الصرع عام ٢٠١٦

يصادف يوم ٨ فبراير اليوم العالمي للصرع. يعرف الصرع هذه الأيام بمرض عصبي وليس اضطرابا طبيا وهو واحد من أكثر الأمراض المزمنة انتشاراً في جميع أنحاء العالم. الصرع له تاريخه وعرفته البشرية من أكثر من ٤ آلاف عاماً وعانى البشر المبتلين به من تمييز المجتمعات ضدهم وتم اختراع مختلف الخرافات وأساليب الشعوذة لمعاملتهم. هذا التمييز ضد المرضى المصابين بالصرع لايزال منتشرا وخاصة في عالمنا العربي والإسلامي. الغاية من هذا المقال عرض بعض التطورات في تعريف المفهوم ودراسته وعلاجه.

تعريف الصرع
هناك مصطلحان لا بد من التمييز بينهما في تعريف الصرع. المصطلح الأول هو نوبة صرعية والثاني الصرع. النوبة الصرعية هي حدوث علامات وأعراض عابرة بسبب كثرة الفعالية أو نشاط مزامن عصبوني في الدماغ. هذه الفعالية العصبونية هي من خلايا الدماغ ويتم ملاحظتها بزيادة تسجيل الفعالية الكهربائية للدماغ.

الصرع هو مرض يتميز بديمومة الميل إلى توليد نوبات صرعية وعواقبها البيولوجية العصبية، المعرفية، النفسية والاجتماعية بسبب هذه الحالة. لتسهيل تعريف الصرع يمكن القول بأن حدوث نوبتين تبعد الواحدة عن الأخرى بأكثر من ٢٤ ساعة ولا يمكن تبريرهما طبيا.

لم يتغير تصنيف الصرع منذ فترة طويلة ولا تزال مهمة الطبيب بعد فحص مريضه أن يقرر ما يلي:
١ - هل النوبات التي يشكو منها المريض صرعية؟
٢ - ما هو نوع الصرع؟
٣ - ما هو السبب؟

هذه الأسئلة الثلاث لا بد أن يجيب عليها الطبيب وإن كان لا يتطوع بإعلام مريضه فعلى المريض توجيه الأسئلة بالترتيب. تشخيص الصرع يستند على الفحص السريري ودراسة وصف شاهد للنوبة الصرعية. هذا التشخيص له عواقب اجتماعية ومهنية وصحية ومنها ربما تعاطي عقاقير مضادة للصرع طوال العمر.

نوع الصرع في غاية الأهمية لاختيار العقار الصحيح. لم يتغير تصنيف الصرع منذ مدة طويلة وهو:
١ - صرع معمم يولد من جانبي الدماغ.
٢ - صرع جزئي يولد من جانب واحد.

أما سبب الصرع فهناك عدة عوامل لابد من توضيحها للمريض والتي تساعده لفهم مرضه وعلاجه وتخطيطه للمستقبل.

وبائيات الصرع
دراسة وبائيات أي مرض عملية في غابية الأهمية من أجل تنظيم وتخطيط الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية في البلد وهناك مصطلحان في غاية الأهمية:
• وقوع المرض Incidence ونعني به الحالات الجديدة خلال فترة زمنية معينة (عام واحد) في١٠٠ ألف نسمة.
• وهناك انتشار المرض Prevalence وهو عدد المصابين بالمرض في أي وقت ويتم التعبير عنها لعدد في كل ألف نسمة.

الدراسات الميدانية في العالم العربي والشرق أوسطي عموما والعالم الثالث تتميز بغيابها والمنشور منها ضعيفة ولذلك من الأفضل الحديث عن الدراسات في العالم الصناعي المتقدم أولا من أجل المقارنة.

هناك ٤٨ حالة جديدة في كل ١٠٠ ألف نسمة سنويا. الرقم أعلى في الأطفال وكبار السن1. إذا تم تعميم ذلك على حياة الإنسان فيمكن القول بأن واحداً من كل ٢٦ مواطنا سيصاب بالصرع يوماً ما. أما عدد المصابين بالمرض (انتشار الصرع) فهناك ٧ أفراد مصابين بالصرع في أي وقت وإذا تم تعميم ذلك على مدى العمر فالرقم سيكون ١٦ في كل ألف نسمة. يبلغ عدد سكان المملكة المتحدة ٦٤ مليوناً وهناك ٦٠٠ ألف مريضاً بالصرع. بعبارة أخرى هناك مريض واحد في كل ١٠٣ نسمة.

ليس من السهل إحصاء عدد المصابين بالصرع عالميا واستنادا إلى تقديرات الأمم المتحدة3 المستندة إلى معلومات وصلتها من ١٠٨ بلداً (٨٥.٤٪ من سكان العالم) فالعدد هو يقارب ٤٤ مليون نسمة. الرقم الحقيقي ربما يقترب من ٥٠ مليونا وربما أكثر من ذلك.

انتشار الصرع في البلدان المتقدمة يقارب ٦ في كل ألف نسمة. أما في بلاد العالم الثالث فالرقم يزيد على ١٠ في كل ألف في المدن وأكثر من ١٥ في كل ألف في المناطق الريفية.

أما البحوث من العالم العربي2 فهي ضئيلة العدد وضعيفة ويمكن ملاحظة التناقضات في الأرقام. وقوع الصرع استنادا إلى إحصائيات المستشفيات في قطر هو ١٧٤ في ١٠٠ ألف. أما انتشار الصرع في السودان فأقل من واحد في ألف والعربية السعودية يقترب من ٧ في ألف. يتضاعف الارتباك أكثر في تصنيف الصرع فتكون الأرقام حول نسبة أنواع الصرع كما يلي:
١ - الصرع الأولي العام ٢٨ – ٩٧٪.
٢ - الصرع الجزئي ٣- ٤٣.٨٪
٣ - الصرع غير المصنف ١٨ -٥١٪.
٤ - الصرع مجهول السبب ٧٣.٥ – ٨٢.٦٪.

هذه الأرقام تكشف لنا بأن هناك مشكلة في تصنيف الصرع ودراسته في العالم العربي. جميع الدراسات تنشير إلى أن الصرع أكثر انتشارا في دول العالم الثالث كما هو موضح في الخريطة أدناه وهناك حاجة ماسة إلى دراسات يمكن الوثوق بها في العالم العربي.

 علاج الصرع

لا تزال العقاقير تشكل العمود الفقري لعلاج الصرع. والجدول أدناه يوضح جميع العقاقير المختلفة المتوفرة حاليا لعلاج الصرع. علاج الصرع بالعقاقير يتطلب رعاية فعالية العقار وإرشاد المريض حول خطورة وقف العلاج.

عقار الصوديوم فالبرويت هو أكثر العقاقير استعمالا في جميع أنحاء العالم ولكنه عقار ماسخ ولا بد من توخي الحذر في وصفه للإناث. لا يزال العقار يصنف كعقار مضاد للصرع من الجيل الأول مع كارباميزابين وفينيتوين. أما عقاقير الجيل الثاني فالكثير منها يضاف إلى عقار من الجيل الأول ويفضل استعمالها في النساء الحوامل.

يتم السيطرة على الصرع في الغالبية العظمى من المرضى وأهداف العلاج دوما:
1- السيطرة التامة الكاملة على المرض.
٢ - تجنب استعمال أكثر من عقار واحد إن أمكن.
٣ - توعية المريض حول الأعراض الجانبية للعقار.
٤ - حمل المريض لبطاقة تفصل علاجه. 

جراحة الصرع
جراحة الصرع Epilepsy Surgery تتميز عن غيرها من جراحات الجملة العصبية بأن الفحوص التي تسبق التدخل الجراحي معقدة وتستغرق عدة أشهر أحيانا وكل ذلك من أجل تحديد البؤرة الآفية التي تولد النوبات الصرعية التي لم تستجيب للعقاقير. يتم اللجوء للجراحة في وقت مبكر هذه الأيام مع تحسن التكنولوجيا الجراحية في المرضى الذين يعانون من الصرع الجزئي المركب وتؤدي إلى الشفاء في ما لا يقل عن ثلاثة أرباع المرضى.

نقاش عام
أصبح مرض الصرع اختصاصا طبيا بمفرده الاآن وتم كشف أسبابه ووراثته وتطور علاجه بالعقاقير والجراحة. كذلك تطورت الخدمات الطبية والتعليمية والاجتماعية التي يجب تقديمها للمرضى المصابين بالمرض وهناك تحديا واحدا يواجه الطبيب المعالج للمرض وفريقه وهو السيطرة التامة على الصرع وضمان أن يعيش المريض حياته بصورة طبيعية بدون عواقب المرض. لا توجد اليوم وصمة عار يحملها المريض المصاب بالصرع.

لكن عالمنا العربي لا يزال متأخرا في تقديم كافة أنواع الخدمات للمرضى والقيام ببحوث ميدانية لدراسة انتشار المرض في المجتمع. البحوث الصادرة من العالم العربي لا تقترب من البحوث الصادرة من دول العالم الثالث مثل أمريكا اللاتينية.

هناك حاجة ماسة لتطوير الخدمات الصحية بأنواعها للمرضى المصابين بالصرع واستحدث جمعيات خيرية وطنية تسعى لتثقيف المرضى والجماهير ومراقبة التمييز الاجتماعي ضدهم والحرص على توفير الخدمات اللازمة في جميع مراحل الحياة. ليس هناك مدرسة ابتدائية في بريطانيا لا تستقبل أحد الباحثين في مجال الصرع للحديث مع الأطفال حول هذا المرض وليس هناك أية وصمة يحملها المريض الآن. يدرس ويعمل ويتزوج حاله حال بقية البشر.

ساهمت الجمعية الوطنية للصرع National Society for Epilepsy وجمعية الصرع البريطانيةBritish Epilepsy Association وهي جمعيات خيرية، في جمع التبرعات والحصول على التمويل الحكومي بين الحين والآخر لضمان تقديم كافة أنواع الخدمات للمرضى ولعبت دورها الكبير في تمويل البحوث العلمية. لا يدير هذه المؤسسات أطباء أو علماء وإنما مواطنين هدفهم عمل الخير.

هناك حاجة ماسة أيضاً لاستحداث اختصاص ممرضة صرع Epilepsy Nurse من أجل متابعة المرضى في المجتمع وتثقيفهم حول الصرع وضمان حصولهم على العناية الطبية التي تسد احتياجاتهم من قبل مختلف الاختصاصات.

ليس من المبالغة القول بأن رقي خدمات مرضى الصرع يعكس رقي المجتمع حضاريا وعلميا وأخلاقيا.

المصادر: 

1- Bell G, Neligon A, Sander J (2014): An unknown quantity- the worldwide prevalence of epilepsy. Epilepsia 55(2): 958-962.
2- Benamer h, Crosset D (2009): A systematic review of the epidemiology in Arab Countries. Epilepsia 50(10). 2301-2304. 
3- Epilepsy Atlas (2005): World Health Organization. Geneva.  

واقرأ أيضًا: 
الصرع.. أما آن الأوان أن نغير هذا المصطلح؟ / صرع الفص الصدغي / الصَرْع Epilepsy