الكاتب: أ.د مصطفى السعدنيالبلد: مصرنوع العمل: مقالتاريخ الاضافة 30/09/2006 تاريخ التحديث 05/03/2018 01:57:35 المشاهدات 12960 معدل الترشيح
ثلاث خطوات للتخلص من مواطن ضعف الثقة لأكثر مِنْ قرن، قام علماء النفس بآلافِ التجاربِ، كما دَرسوا العديد مِنْ أشكال وأنماطِ السلوك، وبعد أن أجرى هؤلاء العلماء العديد من التجارب السلوكية على الحيوانات أصبح من الممكن تطبيق هذه التجارب لتعديل بعض السلوكيات المعوجة لدى البشر. قبل حوالي خمسين عاما، تم تطبيق هذه المعرفةِ السلوكيةِ على المعالجةِ السريريةِ، وذلك باستخدام تقنيات جديدة، عن طريق إزالة التحسس التدريجي، وجلسات الاسترخاء، ومن خلال مبادئ التعلم الشرطي والتعلم الفعال وغيرهم من طرق العلاج السلوكي، فتعرف من أنت، وكيفية شْعورك حول نفسك. وأصبح من الممكن عن طريق تَغيير أعراضِ سلوكك العصابي تغيير ذاتك.
ولكن السلوك بحدّ ذاته امتلكَ أهميَّة قليلةَ في العملية ِ العلاجّيةِ. فحتى سبعون عاما مضت، كانت كُلّ طرق العلاج النفسي مأخوذة عن فرويد، وقَبلت فكرةَ عامة بأنّ الناسِ عاجزون أساساً حتى يَكتْسُبوا معرفةَ نزاعاتهم الداخلية، وكذلك التخيلات التي تَستقرُّ في العقل الباطنِ والصدماتِ التي يتعرض لها الأطفالَ بعد ولاّدتهم. وكان المعالجون التحليليون موجهون بشكل تحليلي نفسي، فيقومون بتوجيهك إلى مَن هو أنت في العقل الباطن، والذي يُؤثّرُ على ما تقوم بَعمَله. وذلك بالطبع يَعْكسُ السلوك المجرد لعقلكَ الباطن.
وعلى عَكس من يتزعمون الجناح التقليدي للعلاج السلوكي، نجد أن ممارسي التحليل النفسي يَسْألون: "لماذا تسير في هذا الطريق الخطأِ؟" بينما ممارسي العلاج السلوكي يَسألون: "ماذا يمكننا أَنْ نَغير الآن؟" حيث يتناولون مشكلة الفرد كما هيِ، فيُميّزون سلوكاً معيّناَ -حيث يرون أنه من الواجب أنْ يُغيّر- لحَلّ صعوباتِ الشخص المريض، فيُحاولونُ معه تَغيير هذا السلوكِ بشكل منظّم، يَعتمدُ بشكل رئيسي -لكن لَيسَ بشكل خاص- على الوسائل السلوكية، والتي اشتقتَّ مِنْ عِلْمِ نفْس التَعَلّم والتَكيّف وتَركيز التحليلِ على السلوكِ الجدير بالملاحظةِ، وفي هذه الحالة نجد أنه من السهل الوصول إلى حِساب أَو قياس مقدار هذا التعديل في السلوك، وذلك بدلاً مِنْ الاعتماد على العملياتِ غير الواعية في العقل الباطن ِ، وتحليل الميول والنزاعات والصراعات غير المنظورة وذلك من خلال التحليل النفسي.
كثيراً ما نجد المعالج السلوكي يَفترضُ أنّه يَعْملُ على إصلاح سلوك خاطئ، فيُعيدُ التقييم، ويُراجعُ نظرتَه حتى يَحصُلَ على النَتائِجِ المطلوبة، ورغم كل ذلك فالعلاج السلوكي لَيسَ في نزاعِ مباشرِ مَع آراء التحليليين من أمثال فرويد، ويونج وكارين هورني، فلا يَزعُمُ بأنّ الماضي ليس له علاقة بالاضطرابات النفسية لدى بعض الأشخاص، ولكنه يهتم بالعمل على إصلاح الخلل السلوكي بمعالجته من خلال فاعلية المواجهة بالوسائل السلوكية المختلفة.
ويقوم العلاج السلوكي بتغيير بعض المخاوف المرضية، والتي غالبا ما يتم اكتسابها عن طريق التعلم واكتساب الخبرات السيئة والمخيفة، وذلك مثل حالات:ِ(الخوف من ركوب الطائرات ِ، أَو الخوفِ من المدرسة، أو الخوف من المرض، أو الخوف عند النظر من الأماكن المرتفعة، أو الخوف من منظر الجروح أو الدم، أو الخوف من الحيوانات الأليفة، أو الخوف من التحدث أمام الأكبر عمرا من الناس أو الخوف من عبور الطريق، أو الخوف من السير في الأنفاق أو فوق الكباري وغيرهم الكثير من المخاوف المرضية)، بل ويمكنك أيضا عن طريق العلاج السلوكي أن تَردُّ بدون خوف وبطريقة لبقة على من يحاول أن يحُطَ من شأنك مهما كان وضع هذا الشخص مُهمّاً أو مُرعِباً، كما يُساعِدُك العلاج السلوكي على أن تَتخلّصَ مِنْ عاداتك غير المرغوبةِ، مثل الشره للطعام والسمنة، وكذلك التخلص من القلق والتوتر والأفكار الوسواسية المزعجة، وأن تَستبدلُهم بالعاداتِ الحسنة المرغوب فيها؛ فالعلاج السلوكي يَخْلعُ عليك هذه الحالةِ المتسمة بالهدوءِ.
في هذا الكتابِ، سَنُحاول علاج بعضاً من هذه السلوكيات المعوجة، ولكن التأكيد الرئيسي سَيَكُونُ على المهاراتِ المتَعَلُّقة بالناسِ و العالمِ من حولنا؛ حيث تَتّصلُ هذه المنطقةِ بالتدريبِ على توكيد الذات والذي يُعدُ نوعاً من العلاج السلوكي المعرفي.
الشخصية المؤكدة لذاتها: يَمتلكُ الشخصُ المؤكد لذاته والحازمُ حقاً عدة خصائص ِ:
يَشعر الشخص المؤكد لذاته بالحرية في الكَشْف عن نفسه وبتلقائية. وذلك من خلال الكلماتِ المفعمة بالمشاعر، كما يتسم بالصراحة واللباقة في التعبير عن مشاعره وآرائه، كأن يقول مثلاً: "أحب هذا العمل، أو أكره أن أكون في مثل هذا الموقف، أو آسف لا أستطيع الذهاب معكم لهذا المكان، لأن صديقي قد عزمني من قبل على العشاء اليوم، أو هذا الذي أَشعر به نحو هذا الشخص وإن كنت تبدو مختلفا معي في هذا الرأي، أو أَعتقد أنني كنت على خطأ في ذلك التصرف، أو أُريد أن أعتذر أمامكم عما قلته في المرة السابقة".
والشخص المؤكد لذاته أيضا يُمْكِنهُ أَنْ يَتواصلَ مَع كل الناسِ و على جميع المستويات –مع رؤسائه ومَع مرؤسيه، ومع الغرباءِ، ومع الأصدقاء، ومع عائلته. هذا التواصلِ المفتوحُ دائماً، والذي يقوده الصدق ويسوده اللباقة والود.
والشخص المؤكد لذاته يمتلك زمام المبادرة دائما، فهو ينشطُ للسعي على شئون حياته ومتطلباتها، دافعاً المشاكل بعيدا عنه قدر المستطاع، فتجده مطاردا لأهدافه، بناءاً على دراستها بدقة والتخطيط الجيد لها، وشعاره دائما: "لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد" ، "وخير البر عاجله" ، كل ذلك بحلم وأناة وبلا قلق وبلا توتر، وذلك على العكس من الشخصِ السلبيِ الذي يَنتظرُ حدوث الأشياء، ثم يفكر بعد ذلك في كيفية مواجهتها والتصرف بشأنها.
والشخص المؤكد لذاته يَتصرّفُ بطريقة يحترم فيها ذاته، فلا يعرض نفسه للتوبيخ أو التحقير. مدركا وبقناعة أنّه لا يَستطيعُ أن يكون رابحا دائماً، فيتَقْبلُ عيوبه وقيوده بصدر رحب؛ محاولا التغلب عليهم بما استطاع إليه سبيلا من قدرات، فهو يُجاهدُ دائما في القيام بالمحاولاتِ الجيدةِ، بعد أن يستعين بخبرة أهل الرأي والمشورة، لكي يفوز بما يتمناه من آمال وأحلام، وإن خسر بعد كل هذا الجهد فقد احتفظ باحترامه لنفسه، موقنا بقوله تعالى: "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُو خَيرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيئَاً وَهُوَ شَرٌ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون".
وفي الواقع، فالسلوك المؤكد للذات هو هدفُ كُلّ المعالجين النفسيين والمصلحين الاجتماعيين وأصحاب الرأي المعتدلين، بل والأنبياء والرسل على مر العصور والأزمان، فلا نسمع عن واحد فقط من هؤلاء قد دعى إلى الخنوع والخضوع أو الذل أو السكوت عن الحق المهضوم أو الاستسلام للظالم الغشوم.
وحتى في ديانة سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام، عندما دعى إلى التواضعِ والتضحيةِ والإيثار والتسامح بين البشر، وذلك في عصر شاع فيه جبروت وعسف وكبر الرومان من جهة، وتسلط وظلم اليهود بعضهم لبعض من جهة أخرى، ورغم كل هذه الظروف، فلقد دعى عليه السلام إلى احترام البشر حقوق بعضهم البعض، وبُغض التعالي والظلم والعدوان بين أبناء البشر أياً كان اعتقادهم أو توجههم: " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض المسرة".
ولتحقيق ذلك علينا أن نُعلِم الطفل أن يدافع عن حقوقه وعن حقوق الآخرين، والدِفَاع عن نفسه كما يُدافِع عن المُستضعفين، ولو ببغض الظلم وذلك أضعف الإيمان. ومن افتقد ذلك التعليم في صباه فعليه أن يتعلمه في شبابه، فليبدأ في المطالبة بحقوقه في الترقيات والعلاوات المادية إن كان مغبونا فيهم، ولا يخاف من فقدان وظيفته، أو من تسلط رؤسائه عليه، فإذا هو لم "يَتكلّم" مع رؤسائه وبلباقة عن حقوقه فلَيسَ من المُحتمل أَنْ يَستلمَ زيادة في راتبه أَو ترقية، أو قَدْ يَفْقد عمله مستقبلا. وهذا المنطق الذي يتبناه العامل أو الموظف في مصنعه أو في مكتبِه، سيَنتْقلُ حتما إلى أفراد منزله بل ولحياةِ مُجتمعِه بأسرِهِ.
ومن ناحية أخرى، يَتعلّمُ الناسَ أَنْ يَتقدَّموا على المتنازل عن حقوقه وبصورة دائمة، ويُصبِح هذا عرف مقبول من الناس في أغلب الأحيانِ. فالتَعَلُّم غير الملائم قَدْ يُصبِحُ في زعمِ البعض ملائما، ولذا نجد لدى البعض تكَيَّفاً وقبولا لبَعْض المخاوف، وقد تكون تلك المخاوف مخاوفَ اجتماعيةَ، مثل الرهاب الاجتماعي، حيث الخوف من الجلوس مع مجموعة من الناس أو التحدث أمامهم، أو الخوفِ من السير في الأماكن والطرق الواسعة منفردا، أَو مخاوف داخلية مثل مخاوفِ القلق ِ، والتعبير عن الغضبِ، أو الخوف من المرض أو الخوف من الموت، فالشخص الخائف يَحسُّ بألم عندما يَواجه الأشياء التي تخيفه؛ وبالتالي يَمِيلُ إلى تَفادي الظروف التي تجر إليه المخاوف، و هكذا نجد هذا الشخص الخائف مفتقدا لسلوكَ تأكيد الذات، على سبيل المثال:
بنت بعمر ستّة وعشرينَ سنةً، مَصابة بدرجة بسيطة من الصعوبة في المشي، وذلك لإصابتها بشلل الأطفال في سنوات عمرها الأولى، نجدها لا تُشاركُ زميلاتها ولا جيرانها في المناسبات الاجتماعية، وذلك مخافة أن تذكر لها إحدى الفتيات إعاقتها ولو بصورة غير مقصودة، فهي تعيش في عزلة شبه كاملة عن المجتمع، مما يُؤثّرُ على حياتِها وبصورة واضحة، كما تَبْقى بعيدةَ عِنْ أيّ تجربة قَريبة قد تفيدها إفادة كبيرة. كما نجد العديد مِنْ الناسِ عِنْدَهُمْ مفهومٌ خاطئُ مِنْ الزعم بأنهم عدوانيون وسيئون دائماً. فنجدهم يُخفقونَ في التَمييز بين أَنْ يُحْبّوا وأنْ يَكُونوا مُحترمين.
كما أن بَعْض الناسِ يَفتقرونَ إلى عدم اكتساب المهارةَ من خلال التجربةِ والممارسة؛ ولذلك يتم تَجاوزهم مِن قِبل الآخرين والذين ليس لديهم مهارات أو مواهب أكثر من هؤلاء الناس الذين تم تجاوزهم في الترقيةِ، ولذا يستمرون في نفس العمل ِلسَنَواتٍ وسنوات؛ وذلك لأنهم لا يَفْهمونَ الطريقةَ التي يَحْصلُ بها المترقونَ على ترقياتهمِ. فهؤلاء المُترقُّون يَستطيعونَ مُقَاوَمَة الإهاناتِ أَو الدونية، ولديهم العزم والثبات في المطالبة بحقوقهم بطريقة لبقة، كما أنهم يَعْرفونَ البعض مِنْ الردودِ اللازمة لتوكيد ذواتهم عند الضرورة، بينما الآخرون يَقُولونَ نعم إلى الطلباتِ التي تُطلب منهم مهما كانت مُهينة أو دونية، فهم لا يُريدونَ إعْطاء رَداً توكيديَا لذواتهم، وهذا نابعٌ من أنهم لم يتعلموا أبداً فن قول "لا".
ويهدف دور المعالج إلى مُسَاعَدَة المريضِ لفَهْم ما هو الخطأ في أسلوبِ حياة مريضه، وكَيفَ يمكنه تغييّرُه؟. ولابد للمعالج من أن يضع في اعتباره عاملين اثنين: (1) تعريف الهدف من أهمية الحاجةِ لَتغييّر ذلك السلوك، سواء أكان الخوف مِن الجلوس مع الآخرين، أَو قلةِ المهارات الاجتماعية لديه، كالمهارات المطلوبة مع الزملاء في عملهِ. (2) مشاركة المريض في التخطيط لعمل برنامج منظّم يهدف إلى التغلب على مخاوفه وإكسابه مهارات جديدة. ويتبع >>>>>>>>>>> كيف تكتسب الثقة في نفسك