بين تقنين المخدرات، وتقنين ممارسة الجنس مع الحيوانات... وتقنين كل شيء...!!!
-١-
أثار البطل العالمي للملاكمة في الوزن الثقيل، البريطاني تايسون فيوري، لغطا بقوله إن الاغتصاب وممارسة الجنس مع الحيوانات ستصبح يوما نشاطات شرعية.. وقال فيوري في تصريحاته الأخيرة:
"أعتقد أنه سيكون من المألوف جدا في غضون 10 سنوات أن يقيم الناس علاقات جنسية مع حيواناتهم الأليفة كالكلاب والقطط وغيرها، لأن ذلك سيصبح مسموحا به قانونا".
-٢-
منذ فترة وأثيرت مشكلة المخدرات، وكثر الكلام حولها لدرجة تم عقد قمة استثنائية حول هذه المشكلة أبريل الماضي، ورغم أنه لم يتم تقنين المخدرات أو إباحة تعاطيها، غير أني توقعت أنه لن يمضيا وقت طويل حتى يتم تقنين المخدرات وإباحة تداولها وتعاطيها وسيتم تقنين المخدرات مثلما حدث مع الكحول.
كان أهم هذه السياسات المقترحة... لتقنين المخدرات. إلغاء التجريم. التوسع في سياسات العلاج بالبدايل، وإنشاء مرافق آمنة لتعاطي المخدرات، وإشراف الدول والحكومات على تجارة المخدرات وبيعها والاستفادة من عوائد بيع المخدرات في التنمية حسب كلام الداعين لهذا الكلام، لدرجة سبقت هذه القمة مظاهرات في كثير من الدول مثل أمريكا وفرنسا وإسرائيل وبريطانيا ودول أمريكا اللاتينية تدعوا لإنهاء الحرب على المخدرات، بزعم زيادة عدد الضحايا سواء في الحروب في المواجهات القائمة بين بعض الدول وعصابات الاتجار المنظم وكذلك زيادة عدد المسجونين في قضايا المخدرات. بالاضافة لانتشار وباء الايدز والفيروسات الكبدية، بالإضافة للخسائر الاقتصادية والأموال المرصودة لمحاربة المخدرات.
يتم الدعوة لتقنين المخدرات بالرغم من صدور تقرير دولي حديث يتحدث عن الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات (تشير التقديرات إلى حدوث ٠٠٠ ٢١١ حالة وفاة ذات صلة بالمخدرات سنوياً، والشباب خصوصاً هم الأكثر عرضة لمخاطرها. وبالإضافة إلى الوفيات المتصلة بالمخدرات، تشير التقديرات إلى أن ١٫٦ مليون من أصل ١٤ مليوناً من متعاطي المخدرات بالحقن في العالم، مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية، وإلى أن ٧،٢ ملايين من متعاطي المخدرات بالحقن مصابون بالتهاب الكبد الفيروسي من النوع سي، إضافة إلى ١٫٢ مليون شخص مصابون بالتهاب الكبد الفيروسي من النوع باء.
وخلصت دراسة علمية عالمية إلى أن عبء المرض الذي يُعزى إلى استعمال المخدرات كان جسيماً؛ ومن أصل ٤٣ عاملاً من عوامل المخاطرة، أتى تعاطي المخدرات في المرتبة التاسعة عشرة على قائمة أشد العوامل فتكاً على الصعيد العالمي بينما احتل الكحول المرتبة الثالثة والتبغ المرتبة الثانية (ويعد التبغ والكحول والمخدرات مواد إدمانية) وكان تعاطي المخدرات السبب السادس الأشيع للوفاة لدى من تتراوح أعمارهم بين ١٥ و ٤٩ عاما وهو ما يكلف ميزانيات الدول مبالغ طائلة).
-٣-
ذكرت أنه لن يمر وقت طويل حتى يتم تقنين المخدرات مثلما حدث مع الكحول وتم تقنينه.. وأصبح مسموحا بتداوله في جميع دول العالم.... وقبل أن أتكلم على مخاطر الكحول وكيف تم تقنينه وأصبح موجودا على الموائد وفي كل المناسبات إليكم هذه الحكاية:
- في الثلاثينيات من القرن الماضي صدر قرار فيدرالي أمريكي بمنع تصنيع ونقل وبيع الكحوليات.. أطلق علي هذا القانون (فولستد). وقد أعدت لتنفيذ هذا التحريم داخل الأراضي الأمريكية كافة وسائل الدولة وإمكاناتها الضخمة:
1. جند الأسطول كله لمراقبة الشواطئ، منعاً للتهريب.
2. جند الطيران لمراقبة الجو.
3. شغلت أجهزة الحكومة واستخدمت كل وسائل الدعاية والإعلام لمحاربة الكحول وبيان خطره وجندت كذلك المجلات والصحف والكتب والنشرات والصور والسينما والأحاديث والمحاضرات وغيرها وخلال ١٤ عاما كانت النتيجة زيادة معدل الجرائم المرتبطة بالكحول مثل السرقة - السطو - الاعتداء المسلح.... جرايم التهريب والرشاوي والرشاوي المقدمة لموظفي الدولة، وإحدى الدرسات تذكر بعض الأرقام من أرقام الجرائم والتكلفة.
- ويقدر ما أنفقته الدولة في الدعاية ضد الكحول بما يزيد على ستين مليوناً من الدولارات، وأن ما أصدرته من كتب ونشرات يبلغ عشرة مليار صفحة وما تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم لا يقل عن مائتين وخمسين مليون دولار، وقد أعدم في هذه المدة 300 ثلاثمائة شخص، وسجن 532,335 شخص، وبلغت الغرامات ستة عشر مليون دولار، وصادرت من الأملاك ما بلغ أربعمائة مليون وأربعة ملايين دولار، هذه الأرقام بلغة الثلاثينيات تساوي مليارت الآن من الدولارات، وبرغم كل ذلك وفي النهاية فشل القانون وتم تقنين بيع وتصنيع وتداول الكحول.
وجاء في تقرير الكحول العالمي ٢٠١٤ (وتعاطي الكحول على نحو ضار يسهم بقوة في عبء المرض العالمي، وهو ثالث عوامل الاختطار الرئيسية المتعلقة بالوفيات المبكرة وحالات العجز في العالم(4).
وتشير التقديرات إلى أن العالم شهد في عام 2004 وفاة 2.5 ًمليون شخص في العالم لأسباب تتعلق بالكحول، (في تقرير الكحول العالمي ٢٠١٤ عدد الوفيات بسبب الكحول ٣ مليون) بمن في ذلك 320000 شاب بين سن 15 و29 عاما. وتسبب تعاطي الكحول على نحو ضار في 3.8٪ من كل الوفيات في العالم في عام 2004، وفي 4.5٪ من عبء المرض العالمي، بمقياس سنوات العمر المفقودة المصححة باحتساب مدد العجز.
-٤-
لماذا فشل القانون... ولماذا تم تقنين الكحول.. برغم الآثار الناجمة عن ذلك.. ولماذا سيتم تقنين المخدرات-حسب زعمي- يوما ما؟؟ (بالمناسبة يوجد أكثر من ٢٢ دولة تبنت هذه السياسات الجديدة لتقنين المخدرات، مثل إلغاء التجريم، وإنشاء مرافق آمنة لتعاطي المخدرات.. وبيع الحشيش تحت إشراف الدول كما في بعض الولايات الأمريكية ودول أخرى...)
الكلام لابد أن يكون على الحضارة الغربية وهى التى تقود الحضارة البشرية الآن، وهى التي تتحكم في مصير العالم. وهى التي تضع السياسات ويتبعها العالم كله هى التي تحلل، وهى التي تحرم وهى التي تملك كل أنواع القوى. أما الضعفاء والذين لا ينتجون ولا يؤثرون في مسيرة البشرية فلا عزاء لهم. فكما قال ابن خلدون (إن المغلوب ينزع إلى تقليد الغالب)
الموضوع له علاقه بالفلسفة الغربية ونظرتها للإنسان... الموضوع له علاقة بالتصور الغربي للحياة وللكون وللإنسان...
-٥-
منذ قرون وبعد نظرية دارون في التطور وانقلبت موازيين كثيرة في الحياة الغربية. فكما يقول جوليان هكسلي وهو من علماء الدارونية الحديثة "بعد نظرية دارون، لم يعد الإنسان يستطع تجنب كونه حيوانا" نظرية دارون أعطت إيحائين متصاحبين، الإيحاء بالتطور الدائم، ولا ثبات لشيء (لا ثبات لقيم، أخلاق، مرجعيات، أفكار..) والإيحاء الثاني وهو حيوانية الإنسان وماديته بإرجاعه إلى الأصل الحيواني من ناحية، ومن ناحية أخرى إرجاع القوة المؤثرة فيه إلى القوة المادية فقط ولا اعتبار لغير ذلك...
-٦-
من ضمن النظريات التي أثرت في مسيرة البشرية -نظرية ماركس في الاقتصاد- وماركس صاحب مقولة (الدين أفيون الشعوب) وشيء ابتدعه الإقطاعيون لتخدير العبيد والطبقة الكادحة لعدم المطالبة بحقوقهم المسلوبة، وإغرائهم بالصبر على هذه الأحوال والرضى بها طمعا في الجنة في الآخرة...
نظرية ماركس في الاقتصاد ترى القوة المادية -الاقتصادية- أو رأس المال هى العنصر الفعّال في حياة البشرية فالعمليات الاجتماعية والمباديء والقيم والسلوك والسياسة وكل شيء إنما هى انعكاس لأسلوب الإنتاج في الحياة المادية، وحين نرسم دستورا للحياة البشرية، فهو محصور في نطاق "المطالَب الرئيسية للإنسان" وهى المأكل والمسكن والإشباع الجنسي. أي أن الدين والأخلاق والتقاليد في نظر ماركس إنما هى مثار للسخرية فالرسالات السماوية إنما هى وهم من أوهام البشرية فكما يقول "حقيقة العالم تنحصر في ماديته" والقيم عند ماركس-ومن بينها القيم الأخلاقية- إنما هى مجرد انعكاس للوضع الاقتصادي، ومن ثم لا وجود لها أصيل في حياة البشرية، فضلا عن كونها غير ثابتة، فهى متطورة.
باختصار كلام ماركس -لا دين- والدين أسطورة اخترعها أصحاب المصالح. وثانيا لا قيم ولا أخلاق، والحضارة الغربية لم تكن شيوعية مثل ماركس لكنها أخذت منه النظرة المادية للحياة، وإعطاء الجانب المادي الأهمية الأكبر، والمحرك الأساس لكل سلوك بشري. أدى هذا لاعتبار القيم الأخلاقية متطورة وغير ثابتة بمعنى ما كان ثابتا بالأمس ممكن أن يتغير اليوم أو الغد..بحسب رغبة الناس، أو بحسب رغبة المجالس الممثلة لهم...
-٧-
لوقت قريب كان التصور أن الأسرة تتكون من رجل وامراة وبينهما رباط ما وبعد أن تحلل الغرب من حتمية وجود رابط بين الأسرة وأصبح بإمكان أي اثنين عائشين مع بعض..صداقة مثلا أن يخلفا ويكونان أسرة طالما ارتضيا ذلك، ثم تحلل الغرب من التزامه أن تكون الأسرة من رجل وامرأة وأصبح الآن ممكنا أن تتكون الأسرة من رجل ورجل أو امرأة وامرأة. وأصبح معترفا بهذا الزواج ومسموحا به في معظم الدول الغربية بل وتوجد لهم كنائس تقنن هذا الزواج وتباركه...وأصبح معترفا بكافة حقوقهم.
-٨-
فرويد أخذ من دارون حيوانية الإنسان فعند فرويد -عند محاولته تفسير الحياه النفسية للإنسانية- ليست حيوانية فحسب ولكنها تنبع من جانب واحد وهو الجنس وهو الذي يسيطر على أفعال الإنسان. فغرائز الإنسان هى التي تحكمه وهى التى تسيطر على كل نشاطاته. والجانب المسمى الروح لا وجود له على الإطلاق.
أما العقل فهو موجود وهو طبقة من طبقات النفس وهو ما يسمى الوعي وهو الضابط لتصرفات الإنسان، ولكن أي نتيجة لوجود الذات الواعية EGO في كيان الإنسان وهى بين الطاقة الشهوانية Id (التي هى الحقيقة الباطنية للنفس في نظر فرويد) وبين الحقيقة الخارجية Super ego والذي كثيرا ما يغريها بأن تكون منافقة، مخادعة، نهازة للفرص كالسياسي الذي يرى الحقائق ولكنه يحب أن يحافظ على مكانته بين الجماهير.
ومن ثم فالقيم في نظر فرويد هى خرافة، وضحك على الذقون! والأبشع عند فرويد هو أن حقيقة الإنسان الباطنية Id ليست الطاقة الشهوانية فحسب؛ وإنما هي على وجه التحديد الطاقة الجنسية دون أي طاقة أخرى. عند فرويد الحياة كلها جنس ومنبثقة من الجنس، والجنس يبدأ مبكرا جدااا لا في مرحلة البلوغ والمراهقة وإنما من لحظة الميلاد، كل أعمال الطفل جنس، الرضاعة جنس، مص الإبهام جنس تحريك العضلات جنس، بل الطفل يعشق أمه بدافع الجنس، والطفلة تعشق أباها بدافع الجنس. باختصار يرجع تفسير فرويد الجنسي للسلوك البشري إلى:
أولا: أنه استمد من نظريات دارون النظرة الحيوانية للإنسان.
ثانيا: تلويثه للدين والأخلاق، فعند فرويد التسامي نوع من الشذوذ، والأخلاق تتسم بطابع القسوة حتى في درجتها الطبيعية، وأن الحضارة تتعارض مع النمو الحر للطاقة الجنسية، وأن الدين والأخلاق والحضارة تنشأ من الكبت الجنسي، والكبت الجنسي خطر على الكيان النفسي والعصبي لأنه يصيب النفس بالعقد والاضطرابات.
-٩-
في النهاية سيتم تقنين المخدرات مثلما تم تقنين الكحول وسيتم تقنين ممارسة الجنس مع الحيوانات مثلما تم تقنين المثلية الجنسية، وسيتم إشباع الملذات بدون ضابط طالما ظلت الحضارة الغربية هى التي في الصدارة، وطالما ظلت الحضارات الغربية والنظريات الغربية في علم النفس والاجتماع وفي الاقتصاد وفي السياسة هى المسيطرة الموجهة للبشرية، طالما وجدتتلك الفلسفات التي تحدثت عن "موت الإله"، كما هو حال فلسفة "نيتشه" ثم "موت الإنسان" كما هو الحال مع الفلسفة البنيوية، وما بعد البنيوية والتفكيكية، وتيار ما بعد الحداثة الذي يقوض كل المرجعيات الإنسانية الكبرى السماوية والوضعية، ويحول الإنسان إلى كائن هلامي متحلل من أي مرجعية أخلاقية أو فكرية.
واقرأ أيضاً:
اقتربت قمة الأمم المتحدة لتقنين المخدرات.. مصر إلى أين؟ / المخدرات وتدمير العلاقات الاجتماعية / الثقافة الجنسية، بين فكر الإنارة وفكر الإثارة