الاحتياجات الجنسية والحتمية النفسية: أيروس (1)
مقدمة:
الجزء الثاني من المقالات الأيروسية يتطرق إلى العلاقات العاطفية الجنسية بين الأطباء والمرضى. هذه العلاقات شائعة نسبياً ولا تنتهي نهاية سعيدة. في هذا الجزء سيتم التركيز على علاقات الأطباء غير النفسانيين بالمرضى وفي جزء لاحق سيتم الحديث عن علاقة الأطباء النفسانيين العاطفية والجنسية في المجال المهني لشيوعها وخطورتها.
العلاقة بين الطبيب والمريض علاقة لا تختلف في إطارها ومحتواها عن علاقة الإنسان بالكائنات البشرية التي تحيط به. تعلمنا من أصول علم النفس والتجارب والخبرات الطبية النفسانية بأن علاقة الإنسان بالأفراد الذي يحيطون به لفترة زمنية معقولة تخضع لقواعد العلاقة بالكائنات Objects Relation التي يتم تأسيسها في الطفولة ابتداءً بعلاقة الطفل بالأم والأب واقاربه وأصحابه ومن يتولى رعايته في مراحل التعليم.
يمكن تبسيط هذا المفهوم بأن لكل إنسان ماكينة علاقات عاطفية غير شعورية تم تصمميها وصنعها في مراحل الطفولة ولا يستطيع الإنسان تغيير هذه الماكينة. لكن هناك جانبا شعوريا يتغاضى عنه الكثيرون ولا ينتبهون إلى وجوده وهو أن قيادة الماكنة الغير شعورية تخضع لسيطرة الإنسان وحده دون مشاركة أحد.
قيادة ماكينة علاقة الكائنات طالما تؤدي إلى حوادث في طريق الحياة كما هو الحال تماما في حوادث المرور. لا يحاسب المجتمع والقضاء ماكينة وسيلة النقل وإنما يوجه إصبع الاتهام نحو من يقودها ويتحمل مسؤولية السيطرة عليها.
هذا هو الحال في علاقة الطبيب الغرامية مع مرضيته. كلاهما يتحكم في ماكينة علاقة الكائنات وكلاهما يقود ويتحكم بماكينته. غير أن المجتمع لا يبالي بالماكينة ولكنه يوجه إصبع الاتهام ليس للمريضة التي لم تتحكم بماكينتها وإنما نحو الطبيب وحده الذي لم يجِد القيادة والسيطرة على الماكينة.
نقاش عام:
هدف المقال الأول والأخير هو لفت انتباه الطبيب والمعالج النفسي وغيرهم من العاملين في القطاع الصحي وكذلك جميع المراجعين للأطباء بصورة منتظمة إلى هذه الظاهرة. يعاني المقال من صعوبة الحصول على إحصائيات دقيقة وإن تم عمل دراسة ميدانية فمن الصعب أن يكون الباحث واثقا بأن الطبيب أو مريضه سينطقون بالصدق.
رغم أن عنوان المقال هو عن الأطباء ولكن ذلك لا يعني أن هذه الظاهرة تقتصر على الذكور فقط ولكن علاقة الطبيب الذكر بمريضة أنثى أكثر شيوعا ومن هذا المنطق تم اختيار العنوان.
العلاقة بين عامل صحي ومستخدم الخدمات كثيرة الملاحظة أيضا في قطاع التمريض والعلاج الطبيعي والعلاج المهني ولكن العواقب المهنية والانتشار الإعلامي الناتج عنها لا يُقارن بعلاقة طبيب بمريضة.
الحقيقة هي أن العلاقة بين الطبيب والمريضة التي تسمع عنها المهنة وتستهجنها هي علاقة جنسية عاطفية ونادراً ما تكون علاقة عاطفية فقط. يحدث أحياناً أن تولد علاقة حب تبدأ بإعجاب وتتطور إلى حب وارتباط وزواج. هذا المسار المقبول اجتماعيا لا يثير مشاكل مهنية ولا يختلف إطاره ومحتواه عن العلاقات الحميمية بين البشر في الحياة العامة.
هناك أيضاً سلوك مرضي يمارسه بعض الأطباء ويحاسب عليه القانون بشدة وهو الاعتداء أو التحرش الجنسي بالمرضى. هذا السلوك إجرامي ولا يقتصر على الأطباء فقط في الحياة العامة ويتولى أمره القانون الجنائي. أما العلاقات الغرامية بين الطبيب ومريضه فلا تخص القانون ولا يحاسب عليها لأن ما نتحدث عنه هو علاقة بين رجل بالغ يتوجب عليه السيطرة على ماكينته النفسية وامرأة بالغة هي أيضا قادرة على التحكم بماكينتها النفسية وهنا يعترض البعض ويسأل ما دخل هذه العلاقة بالمجالس الطبية التي تنظم وتراقب ممارسة وسلوك الأطباء؟ إذا كان القانون لا يعتبر قيام علاقة بين طبيب ومريضة جريمة فلماذا تدينه المهنة وحراسها؟1.
القصة الغرامية:
القصة الغرامية المعروفة كثيرة التكرار. تُعجب المريضة بالطبيب أو الطبيب بالمريضة وأينما كانت البداية فالنهاية هي ولادة مشاعر عاطفية متبادلة بعد فترة بين الطرفين. تصبح الاستشارات متعددة وتقصر الفترة الزمنية بينها، ويتغير محتوى الاستشارة تدريجيا إلى مناقشة الأمور الخاصة للمريضة والطبيب. يتجاوز الطبيب الحدود ويسمح للمريضة بالاتصال به على هاتفه الجوال أثناء وقت العمل وخارجه. يتم اللقاء بين الطرفين بصدفة يخطط لها أحد الطرفين ويبدأ الحديث عن الإعجاب وبعدها الحب. تتحول العلاقة إلى مواعيد سرية في فندق ما بعيداً عن الحي وخارج المدينة.
الهوية الشخصية للطبيب التي تصل بقضيته إلى القضاء الطبي (وليس القانوني) والفضيحة الإعلامية متزوج وأب لعدة أطفال وعمره تجاوز الأربعين. معظم من تصل قضاياهم إلى هذه المرحلة يشهد الناس عليهم بالاتزان والاجتهاد والفضيلة. كذلك الحال مع عشيقته فإنها في غالب الأحيان ربة بيت متزوجة وأم لعدة أطفال ودخلت العقد الرابع من العمر على أقل تقدير.
تستمر القصة الغرامية لفترة عدة شهور وأحياناً عدة أعوام وفجأة تكتشف زوجة الطبيب أو زوج المريضة الخيانة. ينكر الطبيب وجود العلاقة ويسيطر الغضب على عشيقته وتشتكي إلى الجهات المسؤولة. لا يكشف أحد هوية المريضة عكس انتشار فضيحة الطبيب.
هذه القصة كثيرة التكرار رغم وجود نماذج أخرى ربما الكثير منها تبقى سراً لا يكتشفه أحد ولا يبوح به الطبيب أو عشيقته. لا أحد يعلم عدد العلاقات بين الأطباء والمرضى من النساء وربما ما يتم اكتشافه لا يعكس إلا حالات خاصة لبعض الأطباء. هناك بعض الدراسات تشير إلى أن واحد من كل عشرة أطباء مارس الجنس مع مريضة2.
لكل قصة نهاية وغرام الطبيب مع مريضة نهايته غير سعيدة على عكس الروايات السينمائية والمسلسلات التلفزيونية. أنتج التلفزيون البريطاني مسلسل العشيقات Mistresses قبل عدة أعوام ونال إعجاب الجمهور والنقاد. تعرضت إحدى حلقات المسلسل لعلاقة طبيبة بمريضها المصاب بمرض عضال وقامت بينهما علاقة عاطفية وجنسية. تم إحالة الطبيبة إلى التحقيق وتوقيفها فقط لبضعة أشهر وعادت بعدها للعمل وهي تشعر بالبهجة والسرور لما قدمته لمريضها الذي ودع الحياة. مثل هذا السيناريو الغارق بالعواطف الخيالية والتضحيات التي لا حدود لها لم يسمع به أحد إلا إذا كان من المتابعين لهذا المسلسل.
مسلسل العشيقات تكون من 6 حلقات. تم إنتاج 3 أجزاء لعام 2008 و2009 و2010. كان عدد المشاهدات أكثر من 4.5 مليون وتم عرضه في عدة أقطار أوربية.
الحقيقة هي لا نهاية سعيدة لغرام الأطباء مع المرضى.
حراسة المهنة الطبية:
القاعدة العامة هي: العلاقة العاطفية بين طبيب ومريضة علاقة تتميز بعدم توازن في القوة أو السلطة. بعبارة أخرى هي علاقة بين رجل وامرأة غير متساوين ولا يمكن أن تكون كذلك ابداً.
هذه هي القاعدة التي يستند عليها المجتمع في تحريم قيام علاقة عاطفية بين الطبيب والمريضة. عدم التساوي بين الرجل والمرأة في إطار هذه العلاقة مبني على أساس أن المرض (مهما كان) يجعل المريضة عرضة للاستغلال من قبل الطبيب أو بحكم طبيعة العلاقة بينهما3. يعترض الكثير من الأطباء على هذا المنطق ولكن لا يصرحون به علنيا إلا فيما ندر6.
جميع المهن الحرفية في العالم الغربي يتولى مراقبتها مجلس مهمته منح رخصة العمل مقابل اشتراك سنوي وفي هذا المجال تقع عائقة مراقبة وتنظيم وإرشاد السلوك المهني على عاتق المجلس الطبي العام General Medical Council في بريطانيا على سبيل المثال. أما الدفاع عن الأطباء ورعاية مصالحهم فلا تختلف عن دور نقابات العمال في المهن الأخرى ويتولى المهمة الجمعية الطبية البريطانية British Medical Association . أما الدفاع عن الأطباء في حالة ارتكابهم خطأ مهني أو تورطهم في سلوك يتنافى مع أخلاق المهنة فهو مهمة شركات تامين تسمى جمعية الدفاع الطبي Medical Protection Society أو اتحاد الدفاع الطبي Medical Defence Union .
متى ما تورط الطبيب في علاقة غرامية مع مريضة يتم تحويله إلى المجلس الطبي العام للتحقيق في القضية والتي قد تستغرق شهورا وأحيانا أكثر من عام. مهمة هذا المجلس هي حماية المريض من الطبيب وليس الدفاع عنه وعدد أعضائه من غير الأطباء أكثر من الأطباء وهذه ظاهرة لا تراها في بقية المجالس المهنية. لا يتوقف المجلس عند التحقيق في هذه القضايا ولكنه يشجع الأطباء على إبلاغ المجلس عن أي طبيب له علاقة جنسية أو عاطفية بمريضة.
تنتهي عملية التحقيق وتبدأ محاكمة الطبيب علنيا وتتناولها الصحف ووسائل الإعلام الوطنية. هذه المحكمة لا تختلف عن أي جلسة قضائية وقد تطول لمدة أسابيع ويتولى محامي مهمة الدفاع عن الطبيب ومناقشة الأدلة. عملية التحقيق وجمع الأدلة والمحكمة مرهقة للطبيب ومعدل انتحار الطبيب فيها عالية. تشير الإحصائيات إلى وفاة 113 طبيب بين 200-2013 بسبب هذه التحقيقات وما لا يقل عن الربع تم تنصيفها انتحارا من قبل الطبيب الشرعي5. إذا ثُبتت ادانته تم توقيفه عن العمل لفترة زمنية محدودة أو محو اسمه من سجلات المهنة إلى الأبد.
الوقاية أم العلاج:
لا علاج بعد الفضيحة سوى الإدانة وعقوبة مهنية وشخصية واجتماعية لا تنهي الطبيب وحده وإنما عائلته. كان هناك نهاية مؤلمة لطبيب عام في شمال إنكلترا تورط في هذا الغرام وتم توقيفه عن العمل لمدة 12 شهراً وخلال تلك الفترة استعان بابنه الطبيب للعمل في عيادته خلال تلك الفترة. لم يستطيع ابنه تحمل استفسار الناس عن والده وتذكيره بالفضيحة وانتحر. استعاد الأب رخصته وفقد ابنه.
عند دراسة القضايا يمكن تفسير تورط الطبيب في الغرام الهروب من الضغوط المهنية والمادية والعائلية. مع الوقت قد تصبح الممارسة الطبية بحد ذاتها مجرد عملاً روتينيا مملاً يمارسه الطبيب اليوم بعد الآخر خالياً من الإبداع والإنجاز ولذلك ليس هناك أفضل من الخوض في مجال إضافي في المهنة مثل البحوث العلمية والتخصص في مجال ضيق لتجاوز هذه المحنة. كذلك على الطبيب الانتباه إلى ظروفه العائلية وعلاقته مع زوجه وحين يشعر بأن هناك احتياجات شخصية وعاطفية ناقصة عليه البحث عن حل لها في البيت بدلاً من عيادته ومكان عمله.
الطبيب في موقع قوة ويحسده الكثير على مهنته ويتعرض أحياناً إلى الإغراء. الصراحة هي أن المطاردة العاطفية للأطباء من قبل المرضى قلما تنتهي باستسلام الطبيب بل على العكس من ذلك تكون نهايتها طرد المريضة من قائمة مرضاه وتحويلها إلى طبيب آخر. يستلم اتحاد الدفاع الطبي استفساراً واحد كل شهر من طبيب في هذا الأمر.
واحد من كل خمسة أطباء يُصاب بالاكتئاب الجسيم من جراء ضغوط المهنة والعادة علاج نفسه بنفسه وأحياناً تورطه في علاج عاطفي مع مريضة. الاكتئاب أكثر انتشارا في الأطباء النفسانيين وأقل انتشاراً في أطباء الأطفال5 . يستحسن دوماً الحديث مع طبيب نفساني بدلاً من علاج النفس بالنفس.
ولكن هناك أيضاً من الأطباء من يعلم بضعف مقاومته للإغراء من المريضات ويستسلم. عند ذاك فعليه أن يتوقف عن ممارسة الطب2 .
المصادر
1- Barker J (1993). Comment: Professional-Client Sex: Is Criminal Liability an Appropriate Means of Enforcing Professional Responsibility? 40 U.C.L.A. Law Rev. 1275
2- Boseley S (2004). Doctor, no. The Guardian. 14 October.
3- General Medical Council (2013). Maintaining a Professional Boundary between You and Your Patient. GMC. London.
4- General Medical Council (2013). Inappropriate Sexual Behaviour and Your Duty to report Colleagues. GMC. London.
5- Horsfall S (2014). Doctors who commit suicide while under GMC fitness to practice investigation. GMC. London.
6- Hunt L (1996). Sex with the patients remains a taboo, The Independent. 28 June.
واقرأ أيضًا:
العادة السرية على موقع مجانين / نفسجنسي: العادة السرية إناث، استرجاز Masturbation / نفسجنسي: العادة السرية ذكور، استمناء Masturbation