اللغة ارتبطت بالإنسان، ولكل مخلوق لغته التي تلبي حاجاته وتؤمّن تواصله مع نوعه وما حوله، ولغة البشر منطوقة ومكتوبه، وهي ذات أبجديات وكلمات وعبارات وتترابط للتعبير عن المقاصد والمعاني والتطلعات، وقد تطورت اللغة البشرية عبر العصور وتنوعت وتعددت، لكنها ذات نظام واحد ومراكز دماغية ثابتة، وتواصلات عصيبية تتناسب والآليات التفاعلية التعقيدية عند البشر، ولهذا تختلف ما بين أقوام وأقوام.
واللغة تعبير حي عن الحالة النفسية والفكرية والثقافية لأهلها، فهي الوعاء الذي يحتوي ما يميزهم ويشير إليهم، ولا يمكن القول بأن اللغة تتحجر، لأن ذلك يعني أن أهلها أموات، وأن صلتها بالحياة قد إنقطعت، وهذا إجحاف واعتداء على أية لغة معاصرة ينطق بها مئات الملايين من الناس.
والقول بأن اللغة العربية متحجرة وبلسان أهلها، إنما تعبير عن سلوك انتحاري انقراضي عدواني أثيم، وافتراء على لغة الضاد وتشويه لجوهرها وذاتها وموضوعها، ومحاولة للنيل منها واستصغارها وإهانة أهلها وإذلالهم، وسلخهم عن هويتهم ومميزاتهم الأصيلة المتوهجة.
فاللغة العربية حية ومتدفقة بالكلمات، وما ينقصها تواجد المؤسسات اللغوية المعنية بالمعجمية كما في سائر لغات الدنيا، فالإنكليزية مثلا فيها حركة معجمية متواصلة، وتجدد بالمعاجم، إذ يتم تجميع الكلمات الجديدة وتقييمها وضمها إلى المعاجم.
ومن المعروف أن الكلمات الجديدة تتوالد من قبل البشر في سن المراهقة، حيث هناك ميل لابتكار الكلمات والألفاظ والعبارات في هذا العمر، وفي الدول المتقدمة يتم توثيق الكلمات والعبارات الجديدة، ومعانيها واستعمالاتها وما تدل وتشير إليه، وإن صمدت في التداول لمدة خمسة أعوام فإنها تكتسب حق ضمها إلى المعجم.
وفي اللغة العربية لا توجد مثل هذه النشاطات والتوثيقات، فلا تقوم بذلك كليات اللغات ولا الجمعيات، وإنما يسود الصمت والعجز والكسل، والإحساس بالانكسار والإحباط، فمجامع اللغة العربية لا تتابع الكلمات التي يبتكرها الشباب، ولا تهتم بمعانيها واستعمالاتها ودراستها واستيعابها، وإنما تدور في فلك واحد لا تتحرر من قبضته، بينما أجدادنا العرب ومن خلال معاجمهم مارسوا هذا السلوك المعرفي اللغوي، فأضافوا للعربية مفردات واستوعبوها في معاجمهم وأشاروا إلى أصولها ومعانيها وجذورها.
فما هي عدد المعاجم اللغوية العربية التي تصدر كل عام في بلداننا العربية؟
وكم من قواميس (عربي-عربي) تجد في مكتباتنا؟
بينما في الدول المتقدمة، تجد القواميس الجديدة منتشرة في كل مكان وفي البيوت، والآن في الأجهزة الإلكترونية والهاتف النقال، فلماذا نعيب لغة الضاد والعيب فينا؟!!
واقرأ أيضاً:
الانكسار العلمي!! / الجمال والاقتراب الأفلاطوني!! / المُقسّم يتقسّم!! / وحدة المعنى الإنساني!!