(سلسلة أسبوعية تبحث في أساليب العبث بالعقل وتغيير الوعي المعرفي وتحريف القناعات).
مقدمة:
في ريعان الشباب تتفتح تجارب مختلفة، وتزهر خبرات متنوعة، وأذكر في تلك الفترة حين كان بعض من الزملاء الذين أعرفهم في الفترة الجامعية الأولى يبذلون الجهد في البحث عما يعزز "نسيانهم" كنت أخبرهم على الدوم بأنني سابحث عما يعزز "تذكري" فأقول لهم:
"على قدر رغبتكم بالنسيان على قدر رغبتي بالتذكر"، وعندما كان يسعى البعض "ليخدروا" عقولهم كنت أسعى بكل الجهد لجعل هذا العقل "يقظ"، وأقول لهم: "تبحثون عن كل ما قد يخدر عقولكم وأبحث عن كل ما يوقظ عقلي"، وكالعادة في خضم هذه الحضارة نجد أن مصادر توفير الهوى والشهوات تفوق بكثير مصادر العلم والتعلم، ورغم نعمة اليقظة العقلية وعمق المعرفة فهذا لا يمنع أن يكون لها بعض الآثار الجانبية، فكما لمواد خدران الوعي آثار جانبية، فمواد اليقظة لها آثار جانبية أخرى، وكما تصنع المؤثرات العقلية اعتياداً جسدياً ونفسياً، فكذلك قد نجد للمؤثرات المعرفية - إن جاز التعبير- اعتياداً نفسياً وجسدياً.
وخلال هذا المبحث لن أتطرق للمواد المخدرة كما قد يبدو من المقدمة، ولكنني سأتطرق لمواد اليقظة وتعزيز الوعي والمعرفة، وخاصة تلك التي تعبث بالعقل، وتحور تفكيره، وتحرف أنماط قياسه واستدلاله.
إذاً فهي سلسلة عن العقل، تلك الوظيفة الدماغية الفريدة، وكيف من الممكن أن يتم العبث به، والاحتيال عليه، وعندما يتم ذلك فستتغير أساليب إدراك هذا العقل فلا يعود ليحكم على الأمور إلا من خلال طرائق وأدوات غير دقيقة، فعلى سبيل المثال لو أراد أحدنا أن يسير في طريق مستقيم من نقطة أ إلى نقطة ب، لكن خلال بداية مساره انحرف بزاوية حادة بسيطه بمقدار ١٠ درجات على سبيل المثال فسيجد أن الطريق الذي سلكه أوصله للنقطة ج بدل النقطة ب،. فأي انحراف ولو بسيط في المسار سيجعل الشخص يصل لمكانٍ آخر، وهذا ما يحدث لعقولنا، فعندما تُحرّف أساليب وعينا وإدراكنا ومقاييسنا العقلية فسوف نصل دائماً للنقطة ج بدل النقطة ب، لكن في المسير على القدمين سننظر حولنا ونعي أننا انحرفنا عن الطريق؛
ما في مسير العقل والوعي فعلى الأغلب أنه سيشكل علينا الأمر ونظن أننا وصلنا إلى النقطة الصواب، ولا ندرك خطأ مسارنا إلا بعد زمن، أو حتى قد لا نعي ذلك أبداً، فالمسارات العقلية تختلف عن الطرق البرية فليس فيها إشارات التحذير، ولا يتخللها إدراك لوجود المنحدرات وأخطاء المسار والطريق إلا بعد ان تكون قد وقعت فيها فعلاً.
ويتبع >>>>: العبث بالعقل: الحلقة٢
واقرأ أيضاً:
ما هو الحزن؟ / ما هو فقدان الأمان؟ / صناعة الهدر