أعجبني الخطيب ذات جمعة، إذ قال وهو يتحدّث عن الانتحار:
- والعاملون في الصحة النفسية والمتخصصون في مجال الانتحار، يعلمون جيدا هذه الأمور...
قلتُ جميل، لم يتكلّم فيما لا يعلم وهذا من العلم..
ثم بعدها مباشرة قال : والانتحار سببه ضعف إيمان وخواء روحيّ.. ( هدم ما بناه دون أن يشعر)
- أقول: هناك شيء لا ينتبه له الكثيرون مع أنه من البديهيات! "حبّ الحياة وكراهية الموت" شيء "غريزيّ" عند الحيوان قبل الإنسان، فلا يحتاج "الكائن الحيّ" كي يتشبّث بالحياة ويكره الموت لدين أو موعظة أو حتى هدف...
ردود أفعالنا اتجاه الخوف، الغرق، المرض، الوحوش.. كلها تدل على أن الجسد والعقل خُلق ليتشبّث بالحياة ويتجنّب الموت..
فهل نجد أحدا يبغض الطعام ويعزف عنه لأن لديه خواء روحيّا ولا يعرف خالقه ؟! أبدا.. وحب الحياة أشمل من ذاك وأأكد.
لهذا لا يحتاج الإنسان تذكيرا من أي أحد "بقيمة الحياة" ومهما يكن حاله سيكون محبّا لها
إذن ما تفسير الأفكار الانتحارية والإقدام على قتل النفس ؟
ببساطة هناك خلل في تصور الحياة والتمتّع بها، والنظرة للذات...
والدين لا يكون بعد وقوع الآفة إلا وازعا ورادعا عن فعل ذلك (مع بقاء رغبة المريض في الموت!)، أو وقاية قبلية (التدين المعرفي التربوي وليس التدين الشعائريّ) كيف وقد أُمِر اليهود بقتل أنفسهم توبة فلم يستطيعوا، كيف وقد أكبر البعض بعد سماع آيات الحرب، الموتَ في سبيل نصرة الدين.. ولو كان حب الحياة له علاقة بالدين فقط، لسهُل عليهم الموت في سبيله، لأن "الحالة الروحية المُثلى" ستكون آنذاك تقبّل الموت يسيرا وتوديع الحياة..!!
إضافة إلى أن نفسية وعقلية المحارب لا يمكن أن تقارن أبدا بوضْع المُقدم على الانتحار كُرْها لنفسه وللعالم، عكس الإقبال على إنجاز قد يكون الموت آخر مطافه وضريبةً له، ولا داعي لتذكيركم بأن المقبل على الانتحار لا يعرف معنى "الإنجاز" !
واقرأ أيضًا:
سذاجة بعض القصص الوعظية / نقاط منهجية حول حالة بعضهم الفكرية