نجلس كل يوم في عيادات الطب النفسي لنقاتل وصمة العار بأذرعنا العارية.
يقولون بأن الوصمة علامة كانت توضع على العبيد لتمييزهم! أما هذا المصطلح في سياقه الحديث يشير إلى رفض المجتمع لجماعة من الناس بعينهم بناء على مجموعة من الأفكار الجاهزة أو المفاهيم المجتمعية الخاطئة قوية الانتشار. وصمة العار التي ترتبط بالمرض النفسي أو مهنة الطب النفسي تمتد للمستشفيات العقلية والمرضى وأقاربهم وكذلك أساليب العلاج، وينشأ عن ذلك شعور واتجاه سلبي نحو المرض النفسي يمنع الناس من التعاطف مع أولئك المرضى بل ومنعهم من الاستفادة من خدمات الصحة النفسية. برامج مكافحة وصمة العار لدينا مازالت في مهدها ونفتقر لاستراتيجية وطنية تشمل تكامل حقيقي بين مجموعة الهيئات المعنية.
كل واحد فينا أعزل إلا من منطقه وطريقته الخاصة في إقناع كل المترددين على العيادات مع ذويهم وربما إقناع رجل الشارع العادي بأن علاجاتنا ليست للتنويم وأن الدواء الذي نصفه ليس مخدرات أو أنه سيفضي لجنون المريض! وأن المرض النفسي مرض زي أي مرض لا ينتقي الكفار أو الذين يبتعدون عن ربهم وأنه ما من أحد "تقريبا" محصن ضده. أحيانا يكون علينا أن نقنع الناس بأنفسنا، أننا أطباء درسنا الطب والجراحة وأننا نتحرى الممارسة المستندة للبحث العلمي أو بأننا عاقلين (خاليين من الأمراض العقلية)!
لكن ما يحزنك حقيقة أن يأتي أناس لا تدري ما خلفيتهم العلمية أو المهنية يسمون أنفسهم "معشر الكوتشيز Coaches" لكي ينشروا بين الناس كل وصمة ممكنة بكل جرأة فيعلنون "معظم الأطباء النفسيين مرضى أكثر من مرضاهم" (نحن لا نعترض على قضاء الله. حتى الطبيب يمرض لكننا نعي تماما أي سياق مقصود هنا)، أو أن العلاج بالعقاقير هو تنويم المريض لكي يهرب من مشكلته!! وغيرها من المفاهيم المغلوطة التي تؤخر ولا تقدم ثم يجدون من الناس من يثق بهم ويستمع لهم.
إذا كان من حقوقك الأصيلة أيها المريض أن تسأل طبيبك عن شهادته وتصنيفه، فمن حق الأطباء أن يسألوا: من يطلق هؤلاء في المجتمع بلا ضابط ولا رقيب؟! من يؤهلهم "علميا"؟
هل يكفي أن نمني أنفسنا بأنه سيأتي يوم ويفهمون؟ لا أتمنى لأحد بالتأكيد أن يتعلم بالتجربة فيرى المرض أمامه في نفسه أو أهله لا قدر الله عنيفا وحينها قد يطلبون المساعدة ممن يمكنهم تقديمها. برغم كل الأخطاء لا حل حقيقي إلا بالأخذ بالأسباب ووضع الثقة في العلم.
واقرأ أيضًا:
وصمة المرض النفسي : ليست من عندنا!/ اعتذار إلى أساتذتي المرضى الطيبين/ تعتعة نفسية: المجنون لا يفعل مثل هذا!!!/ الطب النفسي الكيميائي