها الإنسانية. متى ما فشل النظام في تلبية مطالب شعبه تمرد الشعب عليه عاجلاً أو آجلاً. على قمة هرم مطالب الشعوب هي الحرية والحق في إبداء الرأي.
بعد دخول أوربا عصر النهضة رحبت كل الترحيب بالثورة الفرنسية. بعدها جاء طغيان نابليون وتخلصت منه القارة الأوربية بفضل جهود الروسي ألكسندر الأول والبريطاني دوق ويلنكتون وكلاهما لم تكن ميوله ليبرالية بكل معنى الكلمة. اجتمعت الحكومات الأوربية وأصدر مجلس فيينا توصياته الرجعية وعلى رأسها عودة البوربون إلى عرش فرنسا. هيمن مستشار النمسا الأرستقراطي كليمنس فون ميترناخ Klemens Von Metternich على اتجاهات السياسة وقيام إصلاحات رديئة؛
لكن أخطر لحظة في تاريخ الشعوب هي تلك التي تبدأ فيها الحكومات الرديئة بإجراء إصلاحات وهذا ما حدث بالفعل أيامها وعاشت أوربا لمدة 33 عاماً تحت سطوة إصلاحات كتمت الحريات (كما بالصورة) ولكن جميع هذه الأنظمة والتشريعات سقطت الواحدة بعد الأخرى. تخلصت فرنسا من البوربون في 1830 وشرعت بريطانيا الحريات في 1832 وعادت باريس عاصمة للحرية في 1840 وهرب الدكتاتور النمساوي إلى لندن عام 1848 وتوحدت ألمانيا وكذلك إيطاليا5.
يمكن القول بأن ربيع أوربا انتهى بشتاء قارس خير ما يصوره الموسيقار النمساوي فرانز شوبارت في ملحمته الغنائية المكونة من 24 أغنية والمدعوة برحلة الشتاء3. وصل حد كتم الحريات في أوربا أيامها إصدار قانون لا يسمح بالزواج دون إثبات كفاءة الزوج المادية وحصول التكافؤ الاجتماعي ولم يستطيع الموسيقار الراحل الزواج من فتاة تغني في الحانة واسمها تيريزا. ودع الحياة وهو في عنفوان شبابه تاركاً خلفه تراثا فنيا يصور تلك الحقبة الزمنية من تاريخ أوربا (الصورة أدناه).
تاريخ ومطالب الشعوب العربية في هذه المرحلة لا يختلف كثيراً عن تاريخ الشعوب الأوربية. هناك دعوات لإصلاح الفكر الديني ووقف حمامات الدم التي يرتكبها المتطرفون باسم الدين الإسلامي الحنيف والوحيد الذي تجرأ على التصريح بها علنياً هو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطابه في جامعة الأزهر ورحب به الكثير في العالم الغربي والعالم العربي على حد سواء.
هناك العديد من النظريات حول الارتباك والعنف في العالم العربي لا عد لها ولا حصر تسعى لتعليل الأحداث. لكن الارتباك الذي يسود العالم العربي سينتهي يوماً ما لأن إرادة الشعوب أقوى من تسلط فكر ديني أو علماني لا يملك القدرة على سد احتياجاتها ولا يجيد سوى كتم حريتها وإبداء رأيها بصوت يسمعه الجميع.
0 * الهوموفوبيا ( Homophobia ) : رهاب الشذوذ الجنسي المثلي
0 ** الزينوفوبيا ( Xenophobia ) : رهاب الملونين.
المصادر:
1. عادل محمد عايش الأسطل (2015). مناسك شارل إبيدو. نشر بتاريخ 17 يناير على موقع الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية (موقع مجانين).
2. Bedil, Burak (2015). I killed because they were spies. Hurrieyt Daily News. Published 14 January 2015.
3. Bostridge, Ian (2014). Schubert’s Winter Journey: An Anatomy of Obsession. Amazon.com
4. Measuring Anti- Muslim-Attacks (MAM) Report (2014).
5. Zamoyski, Adam (2014). Phantom Terror: The Threat of Revolution and the Repression of Liberty 1789-1848. William Collins. London
واقرأ أيضًا:
نظريات الثورات العربية ومقولة ابن خلدون 2012 / المجدلية والطب النفسي تعليقا على الزنا مشاركة / الاختيار الصعب في الطب النفسي / مأساة الشاب العربي والخيمة الإسلامية