انقر لترى صورة أكبر
المؤتمر الأول لقسم الطب النفسي: جامعة الزقازيق
الطب النفسي لغير المتخصصين
أخيرا تحقق حلم قديم راود العاملين بمجال الصحة النفسية في الزقازيق وما حولها من أطباء وأخصائيين بأنعقاد المؤتمر الأول لقسم الطب النفسي بكلية الطب- جامعة الزقازيق، وذلك يوم الخميس 26/2/2015. القسم الذي بلغ أشده تأسس منتصف سبعينات القرن الماضي، ويضم حاليا أجيالا عدة، ويحفر لنفسه مكانا، ومسارا، وطابعا مميزا في مجال التخصص حيث يركز منذ نشأته على علاقة العلم بالمجتمع ومشكلاته، والإنسان وقضايا معاناته، وجودة حياته!!
تأخر تحقيق هذا الحلم رهبة من التقصير في تحقيق مستوى يليق بتاريخ عريق، ورغبة في تجويد الأداء بما يتواكب مع أحدث الأبحاث في التخصص، مع الانفتاح على جميع العاملين في مجال الصحة النفسية من خريجي كليات الآداب، والتربية، والتمريض، وشاء الله أن يفوق نجاح هذا اليوم كل التوقعات والرغبات، ويكشف أن الخوف في حياة المصريين هو مجرد وهم قديم مستقر، وروح المبادرة، وجسارة الشباب مع خبرة الكبار في عمل فريق متناسق كفيلة بتجاوزه إلى مستقبل يستحقه كل مجتهد.
كلمات الترحيب الافتتاحية ركزت جميعا على الانبهار بالحشد الكبير الذي ملأ القاعة الرئيسية بمبنى المؤتمرات الملحق بأقسام الجراحة الواقعة في صدر مستشفيات الجامعة، تناولت التحديات التي تواجه المجتمع، وينبغي أن يقول فيها الطب النفسي كلمته، ويضع بصمته، كما أوضحت أن الخطة البحثية الكلية تتضمن اقتحام أولويات محددة فيها قضية سوء استخدام العقاقير، وانتشار إدمان المخدرات بأنواعها، الأمر الذي بادر القسم بالتصدي لكشفه في رسائل مجاستير ودكتوراه انتهى بعضها، ونوقش بالفعل، كما نشرت عدة أبحاث تتناول الظاهره في جوانبها المتعددة.
مفأجاة الكلمات الافتتاحية اقتنصها الأستاذ الدكتور منير حسين فوزي مؤسس القسم في ترحيبه بانعقاد المؤتمر في شهر فبراير، ومعلقا على مواليد هذا الشهر بوصف المؤتمر أحدهم، ومعلنا عن الاحتفال بمولود آخر في شهر فبراير هو الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة نجم المؤتمر، وضيفه، وأستاذ الأستاذة لتكون هذه المصادفة القدرية احتفاءا واحتفالا بهذا الأستاذ الجليل الذي ساهم بجهد موفور في دعم القسم خطوة خطوة، وأبى إلا أن يشارك في المؤتمر الأول له بمحاضرة افتتاحية جامعة احتشد لها الحضور حتى كان الواقفون يقترب عددهم من الجالسين أثناء محاضرته في مشهد مبهر يعكس حب الناس، وإقبالهم على الاستماع لاسم كبير في عالم الطب النفسي ليس على المستوى المحلي فحسب، ولكن على المستوى الإقليمي، والدولي!!!
الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة الرئيس الأسبق للجمعية العالمية للطب النفسي أشاد بهذا الحضور الحاشد، وأمتع الأسماع بمحاضرة جامعة طافت في أرجاء الطب عموما بملاحظات ثاقبة عن فرط تحويل أحداث الحياة وأوضاعها ومعطياتها وتغيير أحوال الناس بشكل طبيعي في أمزجتهم وعلاقاتهم إلى أعراض مرضية تستدعي علاجات دوائية في كشف عميق عن بعض ما يقال في الطب اليوم عن التلاعب بالعلم لمصلحة الشركات الدوائية عابرة القارات، وعلى حساب مصلحة البشر، وصحة أجسادهم، وعقولهم!!
محاضرة تليق بأستاذ مخضرم طالما سمعنا منه يتكلم عن تفاصيل العلم، ويبدو مناسبا أن يدخل إلى عامه الأول بعد الثمانين بمحاضرة عن فلسفة العلم وعلاقته بالحياة، والإنسان، وصحته!! الحرارة التي تعامل بها الدكتور عكاشة مع جمهوره المحتشد لا توصف، ولا يليق بها إلا الحفاوة التي قوبل بها حضوره بحيث لم تنقطع عدسات آلات التصوير تلقط، والفلاشات تومض، وهو يستجيب لمجيبيه، وتلامذته، وطلاب تلامذته، وهم يطلبون صورة معه لعلها أن تكون ذكرى وحافزا لكل مجتهد أو مجتهدة في مجال الدراسة، والعمل!!
في الجلسة التالية جاء دور قسم الطب النفسي بجامعة الزقازيق ليرد على تحية أستاذ الأساتذة بأبحاث أو عروض لأبحاث جمعت بين الجديد، والرؤية الواسعة لموضوعات هامة، الأستاذ الدكتور مدحت بسيوني قدم عرضا عن الاكتئاب وعلاقته بالأمراض العضوية على مستوى حدوث المرض، والأعراض المصاحبة، والعلاقة المتبادلة بين العضوي والنفسي، على مستوى العلاجات الدوائية، وغير الدوائية، والتأثير المتبادل لأحدهما على الآخر أي التفاعلات الدوائية، في ربط هام يقع في قلب عنوان المؤتمر ويتناول أكثر الأمراض النفسية شيوعا في ارتباطه بالمعاناة الجسدية، وبخاصة في ثقافتنا المحلية.
أما الأستاذ الدكتور وائل أبو هندي فقدم خبرة فريدة وجديدة تحتاج إلى مزيد تطوير في علاج الشذوذ الجنسي غير المنسجم مع الأنا أو علاج الآسف لكونه شاذا بوصف الكثير من حالاته تقع ضمن نطاق الوسواس القهري، وعرض طريقة مبتكرة للتعامل مع هذه الحالات، وتصنيفها، والتعامل معها على طريق التعافي.
الجلسة التالية كانت من نصيب الضيوف حيث استعرض الأستاذ الدكتور طارق أسعد أستاذ الطب النفسي بطب عين شمس آخر ما تم نشره من أبحاث تتناول العلاقة بين الطب النفسي، وبقية التخصصات، مرورا بأفكار كثيرة تبدو غريبة، وآفاق متنوعة يرتادها البحث العلمي حول العالم بلا حدود، كما تعرض لأحدث ما أنتجته الأبحاث في علاج المرض الملغز (الاضطراب الوجداني ثنائي القطب واختصارا الثناقطبي)!!
أما الأستاذ الدكتور طارق ملوخية من طب الإسكندرية فكان تركيز بحثه حول آخر التطورات في علاج الاضطراب النفسي الأعمق (الفصام)، وما توصلت إليه الأبحاث الحديثة عن تطوير العقاقير التي تتعامل مع التدهور المعرفي المصاحب للفصام، وكذلك الأعراض السالبة، والانسحابية له!!
بين الجلسات استمتع الحضور بعزف إيقاعي، وعلى العود من فريق حضر خصيصا ليكون في استقبال الضيوف، وفي لفتة جديدة ومتميزة، كما تجلى الكرم الشرقاوي في تقديم أنواع من الترحيب بالحلويات، والمشروبات، والعصائر، مع تيسير الحصول على شهادة حضور المؤتمر، وحقيبة تذكار منه!!
جاء دور الأستاذ الدكتور منير فوزي ليستعرض حول العالم تاريخ العلاقة بين العضوي والنفسي في عرض شيق امتد مداه الزمني لعدة قرون بحيث غطى التقديم أشكال الممارسات العلاجية قديما وصولا إلى ثورة العقاقير المعالجة للاضطرابات النفسية في القرن العشرين، وحتى الآن!! وهو العرض الذي يحتاج لجلسة مستقلة ليستكمل صاحبه التحليق فوق مشهد الصحة النفسية في مصر منذ الفراعنة، وحتى الآن مع الإشارة إلى ملامح الحاضر والمستقبل!!
أما مسك الختام فكان من نصيب الدكتور محمد طه من طب نفسي جامعة المنيا حيث قدم عرضا شيقا عن موضوع جذاب احتفظ بجمهور الحاضرين رغم التعب الشديد طوال يوم حافل. "الأحلام، وتعامل الطب النفسي معها" عرض الدكتور طه الذي امتد قرابة الساعة ليتناول وظيفة الأحلام، ومستويات الحلم، ومقترحات لدور الطبيب النفسي من أحلام من يطلب تعليقا عليها، أو تفسيرا لها، أو تعاملا معها.
وقبيل آذان المغرب ختم الأستاذ الدكتور أسعد عبد الرحمن شلندة اليوم بتحية الحاضرين مستبشرا بتحضير أقوى لمؤتمر قادم يحافظ على نفس مستوى الأداء من حيث الشكل المبهر، والمحتوى الرصين، وربما يمتد لأكثر من يوم واحد، وتفرق الجمع على وعد اللقاء في رحاب الجامعة التي استضافت هذا الحشد الجامع بين الأطباء النفسانيين وغيرهم من الأطباء، ومن العاملين في مجال الصحة النفسية، والطلاب في الكليات ذات الأقسام المتعلقة بها في الزقازيق، والدلتا، ومن القاهرة والإسكندرية.
الجدير بالذكر أن هذا المؤتمر قد حصل بالتعاون مع الجمعية المصرية للطب النفسي، والتي مثلها بالحضور الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة رئيسا، والأستاذ الدكتور مصطفى شاهين من طب نفسي جامعة القاهرة الأمين العام للجمعية.
واقرأ أيضًا:
المؤتمر الثاني لقسم الطب النفسي جامعة الزقازيق / مؤتمر حوار الحضارات / شكرا سوريا مؤتمر مختلف4