ماذا يجري في بلدان العرب؟
فالناس فيها وكأنهم أرقام قيمتها صفر، أو أنهم ركام أصفار على يسار رقم يستبيحهم، ويمحوهم بممحاةٍ ذات ألوانٍ وألوان!!
فما تتداوله وسائل الإعلام هو أرقام، لا تعني أحدا لا من قريب ولا من بعيد!!
أرقام تتوارد كل يوم وساعة من سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر وغيرها من البلدان.
قتِلَ مئتان في سوريا هذا اليوم، وتسببت الانفجارات في العراق بقتل سبعين أو ثلاثين أو مئة، وفي ليبيا قتل ثمانون، وفي لبنان قتل أكثر من عشرين، وفي مصر بلغ عدد القتلى الثلاثين...... وهكذا دواليك.
والدنيا صماء بكماء عمياء، تعودت على هذه الأرقام، بل إنها أخذت تتصور بأن بلاد العرب صحارى ومدنها خيام، فلا معنى لتدمير حلب عن بكرة أبيه، ولا لبغداد أو الموصل أو بنغازي أو طرابلس، أو أية مدينة عربية أخرى، لأن العرب لا يعرفون ثقافة المدن وفي وعيها أنهم في خيام، فما قيمة الحديث عن المدن، ولتلقي طائرات التدمير الشامل ببراميل حقده، وأحدث قنابلها وصواريخها على هذه المدن فلن يحصل شيء، سوى أن الأخبار ستتداول الأرقام.
نعم إنها نكبة الأرقام العربية!!
فالأنظمة الحاكمة بالوكالة تحسب الشعب أرقام، والمدن خيام، وهي مدمنة على محو الأرقام واقتلاع الخيام، وتهجير من يريد التحرر من قبضة الأرقام.
والناس أصيبت بالتخدير وفقدان الإحساس والشعور بأن الذي يُقتل كل يوم إنسان، وترسخ في وعيها أن الذي يحصل مجرد لعبة أرقام، وأن المدن خيام، اقتلعتها عواصف الصحراء الرملية الهوجاء، فلا شيئ يحصل في بلاد الأرقام أوطاني، إنما هي الديمقراطية والحرية التي تتنكر لها الأرقام!!
الويل للأرقام من الأرقام؟!
فهل وجدتم أرقاما تأكل أرقاما؟!!
العالم يحتقرنا لأننا إرتضينا لأنفسنا مصير الأرقام!!
لا نستحي من أنفسنا ولا نخجل، بل نتفاخر ونتباهى بأننا محقنا عددا من الأرقام، تحت شعارات مضللة ومسميات مدمرة، لكي تمضي الأرقام في محرقة الأرقام الديمقراطية الوضاءة.
لقد اخترنا مصير الأرقام بمشيئتن، وترجمنا عمليات الطرح والقسمة بأسلحةٍ وأدواتٍ ما صنعناه، وإنما أعطِيَت لنا لكي نتماحق بها في متوالية محو الأرقام.
ولهذا تجد العالم ينظرنا بعين التغاضي والإهمال، وإن أراد فإنه يسكب على نيران الأرقام زيتا أو بنزين، لأنه لا يريد أن يتأثر بالدخان، ويسعى لكي تتحول جميع الأرقام إلى رماد والمدن إلى ركام!!
فأي أرقامٍ هذه الأرقام؟!!
دول تهتز من أقصاها إلى أقصاها لو سقط فيها مواطن أو بناية، ونحن يتساقط المئات في ديارنا كل يوم وتنمحق مدن، وننادي بسذاجة هل من مزيد!!
أين الغيرة الإنسانية والحضارية والوطنية؟!!
تأمّلوا كم يقتل العرب من العرب كل يوم!!!
ألا يؤكد ذلك على أننا أرقام بائسة مذعنة لممحاة أسياد الأرقام والحساب؟!!
فتحية لبلاد الأرقام أوطاني!!
وهل سنتحرر من عبودية الأرقام ودورها ومصيره، لكي نستعيد قيمتنا وكرامتنا الإنسانية؟!!
واقرأ أيضاً:
أفكار حصان!!/مفاهيمنا العتيقة!!/ التفاعل والاتفاق!!/ طه حسين الروح التي أثمرت!!/ الانسكاب الحضاري!!/ لا يصح إلا الصحيح!!/ لنحاور أنفسنا قبل أن نتحاور؟!!/ أوعية الشعوب المثقوبة!