حدث من قبل أن كان الطب فريسة للديكتاتورية.. ويحدث الآن أيضا!
تلوَّثت الممارسة الطبية في ظل الأنظمة الديكتاتورية بالدم. لقد تبنَّت النازية على سبيل المثال النظرة العلمية المجردة تماما من القيم والغايات الإنسانية النبيلة فنتج عن ذلك أن وهب ذلك النظام الصحة والسلامة لشريحة من الناس يستفيد منهم بشكل مباشر، وأنزل الموت بآخرين رأى أنهم عبء وعالة عليه. ونحن في مصر رغم ما يبدو بأننا بعيدون عن التكرارية السخيفة للتاريخ إلا أننا نرتكب أخطاء مماثلة ترتدي ثياب العصر ليس إلا!
ارتبطت الديكتاتورية عبر التاريخ بالتدهور في أخلاقيات مهنة الطب التي سخرت للقتل والتجارب المجرمة على البشر. اليوم رأينا النظام يُجِّند أطباء كبارا نسوا أبسط أخلاقيات العلم والطب كي "يخدِّموا" على اختراع لم يُخْتَرَع ولم يُخْتَبر، ورأينا مرض الالتهاب الكبدي الفيروسي ورقة لعب سياسية في يد النظام المتعطش لشعبية رخيصة. كانت المتاجرة السياسية بأكباد المصريين للترويج لكفتة عبد العاطي أكبر ضربة قاصمة للطب في مصر.
غياب العدالة في الإنفاق على الصحة مقارنة بالتسليح أو تدني الإنفاق الصحي على المدنيين في مقابل ارتفاع الإنفاق الصحي على العسكريين الذين ينعمون حاليا بدفء العلاقات مع العدو التاريخي ما زال آفة تميز كل نظام عسكري، ثم تنسى الحكومة أنه في ظل أزمة الدولار ينبغي عليها ضخ المزيد من الأموال للإنفاق على الخدمات الصحية وسوق الدواء بخاصة الذي يشهد هزة خطيرة اختفى 4000 آلاف صنف من 12 ألف دواء (كنتيجة مباشرة لأزمة الدولار) هي عدد الأدوية الكلي في السوق المصري طبقا للتصريحات الرسمية لوزير الصحة؛ لكن الحكومة تعلن ببجاحة عن عدم رفع الإنفاق على الصحة والتعليم.
أوليست المستشفيات العسكرية بما فيها من علاجات مستوردة ومتميزة وبما يتوافر لها من إمكانيات فارقة عن بقية مستشفيات مصر العامة أو الجامعية التي يفترض أن تقدم فيها الخدمة الطبية لأفراد الشعب تكريسا لمفهوم الصحة الطبقية أو الفئوية بالأحرى، وللتمييز بين المواطنين على أساس مصالح طبقة بعينها؟ الطبقية حاضرة منذ البداية والتي لا يمكن إنكارها في ظل تدني الدخول وارتفاع ثمن الخدمات الصحية الخاصة التي تبدو اكثر آدمية.
من المخزي استخدام الأطباء في السجون والمعتقلات كأدوات تعذيب بطيئة عن طريق الإهمال في الحالات الصحية المستحقة للعلاج والمتابعة وتأجيل العمليات الجراحية بدون مبرر طبي (وهنا أزدري كل طبيب كان جزءا من أو مسئولا عن هذه الجرائم حتى لو كان امتثالا لأوامر السلطات الأعلى) بل وجعل السجون المزدحمة الرطبة التي أُخذت منها المراوح بأوامر من إدارات السجون بيئة خصبة لتكاثر الأمراض المعدية وللإصابة بالإجهاد الحراري الذي أودى بالفعل بحياة ما يزيد عن 100 مصري العام الماضي.
كل هذه الجرائم الطبية بحق هؤلاء السجناء السياسين المتهمين بالعمالة وقلب نظام الحكم وغيرها من التهم السياسية المضحكة المبكية التي تغلّف عمليات الاعتقال السياسي أراها وكأنها نوع مصغر من الإبادة والإفناء لشريحة من المصريين رأي النظام الحاكم حاليا أنها غير لائقة سياسيا ولا تمت للهيئة المعتمدة للمواطنين الشرفاء لديه كما رأت الديكتاتورية النازية من قبل أن هناك شريحة من الألمان غير لائقة عقليا وبدنيا وهم المصابين بأمراض مزمنة كالفصام والصرع والتصلب المتناثر والشلل الرعاش والمعوقين وأصحاب التشوهات الخلقية فكان مصيرها أن تخلصوا منهم بما يسمى بـ "القتل الرحيم الموضوعي".
نعم هكذا يخبرنا التاريخ تلوَّثت الممارسة الطبية في ظل الأنظمة الديكتاتورية بالدم على أن الطب المغدور به بين قدمي الاستبداد هو جزء لا يتجزأ من أزمة العلم في ظل الاستبداد ولهذا حديث آخر.
واقرأ أيضاً:
حذاء فان كوخ... أو كمال هكذا التطبيع !/ المؤامرة الإيطالية على مصر/ خوف الرصاص من الهتاف!/ العدالة الاجتماعية والطب النفسي/ الفيل العربي الأبيض والمواطن العربي