نظرية المؤامرة Conspiracy Theory على هامش كارثة رحلة المصرية ٨٠٤
تم كتابة هذا المقال يوم ٢٢ مايو وفي ذهن كاتبه ضحايا هذه الكارثة وذويهم. هناك من الشباب من هم في عمر الزهور وهناك من ترك خلفه أطفاله ورحمة الله عليهم أجمعين.
كان حادث سقوط الطائرة المصرية رقم ٨٠٤ كارثة بكل معنى الكلمة ولا أحد يعرف السبب الى الان. المعلومات عن رحلة الطائرة من باريس الى القاهرة قليلة وتتصدر الاخبار لفترة زمنية قصيرة ولكنها لا تساعد على الوصول الى استنتاج سليم حول أسباب الكارثة والتي تنحصر في تفسيرين:
التفسير الأول هو عمل إرهابي
التفسير الثاني خلل فني في الطائرة
لا أحد يعلم سبب سقوط المصرية ٨٠٤ إلى وقت كتابة هذه السطور
منذ الأيام الأولى والقاهرة تشير إلى التفسير الأول وباريس تشير إلى التفسير الأول والثاني. أقلعت الطائرة من باريس وبالتالي أي عمل إرهابي لابد أن يكون مصدره مطار شارل ديغول. هناك بعض الشكوك حول ولاء العاملين في هذا المطار منذ فترة ليست بالقصيرة ومنذ أحداث بروكسل هذا العام ولكن فرنسا تصر بأن الاحتياطات الأمنية في المطار لا غبار عليها رغم أن فترة تفتيش الطائرات لا تزيد على ٤٥ دقيقة فيه. إذا كان العمل إرهابيا فالمسؤولية تقع على عاتق السلطات الفرنسية.
ثم جاء الخبر الغريب بأن كان هناك حريقا في الطائرة وفي عدة مناطق فيها ولعدة دقائق قبل اختفائها. الخبر القادم من أوربا يوحي بصورة خفية بأن هناك عطلاً ميكانيكيا في الطائرة التي يقارب عمرها ١٥ عاما ومحاولة إسقاط اللوم على مصر رغم أن الحجة غير مقنعة تماما.
ما يمكن أن تستنجه بأن السلطات الفرنسية والأوربية تقول بصورة غير مباشرة بأن الطيران المصري لم يحسن صيانة الطائرة. هذا بصراحة ما يعني هذا الخبر ولكنه لا يفسر لماذا لم يرسل كابتن الطائرة إشارة طارئة؟ يقول لك البعض بأنه أصيب بنوبة هلع رغم خبرته. ولكن إذا كان الأمر كذلك فلابد من توقيف طيران أكثر الطائرات استعمالا في أوربا هذه الأيام وهي أيرباص A320 ولكن ذلك لم يحدث. يضاف إلى ذلك لا يوجد تاريخ مشابه لحريق شب في طائرة واختفت بهذه الصورة.
مع غياب السبب يتم فتح الأبواب للتكهنات المتعددة وبالتالي إلى ما نسميه نظرية المؤامرة. منذ يوم الكارثة وإلى الآن امتلأ الإعلام بنظرية بعد أخرى تصب اللوم على كل حكومة عربية وإسرائيل وهيلاري كلنتون وغيرهم.
الأحداث ونظرية المؤامرة
هناك الكثير من الأخبار عن كارثة صناعية أو طبية أو اقتصادية التي تتصدر الأخبار بين الحين والآخر. أول ما يبادر ذهن المواطن بأن السبب هو إهمال أو تقصير في أداء واجب المسؤولين. في حالة كارثة المصرية ٨٠٤ سيكون هذا الإهمال إما فرنسيا أو مصريا.
ولكن هناك من الناس من يبادر إلى وضع الكارثة في إطار واحد وهو ما نسميه إطار المؤامرة. ما يعني ذلك بأن الحدث لم يكن قضاء وقدر وإنما تم التخطيط له من قبل بعض الجهات.
تميل الغالبية العظمى من الناس إلى التفسير الأول ولكنها أيضا تستمع إلى التفسير الثاني. يبدأ التفسير الثاني وهو نظرية المؤامرة بالتسلط مع غياب الاستنتاجات القاطعة ليضع حدا للتوتر المعرفي الذي يصيب الإنسان مع أخبار الكوارث. تنتشر نظرية المؤامرة هذه الأيام بسرعة بفضل الفيس بوك والتوتير ومختلف المواقع الاجتماعية. تساهم وسائل الإعلام والأوساط الفنية أحيانا في انتشار نظرية المؤامرة من جراء بحث إعلامي تلفزيوني أو عمل فني في السينما أو التلفزيون.
|
الباروكستين: مضاد للاكتئاب ولكن سيء السمعة |
لا تقتصر نظرية المؤامرة على الكوارث وإنما على أحداث عالمية. لا يزال بعض الناس يتصور بأن نزول الإنسان على القمر كان مجرد مؤامرة لتضليل الناس ومصرع الأميرة ديانا مؤمراة دبرتها المخابرات البريطانية وغير ذلك. أما في عالم الطب فهناك أكثر من نظرية عن مؤامرات شركات الأدوية العملاقة في إنتاج لقاح MMR والعقاقير المضادة للاكتئاب.
الأبعاد النفسية لنظرية المؤامرة
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل نظرية المؤامرة ظاهرة صحية أو غير صحية؟ الجواب هو أنها ظاهرة صحية لأن لكل إنسان الحق بأن يضع علامة استفهام حول أي تفسير يأتي من جهة مسؤولة لديها القوة والسلطة. الجهات المسؤولة في جميع أنحاء العالم سواء في الغرب أو الشرق تبادر وبسرعة إلى اتهام من لا يقبل تفسيرهم بأنه التجأ إلى استعمال نظرية المؤامرة ولأنه مواطن يميل إلى استعمال العملية الزورانية الذهانية لتفسير الأحداث.
كذلك يجب الانتباه إلى أن الناس تميل إلى استعمال نظرية المؤامرة في حال وجود هلع أخلاقي. لا يقتصر ذلك فقط على المجتمع وإنما على المجموعات الصغيرة المختلفة في جميع قطاعات الحياة.
هذا الكلام لا صحة له ولا يوجد أي دليل علمي يشير إلى أن الإنسان الذي يستعمل نظرية المؤامرة يختلف عن غيره من البشر. ولكن هناك نتائج غير مقبولة لكثرة استعمال نظرية المؤامرة وفي مقدمتها كان انخفاض استعمال لقاح الـ MMR في الأطفال بحجة علاقته بالتوحد وبالتالي انتشار وباء الحصبة. كذلك هناك نظرية المؤامرة من قبل المتطرفين ومنع تلقيح الأطفال بلقاح شلل الأطفال في باكستان. أما استعمال نظرية المؤامرة لتفسير اختفاء القيس بريسلي ومصرع الأميرة ديانا ودودي الفايد فهو لا يضر أحدا من قريب أو بعيد.
المؤامرة مقابل نظرية المؤامرة
المؤامرة غير نظرية المؤامرة. مصطلح المؤامرة مشتق من اللاتينية ويعني التنفس معا Breathing Together. تحدث عنها ميكافيلي في عام ١٨٣٥ وأوصى بها للتخلص من السلطة الغير شرعية. أما نظرية المؤامرة فهي عكس ذلك وتعني ضمنا مؤامرة لا وجود لها. ولكن ليس كل نظريات المؤامرة تعني بأنها غير صحيحة وخير مثال على ذلك هو حوادث إيران كونترا أيام الحرب العراقية الإيرانية واتفاقية سايكس بيكو حول تقسيم العالم العربي وربما أكثرها شهرة هو قضية لافون Lavon Affair.
هناك بالطبع من نظريات المؤامرة تملا أجواء الأنترنت ولا صحة لها أحدها وجود شخص يهودي عمل على قيام الربيع العربي وبأن بعض العائلات الحاكمة في العالم العربي هي من أصل يهودي وغير ذلك ولا تستحق الكتابة عنها.
يقول وليم جيمس بأن فن الحكمة هو أن تتعلم ما هو الذي يجب أن تتغاضى عنه. الإنسان هو الوحيد القادر على التغاضي عما يجب أن يتغاضى عنه أو لا يتغاضى عنه.
واقرأ أيضاً:
جمهورية مصر الإسلامية / سلطان هذا الزمان بين مرسي وسيرة عثمان / من سينقذ مصر؟ / البحث عن قائد للشعب / الديمقراطية على أكتاف روبرت وعبد الفتاح