المودافينيل Modafinil أو المعروف تجاريا بالبروفجيل Provigil واحد من أشهر العقاقير التي يتم شرائها عبر عالم الفضاء والإنترنت من قبل الطلبة في مواسم الاختبارات.
استعمال العقاقير لتحسين التركيز والذاكرة ليس بالحدث الجديد ولكنه أكثر شيوعاً وابتكاراً هذه الأيام. احتساء القهوة والشاي واستعمال النيكوتين عن طريق التدخين من الوسائل الشائعة جداً لتحسين الأداء المعرفي في أوقات الاختبارات ولكن جماهير الطلبة عالمياً تقدمت خطوة ثانية وبدأت تستعمل ما نسميها هذه الأيام المواد الكيمائية الذكية لتحسين الأداء المعرفي Cognitive Enhancer . كان استعمال الأمفيتامين Amphetamine معروفاً بين الطلبة قبل بضعة عقود من الزمن ولكنه لم يكن شائعاً وفقد شعبيته بسبب النوبات الذهانية التي قد تصاحب استعماله على المدى القريب والبعيد.
اضطراب المصطلحات:
يمكن تقسيم تأثير العقاقير التي تصل الجهاز العصبي المركزي إلى 3 أصناف:
1- عقاقير تضعف الأداء المعرفي وتضم غالبية العقاقير المستعملة في الطب النفسي من مضادات الذهان والاكتئاب والصرع.
2- عقاقير محسنة للأداء المعرفي Cognitive Enhancer وهذا ما يشيع له الإعلام ويتصوره الناس ويشمل ذلك جميع العقاقير المستعملة في اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط.
3- عقاقير لتطبيع الأداء المعرفي Cognitive Normalizer ومن أشهرها النيكوتين.
لا يوجد اختلاف في الرأي حول العقاقير المضعفة للأداء المعرفي على مستوى الأطباء والجمهور ولكن الاختلاف في الصنف الثاني والثالث. يميل الجمهور إلى وصف عقار المودافينيل وغيره بأنها عقاقير محسنة للأداء المعرفي ويشاركهم في هذا الرأي الكثير من الأطباء المولعين بوصف هذه العقاقير. ولكن لو تفحصنا قصة النيكوتين لاستنتجنا بأن ما نسميه عقاقير محسنة للأداء المعرفي لا تعدو مجرد عقاقير تساعد على التطبيع المعرفي.
النيكوتين مادة كيميائية مذهلة وخاصة في التجارب المختبرية ويؤدي إلى تحسين الأداء في البداية. ولكن الاستعمال المزمن للنيكوتين يؤدي إلى تدهور الأداء المتحسن تدريجياً ويصل إلى مستوى قابلية الفرد الطبيعية بسبب تأقلم المخ لوجود المادة الكيمائية. والحقيقة أن ليس هناك دليلاً واحدا على أن العقاقير المحسنة والمنشطة للأداء المعرفي تختلف كثيراً عن النيكوتين وعلى المدى البعيد بالتحديد.
قصة العقار:
قصة هذا العقار تلقي الضوء على ولع الأطباء والناس بالبحث عن عقاقير لتحسين الأداء المعرفي في كافة المجالات. دخل العقار إلى الأسواق في نهاية الألفية الماضية لعلاج داء التغفيق Narcolepsy واضطرابات السهاد أو اليقظة Wakefulness Disorders بأنواعها.
ولكن الطب النفسي سرعان ما بدأ يستعمله في اضطرابات متعددة منها الاكتئاب المقاوم للعلاج والاكتئاب الثناقطبي وبالطبع لابد من وصول العقار إلى حيز التجربة لعلاج تبدد الشخصية أو الإنية Depersonalization . وبما أن فعالية العقار لا تختلف تماما عن فعالية العقاقير الأخرى المستعملة في اضطراب ضعف الانتباه وفرط النشاط بدأت التجارب السريرية لاستعماله وكانت النتائج إيجابية. رغم النتائج الإيجابية للبحوث السريرية فإن العقار لم يجد طريقه إلى الحصول على الرخصة الأوربية أو الأمريكية لاستعماله في اضطراب ضعف الانتباه بسبب أعراضه الجانبية وتم إسدال الستار على الحصول على الصلاحية المطلقة لاستعماله بعد تثبيت أعراض جانبية خطيرة تتعلق بتضخم القلب.
كان الطبيب في العالم الغربي سابقاً يمتلك صلاحية كبيرة في وصف العقاقير مستنداً إلى خبرة زملائه في الممارسة السريرية ودون الرجوع إلى بحوث علمية دقيقة. هذه الصلاحية بدأت تتقلص تدريجياً وأصبح الطبيب الاستشاري أكثر انصياعا للإرشادات الطبية الوطنية والأوربية ومن الغباوة تجاوزها. هذا ما حدث مع المودافينيل.
تزدحم المراكز الطبية المختصة بتشخيص اضطراب ضعف الانتباه وفرط النشاط في البالغين بطلبة الجامعة في مواسم الامتحانات للحصول على تشخيص ووصفات طبية. لم يكن استعمال المودافنيل شائعا ولكن وصفه أحياناً ليس بغير المعروف وأعراضه الجانبية ومعايرة الجرعة أفضل بكثير من العقاقير الأخرى ولكن ثمن وصفة طبية لمدة شهر لا يقل عن 300 دولار. ولكن بدلاً من مراقبة طبية لوصف مثل هذه العقاقير فإن طلبة اليوم لا يحتاجون إلى استشارة هذه المراكز ومحاولة الحصول على لصقة طبية لأن الثورة الهندية التجارية تركت بصماتها على عالم الفضاء وأصبح شراء هذه العقاقير تحت أسماء تجارية متعددة مثل Modalert و Modapro في غاية السهولة عبر اتصال إلكتروني مع شبه القارة الهندية. ولكن ما الذي يستلمه الطالب في الطرد البريدي فليس من المبالغة القول بأن ذلك في علم الغيب أحياناً على أقل تقدير.
قصة الطالب الجامعي:
لا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد الطلبة الذين يستعملون العقاقير المنشطة في أوقات التحضير للامتحانات ولكنه لا يقل عن 10% في واحدة من أرقى جامعات العالم قاطبة وهي كمبردج في بريطانيا1 وربما النسبة أكبر من ذلك في غيرها.
لكل طالب قابلية تم تحديدها وراثيا وبيئياً عبر السنين ولا يمكن التلاعب بها على المدى البعيد. الامتحانات تتطلب:
1- فترة مراجعة المواد الدراسية وهذا يتطلب حسن التركيز والذاكرة. ليس هناك أدنى شك بأن عقار المودافينيل يحسن من أداء الإنسان المعرفي كما هو المستنتج من إجراء فحوصات تستهدف هذين البعدين وغيره من الأبعاد المعرفية3.
2- الأداء الأمثل وقت الامتحان. هذا الأداء يتم خلال فترة زمنية محدودة وأهم عامل تركز عليه جميع الامتحانات الجامعية هو اتخاذ القرار بنوع أو بآخر. عملية اتخاذ القرار لا تتحسن مع تناول عقار منشط مهما كان نوعه. الخطورة أيضاً أن عملية اتخاذ القرار Decision Making Process والتي هي قمة الوظائف المعرفية في الفص الجبهي قد تتدهور مع استعمال العقاقير التي تتفاعل مع الناقلات الكيمائية العصبية.
المودافينيل يتلاعب بأربعة أنظمة للناقلات العصبية الكيمائية وهي:
1- الدوبامين Dopamine وهذا يساعد على ارتفاع مستوى اليقظة والاندفاع.
2- النورادرينالين Noradrenaline وهذا يرفع من مستوى التركيز.
3- الهستامين Histamine وهذا يمنعك من النوم.
4- وأخيراً الكلوتاميت Glutamate وهذا ما يسعى إليه جميع الطلبة وهو تحسين الذاكرة التشغيلية Working memory . العقار يساعد على تحسين هذه الوظيفة بمقدار 10% فقط.
جميع هذه العمليات تساعد في وقت التحضير ولكن لن تشفع الطالب في تلك الفترة الزمنية المحدودة التي تتطلب الأداء الأمثل في عملية اتخاذ القرار. يمكننا كذلك صياغة تأثير أي عقار منشط للتركيز كما يلي: التركيز يتطلب التركيز نفسه والسيطرة عليه كذلك. العقار المنشط ينشط التركيز ولكنه لا يحسن من عملية السيطرة عليه وبالتالي قد تكون النتائج عكسية تماماً وقت الاختبار الفعلي نفسه.
المجتمع والطلبة والاختبارات:
المجتمع العالمي إلى حد ما يسير نحو وقت عمل يقارب 24 ساعة يوميا ولمدة سبعة أيام أسبوعياً. يغادر الإنسان العامل مركز عمله حاملاً معه حقيبة مكتظة بأوراق يتم مراجعتها في البيت ويبدأ بمتابعة عمله أمام شاشة الكمبيوتر.
في بداية الأمر هناك بعد أخلاقي لاستعمال العقاقير المنشطة ويشبها البعض استعمالها تماماً باستعمال المحترفين والهواة من الرياضيين العقاقير المنشطة. الحقيقة أن الدليل على تفوق الطالب المستعمل للعقار على الطالب الذي لا يستعمله غير موجود ومن الصعب إثباته مع إجراء دراسات ميدانية واقعية. وصل الأمر بجامعة ليدز البريطانية، وهي واحدة من الجامعات الـ 24 المتميزة في الجزر البريطانية، إلى التخطيط لعمل فحوص مختبرية على الطلبة قبل الامتحانات تستهدف اكتشاف المنشطات.
عملية جبر الطلبة على التفوق والمنافسة لا حدود لها في العالم الغربي حيث أن أبواب التنافس مفتوحة للجميع. لا تتوقف عملية الامتحانات عند التخرج وإنما تستمر أحياناً مع التقديم لوظيفة جديدة وأصبح قطاع إجراء الامتحانات عبر عالم الفضاء في غاية التقنية والإبداع.
هذه الضغوط الاجتماعية ربما تفسر الإقبال الجماهيري الطلابي على المواد الكيميائية لتحسين قوة الدماغ Brain Power ولكن من الأفضل تنظيم الوقت مع الحرص على الفعاليات الرياضية المنتظمة والمراجعة مع استعمال القهوة بدلاً من استعمال المودافينيل.
المصادر:
1- The Macunion (2015): Chemical Intelligence? - Modafinil. 19 May 2015
2- Muller U, Steffenhaggen N, Regenthal R (2004): Effects of Modafinil on working memory processes in humans. Psychophramacol 177: 161-169.
3- Taylor F, Russo J (2000): Efficacy of Modafinil compared to Dexamphetamine for the Treatment of Attention Deficit Hyperactivity Disorder in Adults. J child Adolsc Psychphramcol 10(4) 3111- 320.
واقرأ أيضًا:
استراتيجيات لتحسين التركيز والذاكرة / (11)خطوة للاستعداد للمذاكرة / فن المذاكرة