هناك أسئلة يتكرر طرحها في جميع الثقافات ولكن الإجابة عليها تتميز بصيغة واحدة وهي اختلاف الجواب وعدم اتفاق الآراء. هذا الاختلاف في الرأي هو السبب الأول والأخير الذي يحفز المجتمعات لمناقشة مشاكلها الحضارية والأخلاقية والاقتصادية وتدفع الإنسان إلى الاستناد للعقل والمنطق من أجل وضع الخطوط العريضة للقيم الإنسانية. يقابل ذلك عدم النقاش وتبادل الآراء والقبول المطلق بتوصيات ومواعظ تاريخية أبدية وفي مقدمتها الوصايا الدينية.
من أكثر المواضيع التي يتم الحديث عنها في العالم الإسلامي وغير الإسلامي هو عن زينة المرأة وملبسها وعلاقته بالاعتداء الجنسي عليها. ظاهرة الاستقطاب هي الأخرى واضحة في الآراء فالفريق الإسلامي يدعي بأن الزي الإسلامي والحجاب وحتى النقاب هو حماية للمرأة ضد الاعتداء عليها في حين يفسر الجانب العلماني التوصية على لباس المرأة وزينتها تدخلٌ غير مقبول في الحرية الشخصية ولا يمثل سوى تسلط الرجل على المرأة.
ارتباك المصطلحات
هناك بعض الارتباك في استعمال المصطلحات التي تتعلق بتعريف السلوك الجنسي الغير مقبول بين رجل وامرأة أو بين رجل ورجل أو امرأة وامرأة. السلوك الجنسي الصادر من إنسان نحو إنسان آخر مشكلة اجتماعية يتم تعريفها قانونيا واجتماعيا وطبياً ولكن في إطار هذا الفصل فإن هذا السلوك يصدر من إنسان بالغ ضد إنسان بالغ أيضاً له القدرة العقلية على اتخاذ القرار.
المقدرة العقلية على اتخاذ القرار الذي يتعلق بسلوك جنسي هي الأخرى يتم تعريفها بصورة قانونية بحتة وتخضع للتغيير مع تقدم الحضارات وخير مثال على ذلك هو سن الزواج الشرعي. الغالبية العظمى من بلاد العالم تضع سنة السادسة عشر كحد فاصل لمقدرة الإنسان على اتخاذ القرار الصائب بشأن الدخول في علاقة زوجية أو علاقة جنسية غير زوجية ولكن هناك من يتجرأ ويوصي بوضع السن الثانية عشر أو حتى الثامنة من العمر كسن قانوني.
المصطلحات الشائعة الاستعمال في تعريف السلوك الجنسي الغير مقبول مشتقة من اللغات اللاتينية وهي:
٠ سوء المعاملة Abuse ويتصف بأنه مصطلح عام لا يعرف السلوك الغير مقبول بدقة ولكنه كثير الاستعمال في تعريف الاستغلال الجنسي بأنواعه للأطفال من قبل إنسان بالغ.
٠ التحرش الجنسي Harassment كثير الاستعمال في وصف المضايقات الجنسية التي تتعرض لها المرأة من قبل الرجل في المجتمع وفي ميادين العمل. المصطلح بحد ذاته لا يمتلك القوة القانونية ويعنى أكثر بالعلاقات الاجتماعية والتطور الحضاري للمجتمع بدون التركيز على المضاعفات النفسية الناتجة عنه في الضحية. المرأة التي تتعرض لمضايقات جنسية قد تنتهي باضطراب نفسي لا يختلف تماما عن الاضطراب النفسي الناتج من اعتداء جنسي عليها في الطفولة.
٠ الاعتداء Assault الجنسي وهذا المصطلح يُعرف بحصول الأذى الناتج من السلوك وتعريفه يستند على قواعد قانونية خاصة بالمجتمع. الاعتداء قد يشمل الاغتصاب أو إمساك الرجل لمنطقة من جسد المرأة أو محاولة تقبيلها قسراً على سبيل المثال.
جميع هذه المصطلحات تشترك بما يلي:
٠ سلوك موجه من رجل إلى امرأة بدون موافقتها.
٠ يؤدي السلوك إلى حصول نوع من الأذى بالضحية.
على ضوء ذلك يمكن الاستعاضة بمصطلح الاعتداء الجنسي لتفسير جميع هذه المصطلحات لأن جميعها تشترك بالصفتين أعلاه.
ولكن العالم العربي يكثر من استعمال مصطلح التحرش الجنسي بدلاً من الاعتداء الجنسي. يتميز مصطلح التحرش بأنه مليئ بالتناقضات عند التطرق إلى الأبعاد المهنية والقانونية والاجتماعية. يضاف إلى ذلك فإن المصطلح بحد ذاته يشير إلى إلقاء بعض المسؤولية على الضحية وأول ذريعة يلتجأ إليها المعتدي هو زينة المرأة وملبسها وبالتالي إغرائها وعدم قدرته على تحمل هذا الإغراء.
أما استعمال مصطلح الاعتداء فهو أكثر دقة ولا يلقي المسؤولية على الضحية وإنما على الجاني لوحده فقط. متى ما تم حذف مصطلح التحرش الجنسي وتم استبداله بمصطلح اعتداء جنسي يمكن الاستنتاج بأن العالم العربي الإسلامي قد تقدم خطوة إلى الأمام نحو السيطرة على هذا الوباء المرضي الاجتماعي.
الزي الديني الموحد
الوصاية على المرأة في تحديد وتشريع القوانين حول الملبس والزينة لا تأخذ بنظر الاعتبار قدرتها العقلية على اتخاذ القرار ويتم حصره في إطار الأعراف الاجتماعية والوصايا الدينية. ولكن لا يوجد ما يمثل دليلا علميا واحدا أو دراسة ميدانية تسند الرأي المقبول بأن الزي الموحد الاجتماعي الديني هو حماية للمرأة من الاعتداء الجنسي.
لا يقتصر الزي الديني الموحد على الثقافة الإسلامية فقط. أول إشارة للنقاب والحجاب هو في ملحمة كالكامش 2100 عاماً قبل الميلاد. كان الزي الموحد حصرا على الطبقة الأرستقراطية ومحظوراً على الطبقات الأخرى. لم يتحسن الحال كثيراً في الحضارة الإغريقية الكلاسيكية في 400 عام قبل الميلاد وكان الرجال يعتبرون النساء أحد أملاكهم. كانت الأسطورة الشائعة أيضاً هو أن إفرازات أجسادهن تعرضهن لارتكاب الفواحش بدون الشعور بالحياء والندم.
ثم جاء دور الأديان السماوية الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلامية وجميعها توصي بزي موحد إلى حد ما للنساء دون الرجال. يضع الدين الزي الموحد في إطار روحي ويضيف إليه البعض بأنه ليس مجرد حماية للمرأة ولكنه مصدر قوة لها ويرفضون الاعتراف بأنه وسيلة للسيطرة عليها. لا يختلف ملبس المرأة اليهودية من الطائفة الأرثوذوكسية عن لباس المرأة الإسلامية المتزمتة في مظهره ويطلق عليهن في إسرائيل اسم نساء طالبان.
الصورة أعلاه لنساء من الجالية اليهودية والمسيحية والمسلمة وتشترك جميعها في فرض الزي الديني الموحد.
أسطورة شهوانية المرأة القديمة ترتبط بخرافة ثانية وهي أن المرأة أقل عقلانية أو تعقلاً من الرجل وربما يكون مصدر هذه الخرافة التفسير الخاطئ غير الموضوعي لقصة الخليقة ودور ضعف حواء في إغراء آدم وخروجهما من الجنة. قصة الخليقة في القرآن الكريم لا تشير إلى دور حواء ولا يوجد أيضاً إشارة إلى أن خلق حواء من ضلع آدم وإنما الروح هي واحدة للذكر والأنثى.
تلاشت قوة هذه الأسطورة تدريجيا في القرن التاسع عشر وتم استحداث نظرية أخرى وهي أن المرأة مخلوق مميزاته النعومة والرقة وفي حاجة مستمرة إلى حماية نفسها من اعتداء الرجل ولابد من تقوية هذه الدفاعات بوسائل عدة منها الملبس والاستعانة بالرجل ووصايته. هذا الرأي لا يزال سائداً في جميع أنحاء العالم ولكنه أوسع انتشاراً في العالم العربي والإسلامي ولا يختلف في اطاره كليا عن النظريات القديمة ويستهدف بصورة غير مباشرة تسلط الرجل على المرأة بحجة ضعفها في المقاومة والدفاع عن نفسها.
الزي الديني الموحد والثقافة الغربية
يمكن تصنيف أزياء النساء المسلمات في العالم الغربي والشرقي على حد سواء إلى ما يلي:
٠ الحجاب أو غطاء الرأس
٠ النقاب أو غطاء الوجه والرأس
٠ الغير معرف بدون غطاء للوجه أو الرأس
يحتد النقاش هذه الأيام في العالم الغربي حول الحجاب والنقاب واللحم الحلال. طريقة الذبح الإسلامية واليهودية متشابهة إلى حد كبير وبين الحين والآخر ترتفع الأصوات التي تنادي بالرأفة بالحيوان واستعمال طريقة أقل قسوة في ذبحه. لكن الموضوع الذي يثير جدالاً أكثر من اللحم الحلال هو الحجاب والنقاب.
إن وظيفة البحث والتنقيب عن الهوية الدينية تساعد الإنسان على تشييد هيكل نفسي وفكري يساعده على الإحساس بالذات وتفسير وجوده وعملية البناء ذاتها تشمل تمسكه بطقوس متعددة غايتها صيانة هذا الهيكل الذي يعيش داخله.
أحد هذه الطقوس هو ملبس الفرد فهناك زي عربي وزي متمرد على التقاليد وزي يهودي وهناك أيضا زي إسلامي وجميعها تشترك في أنها أحد الطقوس التي يتمسك بها الإنسان من أجل صيانة الهيكل الذي تم تشييده خشية انهياره عند مواجهة تحديات مصيرية.
ولكن هناك هيكلاً آخر أقل وضوحاً للآخرين يتم تشييده من خلال العقيدة الدينية أو غير الدينية وهو الهيكل الروحي الذي من خلاله يتسامى الفرد على الذات البشرية الهشة وينتبه إلى مشاعر الآخرين وحقوقهم ويتخلى عن الأنانية أو بتعبير أدق عن نرجسيته.
من خلال هذا الحديث يمكن القول بأن هناك هيكلا صوريا وهيكلا روحيا ويمكن وضع كل منها على بعد خاص به. الهيكل الصوري يتطرف أحيانا إلى ارتداء المرأة للنقاب وعدم الكشف عن هويتها حتى لا يعرف المقابل إن كان خلف هذا النقاب رجل أم امرأة. ويصل التطرف أيضاً إلى أبعد حدوده في تصوف البشر وانعزالهم عن الحياة الاجتماعية ويتحول التسامي على الذات البشرية والتخلي عن الأنانية إلى أنانية بحتة.
لا يثير ارتداء الحجاب انتقاداً يستحق الذكر هذه الأيام وأصبحت أشبه بموضة لها مواقعها الاجتماعية ومحلات بيع خاصة بها. هذه الظاهرة لا تقتصر على العالم الإسلامي وإنما تشاهدها في الكثير من مدن أوربا وخاصة في الأحياء التي تحتوي على أقلية إسلامية.
لا شك بأن ارتداء الحجاب يخضع لأعراف اجتماعية تجبر المرأة على ارتدائه بصورة مباشرة أو غير مباشرة تجنبا لتهميشها أو نزولا عند رغبة الزوج التي قد يتصور بأن عدم ارتداء زوجته للحجاب وصمة عار لا يقوى على تحملها رغم غياب الالتزام الديني من جانبه. ولكن هناك أيضاً شريحة من النساء التي ترتدي الحجاب عن قناعة فردية أو تنفيذا لنذر نذرته في مواجهة أزمة ما مثل مرض أحد أطفالها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن وجود علاقة بين الهيكل الصوري الذي يشاهده الجميع لكل إنسان وبين الهيكل الروحي الذي لا يستطيع أحد النظر إليه؟
لا يختلف الهيكل الصوري والهيكل الروحي عن مشاهدة تصميم لبناء مؤسسة على أرض الواقع. قد يكون البناء باهر المنظر وفي غاية الجمال ولكن الخدمات التي يقدمها للمواطن قد تكون غير ذلك. لا أحد يستطيع التكهن بالعلاقات المهنية والاجتماعية داخل المؤسسة وغير ذلك. لا توجد دراسة علمية أو ميدانية توضح لنا العلاقة بين زينة المرأة وملبسها وبين القيم الأخلاقية التي تتمسك بها وتواصلها مع الآخرين وحبها للشر أو الخير. يوجد دليل علمي يسند بأن هيكل المرأة الروحي الديني يتناسب مع الهيكل الصوري المتمثل بارتداء زي معرف دينياً.
نبيلة: سيدة الحجاب على اليوتيوب Hijab Youtubers
عمرها ٢١-عاماً ودرست التصميم Fashion Design وملتزمة دينيا واشتهرت بأفلامها عبر اليوتيوب حول تصميم الحجاب وموضاته. بدأ مشروعها منذ عمر ١٦ عاماً وموقعها NabiilaBee Online Fashion يزوره الملايين. يتابعها ١٥٠ ألف على اليوتيوب و٢٢٨ ألف إنستوكرام والمعجبون بموقعها ٤٠٠ ألف.
ولكنها لا تسلم من انتقاد الغلاة الذين يصرون على الجدال في أن الجمال هو في داخل البيت فقط استناداً إلى الشرع! ولماذا يجب أن تكون المرأة في مظهر قبيح خارج البيت؟ ولماذا لا تغضون من أبصاركم كما أوصى الشرع.
يثير ارتداء النقاب جدلاً في الغرب وكذلك في الشرق إلى حد ما. ينظر الكثير من المفكرين إلى أن النقاب جزء لا يتجزأ من عداء الإسلام الأصولي لكل ما هو غربي أو غير إسلامي وغايته الأولى والأخيرة تقييد حرية المرأة والسيطرة عليها. يدعم هذا الرأي اعتراف العديد من النساء بأنهن مجبرات على ارتداء النقاب لأسباب عائلية واجتماعية.
يقابل ذلك الرأي الذي يتمسك بالحرية الشخصية للفرد ويشمل ذلك الحرية الدينية. الهوية الدينية هوية شخصية لا تعرف الإنسان ولا يتم استجوابه عنها ولا يحتاج إلى البوح بها لأي كان. يعارض هذا الفريق بشدة الحظر المفروض على لبس الحجاب في فرنسا وبلجيكا رغم أن تنفيذ هذا الحظر من قبل الجهات الأمنية يكاد يكون معدوماً. لم تبالي الكثير من دول العالم بسن مثل هذه القوانين التي تتعارض مع المفهوم الليبرالي للثقافة الغربية وتحاول التركيز على حماية المرأة من العنف المنزلي والزوجي والمحلي وفرض الوصاية عليها خاصة في الزواج من رجل تم اختياره بدون موافقتها.
ولكن الليبرالية أيضاً لا تعطي الحرية المطلقة للفرد بارتداء ما يشاء فهناك القانون الذي يحظر التعري في الأماكن العامة. أما استطلاعات الرأي حول حظر النقاب فتشير إلى موافقة 70% من الجمهور لمثل هذا الحظر في فرنسا، 65% في أسبانيا، 63% في إيطاليا، 57% في بريطانيا، و50% في ألمانيا. من المتوقع أن تكون هذا الرقم أعلى بكثير في دول أوربا الشرقية ولكن الرقم يصل إلى 33% فقط في الولايات المتحدة الأمريكية المعروفة بميولها إلى التدين مقارنة ببقية دول العالم الغربي.
العداء للجالية الإسلامية في العالم الغربي تضاعف في الألفية الثالثة ويطلق البعض عليه صراع الحضارات أو الثقافات وتم تصوير هذا الصراع بأنه معركة بين العالم الإسلامي والغير الإسلامي من الشريحة المتطرفة في الغرب والتي يطلق عليها الحركات الشعوبية Populist Movements . أما في العالم الإسلامي فالكثير يضعها بإطار الحروب الصليبية والصراع بين العالم المسيحي المتحالف مع اليهود ضد العالم الإسلامي. استقطاب الآراء في غاية الوضوح في الفريقين الإسلامي والغربي على حد سواء وتضاعف النقاش والاستقطاب سوية بعد الفوضى السياسية والعسكرية والاقتصادية التي صاحبت الربيع العربي منذ عام 2011. من خلال هذا الصراع الشفوي لا يتوقف البعض من الحديث عن الزي الإسلامي ودوره في تعريف الهوية الإسلامية ووضعها في اطار غير حضاري.
الزي الإسلامي والطب النفسي
لا يمنع الحجاب (غطاء الرأس) ولا النقاب (غطاء الوجه والرأس) وصول المرأة المصابة باضطراب نفسي إلى مراكز الصحة النفسية أو العقلية في بريطانيا. يتم التعامل مع المرأة المحجبة بنفس أسلوب التعامل مع المرأة الغير المحجبة وغير المسلمة والاستماع إلى رغبتها بالكشف عليها من قبل رجل أو امرأة أو الكشف عليها بمفردها أو مع زوجها أو أحد الأقارب. لا تختلف رغبات المرأة المحجبة عن غير المحجبة والكثير منهن يفضلن الكشف بدون وجود الزوج في غرفة الفحص.
أما المرأة المنقبة فأمرها أكثر تعقيداً ونادراً ما تصل إحدهن إلى مراكز الصحة النفسية، وان وصلت فبمرافقة الزوج أو ولي أمر لها. هذه الحالات النادرة هي لطلبة مبعوثين من بلاد إسلامية وجميع الحالات التي صادفت كاتب السطور هي لاضطرابات نفسية جسيمة مثل الفصام لمتابعة العلاج الذي تم وصفه في الموطن الأصلي.
يصعب على الطبيب النفسي وصف الحالة العقلية للمرأة المحجبة والتي تتعلق بملاحظة تعابير الوجه وحركات الجسم وخاصة تلك التي تشير إلى حالة وجدانية اكتئابية وعلى الطبيب الاعتماد كلياً على إطار ومحتوى كلام المرأة.
أما نوبات الهوس فارتفاع مستوى وتركيز التبرج لا يختلف في المرأة المحجبة عن غير المحجبة والحالات النادرة في نساء منقبات يصاحبها دوماً خلع النقاب والتخلص منه أثناء النوبة.
أما تكرار تغيير زي المرأة من دون حجاب إلى حجاب أو نقاب فهو كثير الملاحظة في الاضطرابات الفصامية وكذلك في اضطراب الشخصية الحدية.
يواجه الطبيب النفسي أو العام أحيانا مشكلة مصافحة المريضة باليد. الكثير من الأطباء الرجال لا يبادر إلى مد يده للمصافحة وينتظر المبادرة من المريضة ولكن الكثير من المحجبات يضعن عدم مبادرة الطبيب بمد يده للمصافحة إهانة لهن خاصة حين يمد يده لمصافحة الرجل المرافق لهن.
ولكن الأمور تبدو أكثر تعقيداً في عملية تقييم الخطورة Risk Assessment في بعض الحالات التي تتعلق بالزي الإسلامي ومن أجل توضيح هذا الجانب يمكن دراسة بعض الحالات المرضية.
الحالة الأولى
سيدة متزوجة في منتصف العقد الرابع من العمر ترتدي الحجاب وام لطفلين تم ارسالها من قبل الطبيب العام إلى المركز المحلي للصحة النفسية. يقيم الزوج مجلسا أسبوعيا في البت يحضره بعض أصحابه للتداول في أمور الدين وإقامة الصلاة لمدة لا تقل عن ثلاثة ساعات في المساء. بعد عام من هذه الجلسات هاجمت الزوجة زوجها وأصحابه في أحد الأمسيات وانهالت عليهم ضربا بأحذيتهم المتروكة خارج غرفة الاجتماع.
حضرت مع الزوج ووالديها وتم تشخصيها باضطراب وهامي لمدة عام يتعلق بتامر زوجها عليها مع أصحابه واحتمال زواجه من امرأة أخرى. أجاب على معظم الأسئلة الزوج والاب. كانت حالتها الوجدانية تميل إلى الاكتئاب وتم وصف عقار مضاد للذهان وهو الرسبيردون Risperidone وعقار مضاد للاكتئاب وهو السيترالين Sertraline.
بعد أكثر من عامين بدأت تحضر المركز بمفردها ولاحظ الطبيب والممرضة وجود اثار كدمات على الوجه. ادعت الزوجة بانها أصيبت بحالة اغماء وسقطت عبر السلم وانكرت وجود أي عنف جسدي من جانب الزوج.
استمرت في مراجعتها للمركز وتدريجيا تم سحب جميع العقاقير. تغير مظهرها تدريجيا وأصبحت لا نبالي بمظهرها ونظافتها وتم ملاحظة ذلك من خلال نظافة اليدين. صارحت طبيبها النفسي بعد فترة بانها كانت ضحية عنف زوجي لأكثر من مرة و حصل ذلك بعد سحبه العقاقير تدريجياً.
مناقشة:
هذه الحالة تعكس بعض الصعوبات التي تواجه الطب النفسي في تقييم المخاطر في وجه اعراف وتقاليد اجتماعية. تم قبول رواية الزوج واهل المريضة بسرعة من قبل الطبيب والممرضة التي ترافقه في الفحص الاولي. كانت توصية الطبيب هو دخولها المستشفى لدراسة الحالة ولكن الزوج والاهل رفضوا العرض وكان الاحرى بالفريق الطبي استعمال صلاحيتهم القانونية في الدخول القسري إلى المستشفى لمدة 28 يوماً لتقييم الحالة لان الزوجة كانت تشكل خطراً على الأخرين على ضوء المعلومات المتوفرة.
لم تسنح الفرصة للكشف على المريضة لوحدها لمدة عامين ورفض الاهل السماح للممرضة او العاملة الاجتماعية بزيارة البيت الزوجي اسبوعيا كما هو المعتاد في الكثير من هذه الحالات ولكن الامر كان سيكون غير ذلك لو تم ادخال المريضة للمستشفى في البداية لتقييم حالتها النفسية ومن ثم لا يستطيع الاهل منع الفريق الصحي من زيارة البيت.
رغم شك الفريق الطبي النفسي بتفسير الكدمات ولكن كان يجب اتخاذ خطوات أكثر فعالية لحمايتها من الزوج والأهل. لم يكن تدهور عنايتها بنفسها جزء من الاعراض السلبية للأمراض الذهانية وانما كان جزءً من وصولها إلى مرحلة الاستسلام والياس.
كانت قصتها الحقيقية غير ذلك. تغير زوجها بعد زيارة الحج وأصبح متزمتا وفرض النقاب اولاً على زوجه رغم اعتراضها وقبل بحل اقل تشدداً وهو الحجاب او كما تسميه الزوجة حجاب إسلامي بحت بدون أي زينة يتضمن عدم كشف الحاجبين. كانت ضحية عنف الزوج لأكثر من مرة بعد الكشف عليها وكان يجبرها على تعاطي العقاقير التي لم تكن اصلاً بحاجة اليها. لم يحدث تقييم المخاطر بصورة مقبولة في جميع المراحل وتم وضع خطة مشتركة لحمايتها في النهاية.
الحالة الثانية
أم ترتدي النقاب لأربعة أطفال تم تشخيصها بالفصام الزوراني في موطنها الأم. وصلت مع زوجها الذي التحق بدراسات عليا لمدة عامين. كان العقار الموصوف لها الرسبيردال كونستا Risperdal Consta بجرعة 25 مغم كل أسبوعين. كانت حالتها مستقرة وظهرت أعراض المرض قبل عام واحد من وصولهم وتميزت باستلامها رسائل خفية من ملاك وجن حول قرب زواج زوجها بامرأة أخرى. كانت تستمع لأصوات تتحدث عنها وتناقش حياتها الجنسية مع زوجها. كانت الأصوات أيضاً تحفزها على طعن زوجها بين الحين والآخر ولكنها لم تبُح بذلك إلى الزوج.
رغم تحسن حالتها مع العقار ولكن الهلاوس السمعية والآمرة لم تختفي تماما وكان الزوج راعيا لزوجته بكل معنى الكلمة وكثير الإيمان بالقضاء والقدر.
لم يعترض الزوج على فحص زوجته لوحدها وحينها كشفت عن استمرار الهلاوس السمعية الآمرة بطعن زوجها. وافقت على رفع الجرعة إلى 50 مغم ولم يعترض الزوج على زيارة ممرضة وعامل اجتماعي بصورة منتظمة لمساندتها.
مناقشة الحالة
لا يكتمل فحص الطب النفسي بدون تقييم لخطورة المريض على نفسه وعلى الآخرين واحتمال تدهور حالته الصحية بدون علاج. هذا التقييم يجب أن لا يأخذ بنظر الاعتبار الأعراف الاجتماعية والخطوات التي يجب اتخاذها لدرء هذه المخاطر يجب وضعها والعمل بها بدون مساومة.
تردد فريق الصحة النفسية أولاً بفحص المريضة بدون حضور زوجها ولكن في الزيارة الثانية للفحص من قبل الطبيب النفسي لم يعترض الزوج على الطلب بل على العكس رحب به مشيرا بأن هذا الفحص ربما يكشف عن أعراض نفسية لا تصرح بها أثناء وجوده.
كان هناك ترددا آخر في توفير الخدمات الطبنفسية في المجتمع حالها حال المرضى الآخرين. على العكس لم تعترض المريضة ولا زوجها على هذه الخدمات ورحبا بها. كان تعاونهما في العلاج على مستوى عالي رغم حواجز اللغة والحاجة إلى مترجم وشاركت المريضة في علاج مهني منتظم.
ولكن الدرس من هذه الحالة هو عدم الوصول إلى استنتاجات مسبقة حول فحص المريض وخطة علاجه مبنية على أساس كاذب وهو ملبس المرأة وانحدارها الثقافي والديني.
نقاش عام
أصبح الحجاب والنقاب ظاهرة تمييز وتعريف إسلامية وانتشرت في جميع أنحاء العالم تثير الكثير من الجدال حول الحريات الشخصية للمرأة وتسلط الذكور عليها.
ما ترتديه المرأة يقع ضمن حريتها الشخصية واختيارها البحت ويتأثر بعوامل فكرية واجتماعية وروحية. سن القوانين الاجتماعية لفرض الزي الموحد على النساء لا تتوازى مع المبادئ الإنسانية في الوقت الحاضر ولا يمكن تبريرها بشروط دينية لأن الظاهرة بحد ذاتها سبقت الأديان السماوية ولا تقتصر عليها فقط وتشاركها في ذلك الأديان غير السماوية.
وكذلك الأمر مع التمييز ضد المرأة المسلمة وسن القوانين بمنع النقاب فهو الآخر يتعارض مع المبادئ والقيم الإنسانية. ولكننا أيضاً نعيش في عالم يحرص على أمن المواطنين ولا يمكن للمرأة المحجبة الاعتراض على وجوب كشف وجهها لأجهزة أمنية أو حين الإدلاء بشهادتها تحت القسم.
محاولة صيغة الزي الإسلامي الموحد بأنه حماية وصيانة للمرأة مقولة لا تخلو من النفاق وتتعارض مع المنطق وبل تشير إلى أن هناك أمراضا اجتماعية متفشية في مجتمع لا يحترم القيم الأخلاقية والوصايا الدينية. لا يوجد دليل يسند أن المرأة المحجبة في مصر أقل تعرضا للاعتداء الجنسي من المرأة الغربية وربما نصيبها من المضايقات أكثر بكثير في مجتمع ذكري يحرص على ضمان مصلحة الرجال وإسقاط اللوم على النساء.
النقاب الذي يغطي وجه المرأة لا يسمح للطبيب النفسي بتقييم الحالة النفسية لمريضه بصورة مقبولة وربما الكشف عليها من قبل طبيبة هو الأفضل حتى ولو كان ذلك لمرة واحدة. يقع النقاب والحجاب ضمن الأبعاد الثقافية التي يراعيها الطبيب النفسي في الوصول إلى تشخيص صحيح وفي مرحلة وضع خطة علاج. لكن تقييم المخاطر يجب إنجازه وعدم السماح للانحدار الديني والثقافي للمرأة بالتأثير على الوصول إلى استنتاجات سليمة وعلمية.
المصادر:
1- مجلة الإيكونيميست Economist الصادرة يوم 15 أيار عام 2010 والتي انتقدت بشدة حظر لبس الحجاب في أوربا.
2- أرشيفات هيئة الإذاعة البريطانية BBC حول ما يتعلق بالحجاب وأزياء المرأة الإسلامية.
واقرأ أيضًا:
مفهوم الزينة وضوابطها في الشرع الإسلامي / فليقولوا عن حجابي / من ثقافة التجميل إلى آفاق الجمال / مقاييس باربي في الميزان / استعباد النساء Subjugating Women
التعليق: قال تعالى:
((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)) [الأحزاب: 36]
https://www.youtube.com/watch?v=cGI6unm47v0
السبب الوحيد للالتزام بالحجاب -أو النقاب- هو الإيمان بالله ورسوله وكتابه واليوم الآخر...، وأما نسبة الاعتداء فهي حكمة قد توجد وقد تتخلف...
والأمور التي تتعلق بجزئيات حكم الحجاب، لا يتسع المقام لها هنا، ولكن لم نُترك نتخبط كالعميان فيها، فكله قد تم بيانه لنا، قال تعالى: ((((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [يوسف:108]