معضلة ومشكلة هذه الأيام في معظم بيوتنا، الآباء غاضبون من أبنائهم والأبناء غاضبون من آبائهم ويحدث التصادم بين الآباء والأبناء، الآباء يرفعون راية "العيال لا تحترمنا" ويعتبرون النقد لهم كراهية والأبناء يرفعون راية "أننا كبرنا ولنا شخصيتنا ونحن أحرار والآباء يظلموننا"، الآباء يقولون أن الأبناء يظنون أننا نظلمهم ولكننا نوجههم فتعالوا نحاول أن نفهم الموضوع.
* من وجهة نظر الآباء أنه يجب أن يطيعهم الأبناء ودائما الآباء يرون أنهم على حق وأنهم يفهمون أكثر من أبنائهم وعندما يجد الآباء أبناءهم يحيدون عن الطريق المرسوم في عقلهم (أي الآباء) يصابون بالذعر وأمثلة لذلك طريقة قصة شعر غريبة، بنطلون ساقط، ألفاظ سيئة، أصدقاء فاسدين، دخول وخروج من البيت في أوقات غريبة، إهمال للدراسة، هروب من الدروس، رفع الصوت على الآباء ونهرهم وأحيانا ضربهم، فيحاولون إصلاح أبنائهم حسب طريقة تفكيرهم (أي الآباء) ويبدأون بالنصح والنقد والتوجيه فيجدون أن الأبناء يفعلون عكس ذلك بل وينفرون منهم ويتهمونهم بالتخلف والجهل والجيل القديم.
* من وجهة نظر الأبناء أن الحياة تغيرت وأن هناك من الأساليب في الحياة لم يمر بها الآباء ولا يفهمونها ويريدون أن يمشوا على الطريقة القديمة في التفكير والتعامل. فالأبناء لهم شخصيتهم المستقلة لا يريدون الهجوم والنقد المستمر بل التفاهم والتحاور.
* من وجهة نظر الآباء أنهم يبذلون قصارى جهدهم في تربية أبنائهم أكل، شرب، لبس، تعليم، مصاريف إضافية لا يقصرون في أي طلب لأبنائهم والآباء بذلك يعلنون حبهم لأبنائهم لتوفير احتياجاتهم وجعلهم يعيشون حياة كريمة غير مهانين ولكن المشكلة أن هذه الرسالة لا تصل إلى الأبناء ولا يشعرون أن آباءهم يحبونهم ولذلك أسباب أن الأبناء يرون مجرد الصرف عليهم ليس كافيا فكل الأهالي بيصرفون على عيالهم (بنت بتقول لأمها أنت حاتعيريني علشان بتوكليني ما كل أم بتوكل عيالها) وفي رأي الأبناء أن التفاهم والتحاور أهم من المصاريف وهنا يثور الأهل على الأبناء بعد ما وفرنا لكم كل شيء فماذا فعلتم لنا كآباء.
وهنا أين تكمن المشكلة:
أولا: الأبناء من صغرهم يعتبرون أن الصرف عليهم حق مكتسب لهم وليس تفضلا ولذلك أي نقاش في هذا الموضوع سيسبب تصادم (أنتم مخلفنا ليه؟).
ثانيا: لم يعلم ويعود بعض الآباء الأبناء على المسؤولية والأخلاق الحسنة وتحمل أعباء الحياة ودائما يقومون بكل شيء بدلا منهم ولم يجعلوا الطفل يشعر بأهمية الدراسة والمستقبل وأن الدرجة التي يحصل عليها هي ملكه وله وإنما الذي يحدث أن يقول الابن لأبيه وأمه عند أي غضب والله ما أنا مذاكر لكم، والآباء هم الذين يتحايلون على الابن لكي يذاكر وهم الذين يعطون لأبنائهم دروس خصوصية أحيانا بدون داعي وأحيانا أكثر من مدرس للمادة الواحدة، حتى أنهم يعطونهم الدروس في الكي جي 1 و 2 وسنوات النقل بل يحضرون إليهم مدرسين خصوصيين بالبيت أي ينشؤون الأبناء على الاعتماد دائما على غيرهم .
ثالثا: الأخطاء في التربية فالآباء يقومون بفعل أشياء ويطلبون من الأبناء عدم فعلها فمثلا يكذبون ويطالبون أبنائهم بعدم الكذب ويكون بالآباء صفات سيئة مثل الاستغلال ويأمرون أبنائهم بعدم الاستغلال ويصابون بالضيق إذا فعل أبنائهم هذه الصفات، الأب الذي يشرب السجائر وغيره ويطالب الابن بعدم شرب السجائر ويتضايق إذا رأى ابنه يدخن بل رأينا أكثر من ذلك أب يغضب على ابنه غضبا شديدا لأن الابن يأخذ الترامادول وعندما سألنا الابن يقول إيه المشكلة لماذا هو غاضب ما هو الآخر بيأخد ترامادول فمرة وجدت في شنطته ترامادول.
أب يشرب الشيشة على أحد المقاهي ويجلس بجانبه ابنه الأربع سنوات فماذا يتوقع هذا الأب عندما يكبر الابن؟ هل يتوقع أن لا يشرب الابن الشيشة أو المخدرات والنقطة المهمة هنا أن يشتكي الأب من الابن ويقول هو فيه إيه، نعرف كلنا الصواريخ المزعجة التي يلقيها الأطفال في الشوارع أو تحت أرجل المارة والتي أحيانا نقوم من النوم فزعا على صوتها، مرة من المرات أب يختفى وراء ابنه في البلكونة ويشعل الصواريخ لابنه ويناولها لابنه ليلقيها على الناس والأب يضحك ونفس المنظر رأيته مرة أب وابنه أمام إحدى المحلات ويناول ابنه الصواريخ فماذا تتوقعون من هذا الابن عندما يكبر وهنا المعنى هو اختفاء القدوة، (إذا كان الأب بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت الرقص) والحل الأمثل هو التواصل مع الأبناء والآباء لكي يعرف كل واحد كيف يفكر الآخر ويحاولون التقارب بحيث يتحقق أهداف الطرفين.
رابعا: بيت تكثر فيه الخلافات بين الزوجين والضرب والسباب ماذا تتوقعون من الأبناء، بيت الأب فيه موجود وغير موجود ماذا تتوقعون من الأبناء، بيت ليس فيه سلطة حاكمة والأم تجاهد لتوجيه الأبناء ولكننا نجد الأب يدمر ما تقوله أو تفعله الأم من أوامر والعكس صحيح.
وأحيانا كثيرة يكون التربية سليمة والبيت هادئ وكل الظروف كويسة وينحرف الابن وهنا يجب أن نخبر الآباء والأمهات أنه مهما بعد الابن فسيعود إلى الأهل والصواب بعد أن يجرب ويعرف الخطأ من الصواب.
خامسا: لكن المشكلة الكبرى هي عدم شعور الأبناء بكم المعاناة التي يجدها الآباء لكي يحققوا الثبات المادي للأسرة وكم الضغوط عليهم فالآباء في نظرهم معذورون فمثلا أب عنده أربعة بنات وعندما أخطأت إحداهن وجه الناس اللوم على الأب أنه لم يأخذ باله منهم فقال أنه يعمل معظم اليوم بدل الشغلة شغلتين علشان أوفر لهم ضروريات الحياة فماذا أفعل أكثر من ذلك وهنا نلاحظ عدم شعور الأبناء بمثل هذه المعاناة وحتى إذا غضب الأب لأمر ما بسبب الضغوط عليه فهنا يجب على الأبناء مراعاة ذلك فغياب الإحساس بأهمية الأب والأم واحترامهم دنيويا ودينيا عامل أساسي في المشكلة.
حل هذه المشكلة تكمن في الاحترام داخل المنزل بين جميع الأطراف وتقدير دور كل شخص موجود فيه وحسم الأمور مع الأبناء قبل استفحالها أي كبرها وأصبحت العلاقة غير سوية بين أفراد الأسرة الواحدة. فهنا يجب أن نحصر المشكلة في اختلاف الآراء وليس الحب والكراهية، وهنا يجب أن تبتعد الأم نهائيا أثناء حل هذه المشكلات ويكون الدور الأول والأخير والأساسي هو للأب الذي يجب أن يتدخل جديا لحل هذه المشكلات وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
* ويبدأ الحل بالمصاحبة أي يجلس الأب والابن جلسة عمل يتكلمان مع بعضهما وبحيث تكون المصلحة أو حل المشكلة هي الأهم عند الطرفين ويضعان كل الأوراق بأمانة تامة أمامهما ويتناقشان وحدهم ويتفقا اتفاق جنتلمان على الصداقة والاحترام لبعضهما وأول شيء أن يحترم الابن أباه وقواعد المنزل التي وضعها أباه ثم يحاولان التوصل إلى حل وسط للمشاكل الأخرى العالقة، فإن رفض الابن ذلك فيجب على الأب تجاهله ولا يكلمه ولكن يستمر في أداء دوره كأب في رعاية الابن والصرف عليه حتى يكمل تعليمه، وإخبار الابن بأن يتحمل مسؤولية اختياره ويذكره أنه حاول أن يتدخل ولكن الابن رفض.
أما إذا رفض الأب هذا الحل واستمر في دور الدكتاتور غير مراعي لحجم المشكلة التي يتعرض لها الابن. هنا لابد أن يلتزم الابن ببر الوالدين تماما ويصبر حتى يستقل ماديا ويستطيع بناء حياته بنفسه. المشكلة تكمن في ضعف الآباء في مواجهة هذه الأمور وعدم أخذها بالجدية الكاملة والحسم اللازم بل إن ما يحدث أن الأب يظل مصرا على أنه الأب ولازم يتسمع كلامه وينسى أن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن تدخله مع أبنائه الكبار بعد سن البلوغ له أصول حتى لا يتخذ الابن القرارات الخاطئة التي تؤذي حياته المستقبلية.
أهم شيء عند الأب أن يشعر أنه أدى دوره كاملا تجاه أبنائه أمام الله عز وجل.
* رسالة إلى الأب كن حاسما فالمهم هو بناء شخصية ابنك أكثر من وظيفته، لا أن ترى كائنا مائعا تصرف عليه طول العمر وعندما تموت لا يترحم عليك فصاحب ابنك البالغ واجعله يختار طريقا ليس فيه شيء حرام أو خطأ ضد نفسه أو الغير وانصحه إن كان مخطئ وحمله مسؤولية أعماله فالطريق الذي سيختاره الابن سيتحمل نتيجته طول عمره وحتى لا تأتي اللحظة التي يقول فيها الابن في عمر ما أبويا هو السبب في مشكلتي وحياتي الآن. وحتى لا يرمي الابن أخطاءه على الأب في المستقبل، ولا تنسى أن العنف البدني أو اللفظي في هذا السن بعد البلوغ ضرره كبير بل وقد يتعدى الابن على الأب. ربي أبناءك من صغرهم على التربية الدينية الصحيحة وبر الوالدين والأخلاق الحسنة، كن قدوة حسنة لهم حتى لا تكون السبب في فساد أخلاقهم وسلوكياتهم، وأن يعتمد على نفسه من صغره.
* رسالة إلى الابن أو الابنة، حياتك مع أبوك وأمك أفضل من الحياة مع غيرهم مليون مرة حتى لو هناك أخطاء من الأب أو الأم فتمسك بهما وحاول مصاحبتهما وطالبهم بالحوار معك ولا تغلظ عليهم ولا تسئ الأدب معهم بل كن بارا بهم وتذكر أنهم يتمنون أن تكون أفضل منهم حسب أفكارهم فحاول بناء نفسك لا أن تتذرع بأخطاء الأب أو الأم ويكون فشلك لنفسك وتقول فشلي بسبب أهلي فقد قال الشاعر (ليس الفتى من قال أبي كان كذا وكان كذا ولكن الفتى من قال ها أنا ذا).
* الكلام المكتوب في هذا المقال يصلح للابن والابنة، وحاولت أن أذكر نصائح عامة يستفيد منها أكثر الناس وأن كل حالة منفردة عن غيرها وظروفها غير حالة أخرى وممكن الذي ينفع مع هذه الحالة لا ينفع مع الأخرى.
نقلاً عن: جريدة البلاد شهر سبتمبر 2016
ويتبع >>>>>: ثقافة المسؤولية بين الآباء والأبناء
واقرأ أيضاً:
دور الآباء في تطور شخصية الأبناء / كراهية الأبناء للآباء / التوتر وفن تربية الأبناء / الاهتمام بأماني وأحلام الأبناء / عقوق الأبناء