المتحولون جندريا : ظاهرة الألفية الثالثة 2
ترانس جندر والطب النفسي السريري
هناك نوعان من المراكز الطبنفسية للتعامل مع الترانس جندر. الغالبية العظمى من المؤسسات الصحية تعين طبيباً استشاريا واحدا لاستقبال المراجعين ويدعى بحارس البوابة Gateway Keeper. يستقبل الحالات ويشخصها ويعطي المريض وثيقة تؤكد هذا التشخيص. يستعمل المريض الوثيقة لتغيير بياناته الرسمية إن شاء.
الغالبية العظمى من المرضى لا يطلبون تدخل جراحي كامل ويحصلون على الهرمونات من طبيبهم العام أو أخصائي في الطب الباطني. معظم المراجعين على علم بتكنولوجيا إزالة الشعر من الجسد والحصول على مستحضرات الزينة المختلفة بفضل الإنترنت هذه الأيام وتوفر صالونات التجميل. إن لم يصل المراجع مرتديا ملابس الجنس الآخر في الزيارة الأولى فسيفعل ذلك في الزيارة الثانية وإن لم يفعل فهناك احتمال من اثنين:
1- المضي قدماً في حياته كما هي.
2- توجهه إلى تايلند لعمل جراحة لشهرة هذا البلد بها. هناك من الجراحين من يتجاوز عدد العمليات التي يعملها الألف في العام! أما تكاليف العملية فهي بحدود 6 آلاف جنيه إسترليني.
يتابع المستشار مراجعه ويقرر إحالته إلى مؤسسة صحية يتواجد فيها فريق من العاملين الذين يشرفون على حصول المراجع على الجراحة التجميلية ومساعدته على التأقلم نفسيا واجتماعيا ومهنيا وتوفير علاج الحديث Speech therapy. تتحمل نفقات العلاج المؤسسة التي ترسل المريض إلى المؤسسة الصحية المختصة التي توفر الجراحة. هذا النوع من المراكز الطبية النفسية المتخصصة لا تتواجد بكثرة وطابور الانتظار فيها قد لا يقبل به المراجع (من 6 إلى 18 شهراً) وقد يقررشد الرحيل إلى آسيا.
الجراحة أمرها شديد ويتم تقسيمها إلى جراحة عليا وجراحة سفلى. الجراحة العليا للترانس جندر أنثى تتضمن زرع الثدي الاصطناعي وجراحة حنجرة (لتغيير الصوت) وجراحة تأنيث الوجه (Facial Feminization Surgery). أما الترانس جندر رجل فالجراحة تشمل استئصال الثدي.
الجراحة العليا هي المفضلة عند الكثير ولكن البعض يطلب الجراحة السفلى كذلك وهذه تطلب التخلص من الأعضاء التناسلية الخارجية والداخلية وجراحة تجميل لبناء مناطق تشريحية مقاربة للجنس الجديد. هذه الجراحة أمرها شديد وخاصة للترانس جندر رجل وتتم على عدة مراحل.
إما المتابعة الطبية بعد العملية من جراء استعمال الهرمونات (أو بدون عملية) فهي عملية منتظمة وسنوية من جراء الأعراض الجانبية المتعددة وارتفاع احتمال إصابتهم بأمراض عضوية متعددة ومنها أمراض خبيثة. من جراء ذلك من الصعب القول بأن سنين العمر لا تقصر من جراء ما حصل لجسد المريض.
أما الأطفال ودون عمر الثامنة عشر فيتم تحويلهم إلى مركز خاص لتقييمهم وعلاجهم وفي بريطانيا هناك مكان واحد لاستقبالهم في مركز التافستيوك العريق في لندن Tavistock Clinic. هناك بروتكولات خاصة للتقييم والعلاج أكثر تعقيداً وتفصيلا من التي للبالغين وفيها لا يتم العلاج بالهرمونات وإنما في تثبيطها مؤقتاً.
مناقشة عامة
لا توجد مبالغة في القول بأن الطب النفسي فشل في تفسير وعلاج الخطل الجنسي بأنواعه. كان فشله في تفسير المثلية وعلاجها وتعرضه للانتقاد من قبل تيارات متعددة سببا في شطبه المثلية من مجلدات الاضطرابات النفسية. الذي يحصل الآن مع أعضاء الأقليات الجنسية الأخرى لا يختلف كثيراً عما حدث مع بين الطب النفسي والمثلية.
تم صياغة الترانس جندر على أنهم مجموعة من الأفراد المتأزمين نفسيا الذين لا يقبلون بحدود أجسادهم ويستعملوها كمجرد أوثان وبالتالي فإن التحول إلى رجل حقيقي أو امرأة حقيقية هو الحل الوحيد للوصول إلى مرحلة الكمال3. هذه الصياغة بحد ذاتها لا يستوعبها الكثير وليس ذلك فحسب ولكن لا فائدة منها في الممارسة العملية.
هناك حاجة ماسة لدراسة هذه الظاهرة التي ليست بغير المعروفة في كل بقعة من بقاع العالم ومنها العالم العربي. لا توجد إحصائيات دقيقة عن نسبة هذه الظاهرة وربما هناك بعض المبالغة في صدور مقالات تشير إلى أن انتشار الانزعاج الجنسوي يقترب من 1 -2 %. الكثير من هذه النشرات لا تفرق ما بين الانزعاج الجنسوي وما يسمى بالأقليات الجنسية. التقدير المقبول هن ان انتشار الترانس جندر امرأة هو 1 في 11 ألف ذكر وانتشار الترانس جندر رجل يقترب من 1 في كل 30 ألف امرأة. هذه النسبة بين الذكور والإناث هو ما يلاحظه معظم العاملين في الصحة النفسية وهي أن لكل خمسة ذكور هناك أنثى واحدة.
استشارات موقع الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية تقترب من الأرقام والنسب أعلاه ولكن هناك تفاوتا في التوزيع الجغرافي. الاستشارات القادمة من الخليج العربي وغالبيتها من المملكة العربية السعودية تشير إلى تفوق عدد النساء على الرجال على عكس بقية مناطق العالم العربي لمستخدمين الموقع دون سن 25 عاماً. لا يمكن تفسير هذه الظاهرة لاستعمال الأنثى للموقع يزيد على استعمال الذكور ولا تتكرر هذه الظاهرة في التفاوت الجغرافي إلا في حقل اضطراب الانزعاج الجنسوي. العوامل الاجتماعية والثقافية لكل مجتمع تلعب دورها وهناك حاجة ماسة إلى دراسات ميدانية سريرية على أرض الواقع حيث لا يمكن الوصول إلى استنتاجات سليمة من خلال هذه الأرقام فقط (لاحظ المخطط).
1: إقليم مصر
2: إقليم الخليج
في الوقت الذي كان فيه الانزعاج الجنسوي يقتصر على البالغين أصبح الآن اضطراباً نفسيا يداهم الأطفال. لا شك أن التصنيف الحديث للاضطرابات النفسية ساعد في انتشار ذلك ولكن الأهم من ذلك احتفال الإعلام والمواقع الاجتماعية به. يكثر البعض من تحليل السلوك البريء للأطفال من الرغبة في لبس ملابس الجنس الآخر وتغيير الهوية الجنسية أثناء اللعب لأسباب اجتماعية وربما نفسية.
هذا السلوك المعاكس لا يؤدي إلى الانزعاج الجنسوي والغالبية العظمى من المراجعين البالغين لا يشيرون إليه أو إلى أي سلوك مضاد لهويتهم الجنسية في الطفولة. لا بأس من القبول بل وحتى الاحتفال بقبول الترنسجندر في البالغين ولكن تعميم هذه الظاهرة على الأطفال لا يساعد الطفل نفسيا واجتماعيا والتصريح به بصورة غير مباشرة عن بعض الشخصيات الفنية لا يخلو من الحماقة (انظر الصورة أدناه).
ظهور الفنانة انجيلينا جولي مع ابنتها وانتشار الخبر بأنها ترانس جندر رجل عام 2015
الهوية الجنسوية للطفل قد تكون نتيجة تفاعل الحالة المزاجية للطفل مع صفات وسلوك الأبوين. ربما يلعب غياب الوالد عن البيت لأسباب عدة دوره في هذه الظاهرة أو تربيته في بيئة لا تلبي احتياجاته وتؤدي إلى اجتهاده بالحصول على هوية جنسوية مضادة من أجل التأقلم مع من حوله وكسب رضاهم. المجتمع عموما يتقبل الفتاة التي تلعب كالذكر Tomboy ولكنه لا يتقبل الذكر الذي يلعب كالأنثى Sissier وهذا بدوره لا يفسر الانزعاج الجنسوي ولا علاقة بين الاثنين.
العوامل البيولوجية والوراثية لا تفسر هذه الظاهرة وفشلت كذلك في تفسير المثلية إلى الآن. معظم الدراسات الوراثية في حقول الأقليات الجنسية هي من نوع دراسات الترابط Linkage studies والعينات المستعملة صغيرة ونتائجها غير حاسمة على أكثر تقدير.
يمكن تتبع موضوع الهوية الجنسية وعلاجها بالهرمونات إلى منتصف الأربعينيات حين استعمل أخصائي الغدد الدرقية الدكتور هاري بينجمان الأستروجين لعلاج ترانس جندر امرأة بعد استشارته من قبل كنسي Kinsey أخصائي الاضطرابات النفسية الجنسية. بعدها نشر كتابه عن الظاهرة في عام 1966 وانتشر المفهوم تدريجيا1.
يقول: المولع بملابس الجنس الآخر يعاني من مشكلة اجتماعية، الترانس جندر يعاني من مشكلة هوية جنسوية، والمثلي يعاني من مشكلة جنسية
أضافت الإنترنت بعداً آخر لموضوع الترانس جندر. في الوقت الذي كان المراجع يستشير أكثر من طبيب للحصول على الهرمونات تحت مراجعة طبية منتظمة، يصل المراجع هذه الأيام إلى المركز الطبي النفسي وهو يستلم الهرمونات عن طريق عالم الفضاء. رغم كل القيود الموجودة على بيع وشراء المستحضرات الكيمائية عن طريق عالم الفضاء فإنها تجارة يصعب مراقبتها وتعميمها على جميع المواد لا يثير اهتمام الجهات المسؤولة التي تكثف الجهود لملاحقة تجارة المخدرات.
ثم ظهرت صورة الحاصل على ميدالية ذهبية أولمبية على صفحة مجلة معلناً تحوله من رجل إلى امرأة تحت اسم كتلين جيمس. انتشر المفهوم كالفيروس بعد ذلك. ولكن وجود 72 نوعاً من الهوية الجنسوية على كوقع الفيس بوك ساعد على تطبيع الظاهرة وتقبلها من الجيل الجديد المرتبك في عصرنا هذا.
"لم أفعل ذلك لكي أثير الإعجاب. فعلت ذلك لأني أريد أن أعيش"
مقولة الأولمبي الذهبي والصورة التي انتشرت عالمياً
دور المواقع الاجتماعية في تعميم نظرية سيولة الهوية الجنسوية لا تنفع الجيل الجديد والقول بأن التصنيف الجنسي لرجل وامرأة فقط متصلب ولا يتلاءم مع العصر الحديث لا يسهل القبول بها. هناك أشبه بحركة سياسية تنتشر في المؤسسات التعليمية وكأنها نضال عالمي جديد لا يركز إلا على الهوية الشخصية ومعاناة الفرد بسبب ذلك.
لا يمكن القول بأن الإنسان الذي يعرف نفسه بالسيولة الجنسوية قد حقق انتصاراً على التقاليد الاجتماعية في أية ثقافة وحضارة حيث أصبح كل شيء فيها قابلا للعرض كفيلم سينمائي على شاشة الجسد والكمبيوتر تعبيراً عن عدم الرضى والغضب سواء كان ذلك بالوشم أو عمليات التجميل أو تبديل الهوية الجنسية. ليس هناك إنسانا لا يخلو من ارتباك داخلي في أعماق نفسه ولكن ليس كل ارتباك يحتاج إلى تعريف ومنزلة اجتماعية وتشخيص طبي نفسي أو نظرية نفسية. يستحدث الفرد ما يشاء هذه الأيام ويصر على أن العالم يجب أن يقبل به. هذا هو العصر الحديث.
ولكن كيف يجب التعامل مع الترانس جندر في العالم العربي؟
إن تنكر وجودها فهذه حماقة لا تغتفر فالظاهرة قديمة جداً ومعروفة وموجودة الآن. تطبيبها وكأنها اضطراب نفسي وأخلاقي لم ينجح عالميا ولن ينجح في العالم العربي. ولكن كخطوة أولى يجب على الطب العربي النفسي مناقشتها وإصدار توجيهات للتعامل معها في الممارسة المهنية بدون إصدار أحكام أخلاقية على الأقليات الجنسية فهذا خارج اختصاصه.
المصادر:
1- Benjamin, H. (1966). Transsexual Phenomenon: A scientific report on transsexualism ad sex conversion in the human male and female. The Julian Press Inc.
3- Lev, A (2004). Transgender emergence: therapeutic guidelines for working with gender variant people and their families. Howarth Clinical Practice Press. New York.
واقرأ أيضاً:
خلل الهوية الجنسية Gender Disorders/ التحول الجنسي بين الطب والدين