المثلية أو الشذوذ الجنسي هل من علاج ؟ ع.س.م1
المرحلة الثانية هي استيعاب التاريخ المرضي:
المقصود باستيعاب التاريخ المرضي للحالة هنا هو الوصول إلى فهم مشترك للأعراض التي عانى منها المريض منذ بداية إحساسه بوجود مشكلة، إضافة إلى معرفة وتحليل تفاعلاته المختلفة مع تلك المشكلة، بحيث يصبح مكانه على متصل الممارسات المثلية المؤسفة (تخيلية أو واقعية أو سيبرية) محددا... كما تجب مناقشة وجهة النظر الشخصية للمريض لماذا يرفض أن يكون مثليا... وعدم الاكتفاء بأن الفعل مذموم اجتماعيا أو محرم دينيا لأن أحد أهم دعائم العلاج هو تصحيح الأفكار المغلوطة عن بيولوجية المثلية الخالصة وعدم قابليتها للعلاج وهي المفاهيم التي يروج الطب النفسي الغربي لها.
وفي كل حالات الآسف للشذوذ سواء المتطورة من حالة الخائف من الشذوذ أو البادئة بحالة الآسف للشذوذ يكون المريض أكثر تصديقا وأقل شكا في كونه مثليا... ولذلك أسباب منها أن الظواهر الحسية Sensory Phenomena التي تصاحب بعض حالات الوسواس القهري تكون في هؤلاء المرضى مفعلة وشديدة ومن النوع الذي ينهزم له المريض بسرعة لقوة تأثيره فيه نظرا لارتباطها عمليا بفكرة أنا شاذ أو أنا مثلي التوجه فحين تتمثل مثل تلك الأحاسيس في الإحساس بقشعريرة في الدبر أو القبل عند التعرض لمثير مثلي أو حتى دون مثير فإنها تترجم مباشرة إلى دليل على الشذوذ، إضافة إلى وجود تاريخ فعلي في أغلب الحالات لممارسة مثلية واقعية Real (كثيرا ما تكون تحرشا أو اعتداء جنسيا في الصغر) أو سيبرجنسية CyperSexual أو متخيلة Imaginary (وليس هذا النوع الأخير قليلا ليس فقط في مجتمعاتنا وإنما ربما في كل العالم فليس كل ذوي التوجه المثلي مجموعة متجانسة بالمرة وهناك مثلا من يشعر بالرغبة فقط ولا يمارس وهناك كثيرون يكتفون بالتخيل).... لهذا السبب فإننا نجد طيفا واسعا من الحالات يمكن تخيله على متصل من الشدة Continuum of Severity ربما يعتمد تموضع الحالات عليه حسب كم ونوعية الخبرات الجنسية المثلية، أو بالأحرى حسب شدة تأثيرها في الحالة المعينة.... ولابد في نهاية هذه المرحلة من الوصول مع المريض إلى صياغة معرفية سلوكية لتطور حالته وتفاعل العوامل المختلفة المؤثرة فيها، بما في ذلك أسباب استمرارها مشكلة بلا حل.
ومن المهم لتحقيق الاستيعاب فهم ما نتج عن تأثير الإنترنت في حياة الشاكي أو الآسف لمثليته وذلك من خلال إتاحة المواد الجنسية والأفلام الإباحية عن المثلية وإتاحة فرص أكبر وأأمن للتعارف والتواصل والاشتراك في مجموعات، بل وحديثا ممارسة الجنس المثلي السيبري على النت Cyper Homosexuality ، وقد أشرنا من قبل إلى أننا وثقنا حالات متعددة كان دخول الإنترنت إلى حياتهم سببا واضحا أوقعهم في فخ الشك والخوف من المثلية ثم في فخ التجريب بشكل وبآخر للاستثارة المثلية وصولا إلى حالة الأسف والحزن بسبب اكتشاف أنها ممكنة وهو ما يعني للشخص أنه مثلي التوجه، ورغم أننا وضعنا الممارسات المثلية السيبرية في الشكل أعلاه، وكأنها تقع بين الممارسة الواقعية والتخيلية إلا أنها -لأسباب نظنها ما تزال تحتاج بحثا- بدت في كثير من المرات أقوى أثرا وأصعب مناجزة في أثناء العملية العلاجية.
ومن المهم كذلك في هذه المرحلة النجاح في تحديد المراضة النفسية Psychiatric Morbidity لكل حالة “الأعراض أو الاضطرابات النفسية“ المتواكبة مع الأسف للشذوذ.... فإذا تأملنا الشكل المقابل فإننا نجد ثلاثة أنواع من الأعراض أو الاضطرابات هو الاكتئاب والذهان والوسواس أو الحصار المعرفي كما يسميه د. سداد، فمن المرضى من ستكون أفكاره وسواسية وقد يحتاج علاجا عقاريا فضلا عن العلاج المعرفي السلوكي ومنهم من سيحتاج علاجا عقاريا للاكتئاب لأن اكتئابه شديد، ومنهم من يحتاج علاجا لأفكاره الذهانية أي بمضادات الذهان، وبالتالي فإن وجود المراضة النفسية وشدتها هو ما يحدد نوعية وربما مدة أو كمية العلاج.
وأخيرا يفيد الاستيعاب الكامل للتاريخ الشخصي والأسري أيضًا في معرفة التشوهات المعرفية المختلفة التي تحتاج إلى العمل عليها من خلال إعادة الهيكلة المعرفية Cognitive Restructuring فضلا عن تصحيح المفاهيم المتعلقة بانحرافات أسرية معينة ترتبط بالمثلية مثلا غياب دور الأب أو التماهي مع الأم المظلومة أو التربية كفرد من الجنس الآخر (تربية الولد كبنت أو العكس)، أو تلك الشائعة عن البيولوجية الخالصة للشذوذ الجنسي أو للتوجه الجنسي المثلي وكذلك المفاهيم المغلوطة المتعلقة بعبثية أو ضرر محاولات العلاج وهو مع الأسف ما تحاول هيئات ومنظمات رسمية أمريكية وأوروبية الترويج له، إضافة إلى وضع خريطة لما ينبغي الاهتمام به من عيوب كنقص تقدير الذات أو ضعف تأكيد الذات أو القلق الاجتماعي، ورهاب الجنس الآخر أو فرط القلق والاحتراز والتحاشي في التعامل مع أفراد الجنس الآخر هي مشكلة شائعة في عدد كبير من هؤلاء المرضى.
المرحلة الثالثة هي التجارب السلوكية وإعادة الهيكلة المعرفية:
جوهر الطريقة العلاجية التي نستخدمها هنا هو نفسه جوهر طريقة ع.س.م للوسواس القهري أو هو تحوير مناسب له، حيث يعامل المريض الآسف لكونه مثليا أفكاره أو نزواته أو صوره العقلية أـو حتى مشاعره الجسدية الجنسية مثلية التوجه معاملة مريض الوسواس للحدث العقلي التسلطي (الفكرة أو الصورة أو النزعة أو الأحاسيس الوسواسية)، وذلك بتتفيهها وإهمالها وعدم الاستسلام للرغبة في أداء الفعل القهري مع التعديل المعرفي للقناعات والتعويد التدريجي على تحمل القلق من خلال التعرض ومنع الاستجابة، وفي بعض الحالات نلجأ إلى تحوير مناسب لطريقة العلاج وراء المعرفي التي وصفها أدريان ويلز (Wells, 1999) وسماها حالة اليقظة المنفصلة Detached Mindfulness .... وغير ذلك من الأساليب التي ما زلنا ننشدها ونطورها، مع أعداد متزايدة من المرضى.
وتستخدم التجارب السلوكية Behavioral Experiments في هذه المرحلة لتغيير المفاهيم بطريقة معرفية سلوكية حيث يكون التعرض على المستوى الشعوري لإحداث التعود وعلى المستوى المعرفي لاختبار المفاهيم والقناعات على أرض الواقع وتعديلها بما هو أكثر مناسبة للواقع، ولا تختلف التجارب السلوكية عن تلك المستخدمة في علاج وسواس الشذوذ الجنسي أو وسواس المثلية والتي تشمل التعرّض إلى المواقف والحالاتِ التي تُسبّبُ زيادة الأحداث العقلية التسلطية سواء بأنك شاذ أو ستفقد السيطرة في حضور المثيرات المثلية (مثلا، الاغتِسال في حمامات النوادي الرياضية أي مع الجنس المماثل، النظر إلى مجلات الأزياءِ التي تعرض أجساد الجنس المماثل ودون أداء الأفعال القهرية أي التدرب على تحمل القلق والخوف دون لجوء للهروب)، ولكن تضاف في حالات الآسف أن يكون شاذا تجارب سلوكية أخرى تتعلق بمحتوى وسواسي منفر أو مقلق فيما يتعلق بالمثيرات الغيرية وهذا أكثر حدوثا في الآسف منه في الخائف من الشذوذ، مثل "أنك شاذ لا تصلح وستفشل في الفعل الغيري" أو لن تجد الإثارة المناسبة أو لن تحظى بالقبول في حضور المثيرات الغيرية، ولابد من تدريب المريض وتشجيعه على خوض التجارب السلوكية المصممة لاختبار هذه القناعات، وإضافة لما سبق وبالعكس (يقوم المريض بمحاولات تدريجية للتقارب مع الجنس المغاير بقدر ما تسمح به الأعراف الاجتماعية المستنيرة، فيبدأ بمحاولات الاقتراب والتعامل مع أفراد الجنس المغاير المتاحين في دوائره الاجتماعية المعينة أو محاولة البحث عن دوائر اجتماعية مختلطة والدخول فيها).
وكذلك تستخدم تقنية إعادة الهيكلة المعرفية Cognitive Restructuring من أجل تعديل طريقة التفكير والتصرف، ولابد بالتالي من أن يكون المعالج مستعدا ليس فقط لسماع وإنما للرد على وتفنيد المفاهيم التي تحرم أو تجرم أي نوع من التواصل بين الجنسين في المجال الاجتماعي، والتي كثيرا ما تصدر عن مرضى الأسف للشذوذ في شكل كلمات مثل: "حرام" أو "عيب" وذلك عندما يوجه المعالج العميل لمحاولة إقامة علاقة عادية أو حتى تخيلية أو حتى مجرد النظر في الشارع لأي من أفراد الجنس المغاير وذلك ببيان منافاة ذلك لحياة الناس في المجتمع الإسلامي المبكر، وإظهار كيف حدث هذا الانحراف الاجتماعي كنتيجة متوقعة لما لم نزل نراه من حالة "الحماس الهوسي" أو "الهوس الحماسي" الذي تصاب معظم الرموز الدينية عند مناقشة الأمور الجنسية ويتبعهم في ذلك الآباء والمربون، مشددين على الحظر الصارم للنظر إلى أفراد الجنس المغاير، ناهيك عن إقامة علاقات طبيعية إنسانية معهم، وفي الوقت نفسه عادة يتجاهلون أي إشارة إلى الحدود الصحيحة في التعامل بين الأفراد من نفس الجنس، ويعتبر توضيح هذا الأمر مهما جدا في العملية العلاجية.
ويفترض في هذه المرحلة أَنْ لا تُركّزَ المعالَجة النفسية لمريض وسواس الشذوذ على معنى الأعراضِ، فقد انتهى ذلك في مرحلة الاستيعاب، فضلا عن أن المريض/المريضة بالفعل يمضي كميةً مفرطةً مِنْ الوقتِ يَتأمّلُ ذلك، إلا أن بعض الحالات يحتاجون إلى شيء من التوضيح أو التعليم حول ما هو طبيعي وما هو غير ذلك في التعاملات بين الجنسين، فمثلا هناك من يرون أن عدم حدوث إثارة تلقائية في موقف غيري معناه الفشل، وبعض الذكور يرى مثلا أن حدوث الإثارة فقط باستخدام الاحتكاك رغم وجود مثير أنثوي كصورة أو تواجد مع فتاة معناه الفشل!
وأما المهمة الأهم في هذه المرحلة فهي تفعيل برنامج علاج معرفي سلوكي قياسي لإغاثةِ المريض بأسرع ما يمكن والتخفيف من معاناته، وغالبا ما يكون العمل المهم في هذه المرحلة هو العمل على الأفكار التلقائية السلبية التي تهاجم المريض/المريضة في مصاحبة انفعاله بالحدث العقلي التسلطي (الوسواس) إضافة إلى العمل على إقناع المريض المريضة بإهمال الاحتياطات أو سلوكيات التأمين التي يتخذها غالبا في المواقف الاجتماعية مع الجنس المماثل وكذلك الإحجام عن أداء الأفعال القهرية، أو التحاشي (الظاهر أو المستتر في بعض الأحيان) فيما يتعلق بتواجده مع أفراد الجنس المغاير، وتدور الأفكار التلقائية السلبية هنا بشكل عام حول الخوف من الشذوذ أو الجنس المثلي أو الخوف من الفشل في العلاقة الغيرية أو الرفض من الجنس المغاير.
وتنَفَّذُ خطة العلاج السلوكي بالتعريض ومنع الاستجابة القهرية في مراحلِ، وتستند على قائمة يضعها ويصنعها المريض والمعالج معا ترتب فيها الحالات والمواقف التي تزيد فيها وساوس الشذوذ الجنسي من ناحية كَمّ مضايقتها وإزعاجها للمريض/المريضة ترتيبا تصاعديا. وعادة ما تُقدّر شدة المواقف على متصل مِنْ 0 إلى 100. وباستخدام هذه الطريقةِ، يتَعلُم المريض تَعْرِيض نفسه إلى المستويات المتزايدةِ بشكل تدريجي مِنْ المواقف المقلقة المثيرة للأحداث العقلية التسلطية المتعلقة بالشذوذ الجنسي المثلي أو الفشل الجنسي الغيري. ويتعلّمُ تَحَمُّل الانزعاج الناتج عن ذلك بدون اللُجُوء إلى سؤال نفسه، أو التَدقيق فيها، أَو تَجنيبها القلق بالتحاشي، أي أنه يسَمح للقلق والانزعاج الناتج عن الحدث العقلي التسلطي بالانحِسار وحده، بينما يتعزّزُ تَحَمّله له ببطء، وهذا ما يجعل الأحداث العقلية التسلطية تختفي أو لا تعود مزعجة على الأقل ولا يبنى عليها سلوك غير التجاهل....
ومن المهم بمكان في علاج حالات الآسف للشذوذ -وكذلك الحالات الشديدة من الخائف من الشذوذ- أن يفهم المريض ما يمكن أن يكون متوقعا أثناء المهمات العلاجية السلوكية من ظهور مؤقت لسطوة أكبر للأحاسيس والمشاعر الجنسية المثلية، مقابل همود أو تثبيط مؤقت للأحاسيس والمشاعر الجنسية الغيرية... مثلا حين يطلب الاستمناء أو الاسترجاز مع الاستعانة بمثير غيري كثيرا ما يشتكي المريض من ضعف أو غياب أو عدم وجود الإثارة، بينما يستطيع بهاجس مثلي واحد أن ينجز المهمة!، مهم جدا إهمال ذلك وعدم إعطائه أي معنى أكثر من: هذا بسبب وجود خبرات سابقة فقط (أو أقوى) في هذا الاتجاه، أو لأن بإمكان الوسواس أن يُلبس علي أحاسيسي! بما فيها مواضع إثارتي مستغلا تحول بؤرة انتباهي وتركيزي إلى مشاعري الداخلية خاصة الجنسية بينما أنا في غاية الخوف والقلق أو الرفض والغضب،... ومما يقال للمريض إن استطعت إهمال ذلك المثير واستكمال التجربة بتوجه غيري أكمل... أو فتوقف قليلا ثم ابدأ مرة أخرى مسترجعا المثير الغيري ومتبعا له حتى ولو وجدته في البداية خافتا.
ومن التمارينِ المثاليةِ في العلاج السلوكي بالتعريض ومنع الاستجابة القهرية:
- التوقف عن التدقيق أو عن التمادي في التدقيق والتحليل لردود أفعالكَ تجاه الأشخاص الجذّابينِ أو غير الجذابين مِنْ نفس الجنس، حيث تجد المريض يكثر من مراقبة ردود أفعاله تجاه الأشخاص من نفس جنسه وكيف تغيرت مثلا يقول المريض: لي زميل يعمل في بلدٍ آخر ولا يرجع بيته إلا كل أسبوع في الإجازة الأسبوعية... هذه الأيام أصبحت أشعر كل خميس أنني أود الاتصال به ومقابلته لنخرج معا رغم أنني فيما مضى كنت لا أكاد أتذكره ولم أكن أخرج إلا كل شهرين أو ثلاثة، أليس ذلك دليلا على تغيرٍ يحدث فيّ؟ ...
- التوقف عن التدقيق أو عن التمادي في التدقيق والتحليل لردود أفعالكَ تجاه الأشخاص الجذّابينِ أو غير الجذابين مِنْ الجنس الآخر... وغالبا ما نجد المريض يتذكر مواقفه مع الأشخاص من الجنس المغاير فيمعن ويدقق في ما يدل على عدم تفاعله وبروده الانفعالي والجنسي أو كليهما معا فيقول لم أشعر بأي نوع من المشاعر! أو ربما هناك شعور عاطفي لكن لا انجذاب جنسي أو لا إثارة جنسية...
- لا تسترسل في تَخيّل نفسك في المواقف الجنسيةِ الشاذة مع أحد أفراد جنسك أو الفاشلة أو المحرجة مع أحد أفراد الجنس الآخر للاستكشاف والتَدقيق والتفتيش في ذاتك كيف تَشْعرُ وتحس بهم.....، والحقيقة أن كثيرين من هؤلاء المرضى يبقون لساعات يتخيلون أنفسهم في مواقف ممارسات جنسية شاذة وكأنما يودون التأكد من صلاحيتهم/عدم صلاحيتهم لمثل هذا الدور أو ذاك، ومنهم من يقارن كيف يبدو وهو يمارس دورا جنسيا شاذا بكيف سيبدو وهو يمارس دورا جنسيا طبيعيا.
- لا تسترسل كذلك في مُرَاجَعَة المواقف السابقة عندما كُنْتَ مَع أعضاء من نفس الجنس أَو من الجنس الآخرِ وكَانتْ المواقف غامضة نوعا لتراجع ما إذا كنت تصرفت بشكل مشكوك فيه، وفي مثل هذا النوع من التفكير الوسواسي الاجتراري يمضي هؤلاء المرضى ساعات طويلة وهم يراجعون كل كلمة وكل إيماءة قاموا بها، كيف بدت وكيف تلقاها الآخرون وبأي شكل يا ترى يفكرون فيها.
- لا تجعل تركيزك وتفاعلك مع الآخرين أثناء المهمات العلاجية موجها فقط لأجل استكشاف رد فعلكَ الجنسي والتَدقيق فيه، وذلك أن ما يحدث للمريض الآسف للشذوذ في المواقف الاجتماعية (خاصة ذات الطابع الجنسي) مع الآخرين شبيه إلى حد كبير بما يحدث لمريض الرهاب الاجتماعي حيث تتحول بؤرة الانتباه والتركيز من وجهتها الخارجية الطبيعية (أي التركيز في التفاعل الاجتماعي نفسه ومحتواه) إلى وجهة داخلية فيتجه معظم الانتباه والتركيز إلى المشاعر الداخلية خاصة الجنسية منها فيدقق المريض في مشاعر جسده مثلا هل يوجد شعور خلفي أم لا؟ هل يوجد انتصاب؟ -في حالة الذكور- أو هل هناك إفرازات مهبلية أو هل هناك سخونة في المهبل أو انتصاب في الحلمتين -في حالة الإناث- وكثيرا ما يستتبع ذلك أن يبني المريض/المريضة صورة عقلية لكيف يبدو/تبدو في مثل هذه المواقف للآخرين من نفس جنسه وبالطبع تأتي تلك الصورة العقلية مشوهة لأنها تستند إلى معلومات داخلية كثيرة البعد عن الواقع الفعلي، وفضلا عن ذلك يفقد الشخص جزءًا كبيرا من قدرته على الاندماج في التفاعل الاجتماعي.
- تجنّب مُراقبة نفسك لترد على سؤال هل أتَصرّف بطريقة ما تظهرُ أني شاذّ جنسياً أو أني غير واثق من نفسي غيريا ....إلخ، وهذه آلية أخرى من الآليات المعيقة التي توقع المريض/المريضة في فخ توجيه بؤرة الانتباه داخليا بكل مساوئ ذلك التي أشرنا إليها.
- من المهم التنبيه إلى فخ التحيز الانتباهي لنوعين من الإشارات متعلقتين برد فعل الآخر أو الآخرين كثيرا ما يوقعان المرضى أثناء مهمات التجارب السلوكية، أحد الفخين يتعلق بما يشير إلى رؤية الآخرين ما يشير إلى أو يثبت شذوذي أو مثليتي بينما يتعلق الآخر بما يشير إلى أو يثبت فشلي الغيري.
- من الحيل المعرفية التي تفيد في كثير من الحالات أن يتم تدريب الآسف للشذوذ على أن يتفاعل مع أفراد الجنس الآخر بكل الأشكال غير الجنسية أي عبر علاقات إنسانية طبيعية، كمرحلة مبدئية بمعنى أن يتعرف على الجوانب الأخرى في شخصية ذلك الجنس ويتعارف معها بما لديه من جوانب أي أن يتفاعل معها، .... ويفيد ذلك من عدة أوجه منها محاولة صرف الانتباه عن الأحاسيس والتفسيرات الجنسية سواء الذاتية أو التي ترى من الشريك والتي تكون من الشدة في المراحل المبكرة بحيث يمكن لها أن تعيق التجارب السلوكية، كما يفيد في التعريف بوجود أشياء لم تكن معروفة بالفعل عن أفراد الجنس الآخر (ولا أدري إن كان هذا خاصا بمجتمعاتنا فقط أم لا حيث عرفت من الذكور الجامعيين من لا يعرف أن للبنت اهتمامات غير الجنس والأمومة، أحدهم قال فاجأني أن اهتمام البنت مثل اهتمامات الذكور!)
المرحلة الرابعة العمل على توكيد الذات والقناعات الراسخة:
تهدف هذه المرحلة إلى المتابعة الداعمة ومنع الاتكاس، فمن المهم العمل على تعديل كل ما من شأنه أن يجعل العميل مهددا بالانزلاق مرة أخرى في براثن الميول المثلية غير المتماشية مع الذات أو براثن حالة "الأسف أن يكون مثليا"... وهو ما يعني العمل على منع الانتكاس.... من خلال الانخراط في علاقة جنسية غيرية مستقرة أو من خلال مجرد الاستعداد لذلك -أحيانا- فقط مع الاكتفاء بالاستمناء الأسبوعي على الأقل على مثيرات غيرية... على أن يكون العميل قد جمع عنده قائمة بما أنجز وما سينجز متابعا مع معالجه.
رغم ذلك فكثيرا ما يكون احتياج المريض إلى تذليل الصعوبات المرتبطة بأداء التجارب السلوكية مبكرا عن المرحلة الرابعة، ولذا غالبا ما يبدأ العمل على النقائص في تأكيد الذات مبكرا ربما منذ المرحلة الثانية جنبا إلى جنب مع استيعاب التاريخ المرضي، وكذلك مبكرا ربما يحتاج بعضٌ من الآسفين للشذوذ خطوات عملية تساعدهم في التخلص من فرط القلق الاجتماعي خاصة تجاه الجنس الآخر، ومن المهم كذلك الانتباه إلى مكان المريض الآسف للشذوذ على متصل الممارسات المثلية نظرا لارتباط ذلك عند الغالبية بتدني تقدير الذات والاكتئاب كلما كان تموضع المريض أقرب إلى الممارسة الفعلية منه إلى الممارسة التخيلية وإن اختلف الأمر نوعا في الفترة الأخيرة ربما بسبب تأثير الدعايات الواسعة التي تهون من أمر اختيار التوجه الجنسي المثلي كأسلوب حياة، فأصبحنا نرى اتباطا أقل بين الممارسة المثلية والاكتئاب، أما ما يستدعي الدراسة ما يزال فهو كون الممارسة المثلية السيبرية في خبرتنا أكثر صعوبة في التخلص منها، وربما إحداثا للاعتياد، وربما أكثر استراقا للانفلات، وبالتالي أكثر إحداثا للاضطرابات في العملية العلاجية...
وبعد النجاح في اجتياز التجارب السلوكية من المهم البحث عن القناعات الراسخة Core Beliefs والافتراضات المعيقة التي يعيش بها الشخص قبل ظهور أعراض المرض فكثيرا ما ترتبط هذه القصص المرضية بحوادث معينة في تاريخ المريض، (فشل في الحفاظ على علاقة رومانسية من جنسين مختلفين، ومثل تلقي تشخيص azospermia ... الخ) وقد تكون بعض العيوب الجسدية (جسم صغير البنية والأعضاء التناسلية الصغيرة... الخ).. وكمثال على ذلك أذكر مثلا صادفته أكثر من مرة بين المرضى الذكور وهو قصر القامة، حيث يرسب ذلك في النفس قناعة بأنه أقل من الذكور الآخرين، وعلى هذه الخلفية المعيقة يصبح افتراضٌ مثل (يجب أن أكون قويا جدا جنسيا وإلا فإن دونيتي ستثبت) افتراضا يعيش به المريض، وعلى هذه الخلفية المعرفية يمكن لأي تهديد مدرك فيما يتعلق بالقدرة الجنسية أن يفجر وسواسا كوسواس أنا شاذ!.... كما يمكن أن يتطور الأمر كما بينا من قبل وعلى خلفية من الاكتئاب إلى قناعة مرضية بالشذوذ، يرفضها الآسف للشذوذ غاضبا ويقول أرفض هذا الشذوذ....
وأخيرا فإن من المهم العمل على تعديل كل ما من شأنه أن يجعل العميل مهددا بالانزلاق مرة أخرى في براثن الميول المثلية غير المتماشية مع الذات أو براثن حالة "الأسف أن يكون مثليا"...، ومن ذلك المراضة النفسية Psychiatric Morbidity الموجودة في معظم إن لم يكن كل هذه الحالات، وأهمها الاكتئاب والقلق... وإن ظهرت معظم الاضطرابات النفسية بما فيها الاضطرابات الذهانية والاعتمادية على العقاقير واضطرابات الشخصية، ويبدو أن الاضطرابات النفسية تظهر بشكل أكثر كثافة كلما ازداد السلوك المثلي، وهناك من الدراسات (Meyer, 2003) ما يبين أن احتمالية وجود أكثر من اضطراب نفسي (5-6 اضطرابات) في نفس الشخص تزيد في غير ذوي التوجه الغيري مقارنة بالغيريين... وهو ما يشير إلى أهمية الانتباه إلى تعدد الأعراض وعلاجها العلاج المناسب.
النتائج الظاهرة بعد العلاج:
رغم دأبنا منذ ما يزيد عن عقد من الزمان على العمل مع المرضى الآسفين للشذوذ وذلك من خلال أماكن عملنا الإكلينكية وعبر موقع مجانين.كوم ورغم نجاحات محاولاتنا المتالية والتي كانت تزيدنا إصرارا على السير عكس التيار، خاصة وأننا لسنا وحدنا ففي الغرب باحثون موضوعيون يفندون بالدراسة ما يبين خطأ الادعاءات الخاصة بأن ذوي التوجه المثلي يتمتعون بصحة عقلية مماثلة (أو حتى أفضل) من ذوي التوجه الغيري وأن التمييز ضد المثليين هو السبب في معاناتهم النفسية ومثل هذه الادعاءات كثرت جدا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ثم بدأت تنحسر، وظهرت منذ التسعينات دلائل لا تقبل الجدل على حقيقة أن معدلات حدوث الاضطرابات النفسية في المثليين أو مزدوجي التوجه الجنسي تساوي ثلاثة أضعاف معدلاتها في ذوي التوجه الغيري، ومرة أخرى فشل المدافعون في إثبات أن ذلك يرجع للتمييز ضدهم (Rosario, 2002)، ورغم ارتفاع الصيحات التي تنادي بحظر العلاج النفسي بهدف تغيير التوجه الجنسي بل واستبداله بالعلاج النفسي الداعم للمثلية Gay Affirmative Psychotherapy ما تزال تتوالى الأبحاث والدراسات (Spitzer, 2003) التي تشير إلى إمكانية تغيير التوجه الجنسي وتظهر النتائج الإيجابية للجهود التي تبذل في هذا الاتجاه(Adler & Levin, 2014).
بل إن ما يستدعي الاستغراب ويجيء عكس المتوقع كنتيجة لحالة التسامح الغربية والعلمية مع المثلية هو أن تنخفض معدلات المثلية بدلا من الارتفاع، وهذا ما بينته معلومات حديثة نوعا (Bagley & Tremblay, 1996) من أن معدلات حالات الشذوذ الجنسي من الذكور انخفضت بشكل كبير خلال السنوات الـ 50 الماضية.... وفي إطار كهذا تبدو محاولات كل من الجمعية الأمريكية والجمعية العالمية للطب النفسي وغيرهما محاولات يائسة لتحسين صورة ما يحاولون إبعاد الصفة المرضية عنه.
رغم كل ما سبق فإن أقصى ما نستطيع قوله بخصوص العلاج، هو أن ما جربناه وعرضناه هنا كله أجزاء برنامج في مرحلة التشكل والابتكار ما يزال،...... ولكن يمكننا بشكل مختزل وسريع أن نقول.... حتى الآن:
- العلاج ناجح في 65٪ من أولئك الذين أكملوا مراحل المعالجة كاملة مع الانخراط في العلاقات الجنسية الغيرية، وبعضهم تزوجوا وأنجبوا والمتابعة تتراوح بين 1-6 سنوات وتظهر استمرار التحسن.
- للأسف 15-20٪ من المرضى لا يكملون العلاج إما للفشل في الإقدام على أو إنجاز مهام التعرض أو الفشل في تحمل تكاليف العلاج النفسي.
المراجع:
- Well D, (2009) Metacognitive therapy for anxiety and depression. The Guilford Press.London.
- Meyer IH. (2003) Prejudice, social stress, and mental health in lesbian, gay, and bisexual populations: conceptual issues and research evidence. Psychol Bull 2003;129 (5):674-97.
- Rosario M, Schrimshaw EW, Hunter J, et al. (2002) Anxiety symptoms, depressive symptoms, and conduct problems among gay, lesbian, and bisexual youths: a longitudinal examination. J Consult Clin Psychol ;70(4):967-75.
- Spitzer, R L. (2003) "Can some gay men and lesbians change their sexual orientation? 200 participants reporting a change from homosexual to heterosexual orientation". Archives of Sexual Behavior 32 (5): 403–417.
- Adler, S. & Levin, E. Some Gays Can Change, Study Says. ABC News, May 9-2014 (http://abcnews.go.com/Health/Sex/story?id=117465&page=2)
- Bagley, C. & Tremblay, P. (1996) On the prevalence of homosexuality and bisexuality in a random community survey of 750 men aged 18 to 27, The Journal of Homosexuality, Vol. 36, No. 2, 1996, p. 1-18
واقرأ أيضاً:
المثلية أو الشذوذ الجنسي هل من علاج؟ نعم! / قصص نجاح في علاج المثلية / الخروج من سجن المثلية / تحول التوجه الجنسي Transformation of Sexual Orientation
التعليق: هل تعلمت كل هذا من أجل أن تعالج الأصحاء؟