"ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" البقرة 12
"وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد" البقرة 205
الفساد هو إساءة استخدام القوة والسلطة لتحقيق المصالح الشخصية والحزبية والفئوية التي تناهض مصالح المجتمع. والإناء ينضح بما فيه، صرخة ذات معاني ودلالات عميقة وبعيدة في مسيرة الأجيال على مر العصور، فما فينا يكون في المحيط الذي نعيش فيه ونتفاعل معه.
فإذا كان الإناء يحوي ما هو فاسد، فأن الواقع الذي هو فيه سيكون حتما فاسدا، وإذا استلطف المجتمع حالة الفساد فأنها تعم وتتسيد، ويكون أمرها متفاقما ومؤثرا في تفاعلات الحياة بصورة عامة. فكل صفة بشرية إذا تأكدت في أعماق الإنسان وتفاعلت مع نفسه وروحه وعقله، فأنها ستعبّر عن نفسها بأساليب تتفق وما فيه من قدرات وطاقات، وتسخره لنهجها ومذهبها وما تريده، وهي في حالة الفوران والصيرورة المحتدمة مع واقعها.
فإذا كانت الخصلة الفاعلة تنتمي إلى الفضيلة، فإنها سترسم معالمها وتضع الأسس الكفيلة بتجسيدها والتفاعل مع عناصرها اللازمة للبناء والتحقق والوضوح، وإذا كانت من صنف الرذيلة فأنها ستتفق مع ذلك أيضا.
وهكذا فإننا نستطيع أن نستنبط حالة الفرد الأخلاقية، ونعرف قيمه ونوازعه ودوافعه وما فيه من التفاعلات السلبية أو الإيجابية، من خلال النظر في واقعه الذي يعيش فيه، لأنه المرآة الصحيحة التي تعكس ما يعتمل في دنياه ويجيش في أعماقه، ويكون في رأسه وخياله وما يتصوره أو يراه.
وعندما نقرأ عن المجتمعات الفاسدة، وما يتأكد فيها من إشكالات وتداخلات ونتائج مرعبة ومروعة، ندرك بأن الإصلاح الحقيقي لواقعها لا يمكنه أن يكون إلا من خلال ثورة حقيقية داخلية، تسعى بطاقاتها القصوى نحو بناء الصيرورة الجديدة ذات المعاني والمعايير الصالحة، التي تساهم في المنفعة العامة وسعادة أبناء المجتمع كافة.
وعندما يحقق فرد واحد قيمة الصلاح، ويتمسك بالعمل الصالح القويم، فإنه سيجذب إليه عددا آخر من الصالحين، وبتكاتف جهودهم وانتشار معاييرهم، يزداد المجتمع قوة وقدرة على السعي الأقوى نحو الفضيلة وأخواتها، ذلك أن الصراع الجوهري فوق التراب يتمثل بمعركة الخير مع الشر، ولا يمكن لأي مجتمع مهما كان نوعه وطبيعته، أن يخلو من أطراف هاتين القوتين المؤثرتين في مسيرة الحياة.
وبعض المجتمعات تستسلم لطرف الشر، وأخرى للخير وغيرها ما بين بين، ومن أخطر حالات المجتمعات البشرية، إذا صار الخير قناعا للشر، ففي هذا يصبح التوازن مختلا، ومعادلة الوجود يميل أحد طرفيها إلى كفة الشر كثيرا جدا. ويكون التأثير وخيما وكبيرا، عندما يغدو رجل الدين مصدرا للشر، لأنه سيتقنع بالدين كمظهر، ويتخذه كوسيلة للتعبير عن الشرور الكامنة في النفس البشرية، أي أنه سيحرر أمارة السوء الكامنة في الأعماق، ويعطيها مسوغات التعبير الأكبر عن نوازعها، وما تريده من التفاعلات المشينة المؤذية للآخرين.
وهذا السلوك يعدّ من أول الأسباب التي أدت إلى انتشار الفساد في الدول الإسلامية، برغم أن الدين واضح وصريح ومعبّر عن المعاني المناهضة للفساد.
وهذا التفاعل المتناقض هو الذي يؤكد حالة التداعي المتواصل، والتصادم الفتاك ما بين العقيدة والعمل، ويساهم بقوة في تحقيق التشتت والتفاعل السلبي، ما بين أبناء الدين الواحد والمجتمع الواحد، وبسببه تضعف القيم الوطنية وتحترق المعاني التي تؤسس للصالح العام.
والثورة الأخلاقية من أولويات الإجهاز على الفساد، وبدون الرادع الأخلاقي والقانوني، فإن وباء المفاسد يتحول إلى طاعون وجود!!
واقرأ أيضاً:
القائد والمجتمع!! / الطائفية والفساد!! / يأكلون الدنانير والناس يتضوّرون!! / فكر سقيم وأمة عليلة!!