ربما يتحدث الناس عن الأمراض النفسية، فيأخذون منه جانبًا واحدًا يتجه باتجاه بعض الأمراض المشهورة والمعروفة، كما إنهم قد يتكلمون عن بعض العلاجات وآثارها الجانبية، وقد يكون الكلام كله مستخلصًا من تجارب شخصية أو معلومات خاطئة، وغالبًا ما يغلب عليه صبغة الوصمة التي تصاحب المرض النفسي، وثقافة الهروب حتى من الحديث عن المرض النفسي، مع إن الأمراض النفسية كثيرة وكثيرة جدًا، ونسبة وجودها عالميًا تحاكي أرقامًا قد لا تظهر ببال أحد. وهنا سأتكلم عن بعض الأمراض التي قد تغيب في أحاديث العامة عن الأمراض النفسية، وسأحاول تبسيط المعلومات؛ ليستفيد منها العامة، وأرجو أن تضيف بعض المعلومات لأصحاب التخصص.
راجيًا من المولى عز وجل التوفيق والسداد.
كلامي اليوم سيكون عن ذهان النفاس Puerperal Psychosis:
* ذهان النفاس يحدث مرة في كل 500 ولادة.
* نسبة حدوثه تكون أكبر عند السيدات اللواتي يكون حملهن هو للولادة الأولى، كما إن النسبة تكون أكبر أيضًا لمن لهن تاريخ مرضي نفسي قبل الولادة، ولمن لهن تاريخ عائلي بالأمراض العقلية، وأيضًا قد تحدث بكثرة للسيدات الوالدات غير المتزوجات (حمل غير شرعي).
* ويجب الإشارة إلى أنه لا توجد علاقة مباشرة بين الذهان وعوامل الولادة.
* عادة يظهر ذهان النفاس خلال الأسبوع الأول أو الثاني بعد الولادة، ونادرًا قد يظهر في أول يومين بعد الولادة.
* أمراض النفاس عامة (ومن ضمنها ذهان النفاس) تكثر في الدول النامية.
* بدراسة الهرمونات عند المرأة تبين أنه لا يوجد تغيرات هرمونية تختلف فيها عند ذهان النفاس منها عند المراحل الأولى في النفاس الطبيعي، ولهذا إذا اعتبرنا أن التغيرات الهرمونية لها دور في ذلك فهي فقط تعمل كعوامل محفزة فقط للمرأة المعرضة أصلا للإصابة بالذهان، أما التغيرات الهرمونية فلا تلعب دورًا رئيسًا في ذلك، مع إن هناك بعض الدراسات تشيرإلى أنه وبسبب الآثار الانسحابية لهرمون الأستروجين تصبح مستقبلات الدوبامين (المسؤولة عن الذهان) أكثر حساسية في حالة ذهان النفاس.
* يجب الإشارة هنا إلى أنه يوجد ثلاثة أنواع من ذهان النفاس قد تم ملاحظتها: الذهان العضوي الحاد - الذهان الوجداني - الفصام.
أما بالنسبة للذهان العضوي الحاد فقد كان يحدث سابقًا بكثرة، وقد قل نسبة حدوثه في أيامنا الحالية، وذلك بسبب أن تسمم النفاس قد قل بشكل كبير، وذلك يعود إلى التطور الذي طرأ على صناعة المضادات الحيوية، ولكن الذي كثر في أيامنا الحالية هو الأعراض الوجدانية، فقد أثبتت دراسات معينة أن 80% من ذهان النفاس كان وجدانيًا (أي اضطراب في المزاج) والنسبة العليا من تلك ال80 % كان على شكل أعراض هوسية (أعراض الهوس هي عكس أعراض الاكتئاب) مع العلم أن نسبة كبيرة أيضًا من ذهان النفاس يكون على شكل الأمراض الفصامية (مع الأخذ بعين الاعتبار عدم اشتراط المدة الزمنية المعتبرة في الفصام وهي الستة أشهر).
٠ في تقييم حالة مريضات ذهان النفاس، من الضروري التأكد من أفكار المريضة نحو مولودها. فمثلا المريضات اللواتي يعانين من اكتئاب شديد (ذهان النفاس الوجداني) قد يحملن أفكارًا ذات أوهام مرضية بأن المولود عنده تشوهات خلقية أو أنه غير مكتمل، وتلك الأوهام المرضية الخاطئة قد تؤدي إلى أن الأم المريضة تقوم بقتل طفلها؛ ظنًا منها أنها تقوم بحمايته من معاناة المستقبل.
كما أن مريضة الفصام (ذهان النفاس الفصامي) قد تعاني من أوهام مرضية كاذبة عن المولود، فمثلا قد تجزم -وذلك تحت تأثير الأوهام المرضية- بأن المولود غيرطبيعي أو أنه شيطان، وتلك الأوهام أيضًا قد تؤدي إلى قتل المولود.
كما أن مريضات ذهان النفاس وخاصة الفصامي أو الوجداني الاكتئابي قد يحاولن الانتحار.
* أما بالنسبة لعلاج ذهان النفاس فهو على حسب الأعراض الطبية المصاحبة للحالة:
فمثلا في حالات مريضات الاكتئاب الشديد والهوس فيفضل علاج التخليج الكهربائي (E.C.T) لأن نتائجه سريعة مما يعيد الأم بسرعة إلى مولودها لتعود لرعايته.
أما في حالات الاكتئاب الأقل حدة فنحاول إعطاء الأدوية طاردة الاكتئاب أولا، ثم نقييم حسب النتائج.
وفي حالة المريضات اللواتي يعانين من أعراض شبيهة بالفصام فيجب إعطاء مضادات الذهان، فإن لم تتحسن الأعراض بفترة زمنية قصيرة فيجب الأخذ بعين الاعتبار العلاج بالتخليج الكهربائي (E.C.T) وخاصة إذا كانت بداية المرض حادة.
* معظم حالات ذهان النفاس يتحسنون كلية، إلا إن حالات ذهان النفاس الفصامي قد تصبح مزمنة، ويجب العلم بأن نسبة عالية من اللواتي أصبن بالاكتئاب عند النفاس قد يصبن لاحقا بالاكتئاب بعد انتهاء فترة النفاس.
واقرأ أيضًا:
الاضطرابات النفسية بعد الولادة / الوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة / خلطة اكتئاب وقلق تالية للولادة