يس هناك حديثاً منذ أسابيع في العالم الغربي سوى عن أزمة اللاجئين أو المهاجرين أو الباحثين عن اللجوء. هناك اضطراب في استعمال المصطلحات لتعريف الهجرة. إن رحل إنسان من مكان إلى آخر طوعيا وباختياره يصفه الناس بالمهاجر Migrant إن رحل إنسان من مكان إلى آخر خوفاً من القمع والاضطهاد في وطنه فيسمى "لاجئ" وهو تعريف قانوني بحت استناداً إلى اتفاقية دولية بخصوص اللاجئين منذ عام 1951 وقعت عليها معظم دول العالم. المصطلح الذي يستعمله العالم الغربي مشتق من اللغة الفرنسية وينتهي بحرفي eel ويعطي للكلمة إطاراً سلبيا ويعني عدم القدرة على المقاومة. متى ما تم تعريف الإنسان باللاجئ لا يحق للبلد الذي التجأ إليه طرده ويجب معاملته حاله حال أي مواطن آخر.
أما مصطلح الباحث عن اللجوء Asylum Seeker فهو مصطلح لا يخلو من التحقير ولا يختلف عن معنى الوغد المحتال وتم استحداثه لأسباب سياسية بحتة. ترى الإعلام اليميني المتطرف يكثر من استعماله ويتجنبه الإعلام المعتدل والخاصة من الناس.
هزت صورة الطفل الكردي ألن من كوباني مشاعر البشرية في جميع أنحاء العالم. الحقيقة المرة هي أن أهل هذا الطفل كان يسعون إلى اللجوء إلى كندا وسعى في أمرهم أحد الوزراء الكنديين بعد أن اتصلت به إحدى أقارب العائلة. رفضت تركيا قلعة الخلافة العثمانية السماح لهم بمغادرة مخيم اللاجئين بسبب جوازات سفرهم. دفعهم اليأس والمعاناة اللجوء إلى قراصنة البشر الجدد وحدث ما حدث.
تغيرت سياسة الحكومة البريطانية خلال 3 أيام تجاه اللاجئين ووافقت على استلام أكثر من 15 ألف لاجئ من مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن وتركيا ولبنان. أما السيدة أنجيلا
ميركل فقد أثبتت المرة بعد الأخرى تفوقها على بقية قادة العالم في حكمتها وإنسانيتها فوطنها يستقبل هذه الأيام أعدادا هائلة من اللاجئين. في الوقت الذي تشكو دول شرق أوربا (سلوفاكيا وهنغاريا) وإعلانها رفض منح اللجوء لأي مسلم ترى الشعب النمساوي يبادر تلقائيا بالسياقة إلى داخل هنغاريا وجلب اللاجئين ومعظمهم من سوريا وليبيا إلى داخل أراضي النمسا (الصور أدناه يوم 6 سبتمبر).
ولكن أين هو العالم العربي؟
لا يزال العالم العربي مشغولاً بمناقشة نظريات التآمر لوصف ما حدث في سوريا وليبيا والعراق واليمن والبحرين. القتل وسفك الدماء لا نهاية له ويوميا تسمع الأخبار وترى الصور في الغرب حول قتل المدنيين العزل بالقصف الجوي العشوائي في اليمن من قبل العرب أنفسهم الذي لا يهز مشاعر العرب والمسلمين. انتهاكات المدنيين وقتلهم والإرهاب لا نهاية له في سوريا وليبيا والعراق كذلك ولا أحد يستنكر بل يبتهج بسماع مثل هذه الأخبار كما هو في غاية الوضوح في استماعك إلى قنوات الأخبار العربية من المحيط إلى الخليج.
وهل هناك مؤامرة ضد العالم العربي؟
نعم هناك مؤامرة ضد العالم العربي من قبل العرب أنفسهم والأصح من ذلك مؤمراة ضد الثورة العربية الجديدة. إطلاق مصطلح الربيع العربي لا يعطي لانتفاضة الشعب حقها فالربيع ينتهي ويتبعه الخريف أما الثورة فلا تتوقف. من السذاجة القول بأن ما حدث ويحدث في العالم العربي مصدره غزو أمريكا للعراق فلم تكن هذه صرخة الإنسان العربي وإنما كان يستهدف نظاماً ديمقراطيا يصون حقوق المواطن العربي يوم انطلقت الثورة من تونس.
وأين انتهينا الآن؟
هناك حالة من عدم اللامبلاة لا مثيل لها في العالم من قبل العرب انفسهم تجاه القتل والتشريد.
قبل عامين خطب قداسة البابا في جمهور كبير وأشار إلى أشهر رواية في الأدب الإيطالي للأديب اليساندرو مانزوي (1785-1873). هذه الخطبة تعتبر أكثر الخطب بلاغة في هذا القرن وتحدث فيها قداسته بعد زيارته للامبدوسا وهو مخيم للاجئين في إيطاليا. أشار في مقطع فيها إلى إزمة المهاجرين واللاجئين قائلاً : هنا نفكر في شخصية مانزوني "بدون اسم" عولمة اللامبالاة تجعلنا جميعاً بدوم اسم، نتحمل المسؤولية ولكن بدون اسم ولا هوية.
Here we can think of Manzoni’s character – "the Unnamed". The globalization of indifference makes us all "unnamed", responsible, yet nameless and faceless
هذه البلاغة لقداسته غيرت من تعامل الكنيسة الكاثوليكية مع اللاجئين فهي تقدم لهم العون في كل مكان ولا تبالي بتغيير عقيدتهم. هذا هو العكس تماما من اليمين المتطرف الذي يخشى دخول اللاجئين وتأثيره على الهوية الدينية الوطنية.
ولماذا الهروب من العالم العربي؟
لا يزدحم العالم العربي بالسكان كما يتصور البعض وربما تسأل لماذا يفضل العربي والمسلم اللجوء إلى بلاد لا يخجل رجال الدين من وصفها ببلاد الكفار.
الصورة أدناه الطفل وصل ألمانيا وعلم الاتحاد الأوربي حوله. لا وجود لعلم يحتوي على ألوان الأخضر والأبيض والأسود والأحمر التي هي ألوان الأقطار العربية الإسلامية.
يصل المهاجر أو اللاجئ وحقوق طفله مضمونة في العلاج الطبي والرعاية الاجتماعية والتعليم ويصبح مسؤولية الدولة. أربعة أعوام عمل ودفع ضرائب وتصبح الإقامة دائمية ويتم منحك الجنسية بعد عامين وجواز سفر لا يحتاج إلى تاشيرة دخول للبلاد العربية.
هل هناك بلد عربي واحد يمنح الجنسية لمن يقطنه ويخدمه بأي شكل من الأشكال؟ كلا وإنما جميعهم ضيوف أو على الأصح خدم للبلد المستضيف.
الوطن الذي لا يسعى إلى استثمار طاقات المواطن والإيمان به ومساندته والحفاظ عليه لا خير فيه حتى إن كان يطوف فوق محيط من الغاز والنفط.
واقرأ أيضًا:
شيزلونج مجانين: عن الانتماء/ الهوية العربية ...الأمل.. أسئلة ذكية..!!/ نظريات الثورات العربية ومقولة ابن خلدون2012/ لغة الحرب وحرب اللغة/ اللغة العربية.. عداء الذات!/ اللغة العربية.. عداء الآخر/ متى تهرب الشعوب ؟ وإلى أين ؟!/ العرب والموت اختيارا!!