في هافانا العام هو 1952 وهناك حسناء متزوجة من أخصائي في الأمراض القلبية عمره ضعف عمرها. كان ولا يزال هو الحال مع الطبقات الأرستقراطية حيث لا تخرج وتختلط جيناتهم مع الطبقات العاملة كما هو الأمر مع الكثير من الطوائف الدينية والعرقية على الكرة الأرضية.
كانت جميلة وتثقفت في شمال شرق الولايات المتحدة ولم تعرف سوى الترف والثراء في بيت أهلها وزوجها. ولكنها يوماً ما خرجت في تظاهرة والتقت بشاب من شباب الثورة. حدث اللقاء بعد الآخر أثناء التظاهرات وقالت له: لا عمل لي بعد الخامسة والزوج مشغول بعمله. لكن الثائر كان هو أيضاً مشغولاً بعد الخامسة مع الرفاق في ثورتهم ضد الدكتاتور.
أما في القاهرة فمكينة الوقت والزمان تشير إلى العام 1972، وجميع شباب الأمة العربية يحرص على التقاط إذاعة القاهرة وصوت العرب في لقاء مع ليلة من ليالي الحب وليلة من ليالي القاهرة وليلة من ليالي أم كلثوم. تقدم بها العمر الذي لا يرحم ولكن حنجرتها كانت صامدة تجعل من أنغام سيد مكاوي أعجوبة فنية ومن كلمات أحمد رامي قصيدة في زمن ودع عهد قصائد أم كلثوم. أنشدت على المسرح آخر أغنية لها في حفلة وهي تقول:
ما خطرتش على بالك يوم تسأل عني...
وعينيه مجافيها النوم يا مسهرني....
بدأ حضور من يحضر حفلات الخميس من أول كل شهر يتميز بكثرة الجيل الجديد الذي عاصر عمالقة الفن والأدب أيامها.
كلمات ربما كانت ناتي الكوبية ترددها في المساء سارحة مع حبها الأول فيدل كاسترو.
دخل الثائر إلى السجن في هافانا وبدأت تراسله وتكتب له أحر الكلمات وهو يحتفظ بهذه الرسائل ويقدسها. كتب لها وهو في السجن رسالة تصور شغفه بها وهو في وحدته يقول: لو قابلتك فسأضمك في أحضاني وأعصرك كما يعصر الإنسان الورد. اكتشف الحاسدون هذه الرسائل الغرامية وتوقفت ولكن فيدل خرج من السجن في عام 1955 وعاشرها كما يعاشر الزوج زوجته وحملت وأنجبت ابنتها إلينا.
كل هذا الغرام لم يدُم سوى شهرين وهجر فيدل عشيقته يناضل من أجل المستضعفين في كوبا ولم يعود إلا متربعاً على كرسي السلطة بعد أربعة أعوام.
أما أم كلثوم رحمها الله فقد وصلت بنا إلى الفصل الثالث من أنشودتها وهو الفصل الثالث أيضاً من سيرة ناتي وفيدل كاسترو. كانت حركات الفصل الموسيقية بسيطة وخالية من التكليف وتقول فيها أم كلثوم:
يا مسهر النوم في عينيه...
سهرت أفكاري وياك...
الصبر ده مش بإيديه...
والشوق واخدني في بحر هواك...
هجرت ناتي أهلها وتحدت الجميع والكل يسأل: إلى متى الانتظار؟.
أما أم كلثوم فتقول في هذا الفصل الثالث كلمات معدودة هزت مشاعر المستمعين:
أقول روحي وانا ذنبي ايه...
يقول قلبي حلمك عليه...
أما في هافانا فقد وصل الثائر إلى العرش وأعاد رسائل ناتي إليها لتحتفظ بها. عاشت كما يعيش الاشتراكي الشيوعي وهجرت الأهل والزوج والثراء بدون ندم. تنتظر الحلم بأنها ستكون سيدة كوبا الأولى يوماً ما. كان هذا هو الفصل الرابع من قصة ناتي وفيدل.
أما الفصل الرابع من رائعة السيدة أم كلثوم فتصور الأحلام التي يعيش فيها بعض العشاق:
تعال خلي نسيم الليل
على جناح الشوق يسري
الهجر طال والصبر قليل
والعمر أيامه بتجري
طالت الأيام ...
تعال لي قوام ...
أنا عندي كلام
بدي أقوله لك
أنا عندي كلام
وفي قلبي هيام
أوصفهولك
ونعيش أيام
ولا في الأحلام.
انتظرت ناتي هذا الحلم وهي تكتب وتعمل وتنتظر ولم تعاشر رجلا آخر. لم يسعدها سوى الحديث عن رسائل احتفظت بها طوال عمرها حتى ودعت الدنيا قبل بضعة أسابيع.
واقرأ أيضًا:
ذكريات وانفصال وحكاية فتاة مراهقة / صور جبهيه وجانبية نفسية: سيدة من ماينمار / امرأة وفصها الصدغي / ألم وبرد وغفران / معاملات بشرية... قصة رجل وحصان