العبث بالعقل : الحلقة١١
"عندما ترى كل الأشياء بنفس الصورة، فهذا يعني أن ما تراه هو صورة واحدة مطبوعة في مخيلتك وذهنك، وليست الصورة الحقيقة لما يبدو أمامك" يوسف مسلَّم.
بدأنا منذ الحلقة الماضية في الحديث عن المبدأ الثاني من مبادئ تحريف الوعي والإدراك وهو على حد وصفنا مبدأ الطائرة الورقية ومدار الصاروخ، وكنا قد وصفنا سابقاً أن الطائرة الورقية إن طارت بغير توجيه تاهت وتحطمت، وأن الصاروخ لو ترك بغير حساب لقوة إندفاعه ومدىً يناسب دورانه لتاه وفقد اتجاهه وتوجهه، وهكذا العقل حين نطلقه في الفضاء دون حسبةٍ وحساب.
واتفقنا أن نبحث في هذا الباب بأخطاء التفكير والمغالطات المنطقية الأساسية المعتمدة في علم النفس المعرفي العلاجي، وسوف نتحدث اليوم بإذن الله عن رابع أخطاء التفكير حسب التصنيف وهو "التعميم الزائد".
ويعد التعميم الزائد إطلاقاً لحكم مطلق بسبب تجربة فردية أو محددة، مثل ما نراه من إطلاق أحكام للبعض عن أهل بلدٍ ما على سبيل المثال، ويكون حكمه مستقى من تعاملهم مع أحد أفراد هذا. البلد وليس كل أهله، لكن خطورة التعميم الزائد في عمقها تبدو من خلال تطوير اتجاهات نفسية أو اجتماعية من مثل التالي:
* تعميم فكرة العجز والفشل وزراعة ذلك في عقول شعب ما، كما نسمع من بعض العرب واتجاهاتهم حول هويتهم، وأنهم متأخرين ومتراجعين في كل شيء، وتسهم بعض البرامج الإعلامية، والنكات الشعبية في ترسيخ ذلك.
* تعميم العداء إتجاه الغرب مثلاً، أو لصنف من الاجانب، حيث يسخر الإعلام من العرب أو يطفي على المسلمين صبغة التطرف والرجعية، وهذا ما نراه في أفلام هوليوود، وأصبح حتى في المسلسات والافلام العربية، ولهذا التوجه شأن عظيم في تعميم نظرة العداء للغرب، وإضفاء صورة نمطية من مجتمعات كلا الجانبين.
إن التعميم الزائد عبارة عن سجنٍ لموضوعية الفكر والتفكير، وفتيل بالغ الخطورة لزيادة التطرف والتزمت بالإفراط أو التفريط على حد سواء. ومن أهم المحرشات لتطوير هذا الأسلوب من التفكير بعض القنوات الإعلامية، والمجتمعات العنصرية المغلقة، والتجمعات السكانية المحبطة لقلة الاهتمام والعناية وتوفير الخدمات، وأنظمة العمل الهرمية البيروقراطية.
ولذلك تحتاج الموضوعية وأمانة ودقة الرأي إلى توفر الصحة الإجتماعية، وتحقيق معدل جيد من نسب الرضى الإجتماعي، وبرامج مجتمعية، وإلا فإن الشعب الذي يعاني من مستوى عالي من التعميم، ما هو إلا شعبٌ مهزومٌ في داخلة، فإما أن يفرز مجتمعاً منطوياً معزولاً وخائفاً، أو سيكون مجتمعاً عنصرياً وعدائي.
واقرأ أيضاً:
ما هو الحزن؟ / ما هو فقدان الأمان؟ / صناعة الهدر