مقامات الأربعاء (5)
المقامة السادسة:
حدثنا يحيى بن حيان وقال: المحبة برهان السعادة, وأكليل القوة والسيادة, وبها تزدهر الأوطان, ويشعر الإنسان بقيمة الإنسان, وبالمحبة يسود الأمن والأمان, والمحبة جوهرة مخزونة, فأطلقوا درركم المكنونة, فالحياة قلادة جمان وأيقونة.
وربنا خلقنا من سلاّف المحبة, ومن صلصالٍ طاهرٍ جميل, وأجرى أنهار الوداد بين خلقه الطيبين.
"....وجعل بينكم مودةً ورحمة, إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون" الروم : 21
والمحبة نفحة نور يلقيها الله في قلوب عباده الصالحين, الذين ينيرون الأرض بوهجها الفياض وأشعتها الدافئة السنية الأضواء.
"...وألقيت عليك محبة مني..." طه: 39
والمحبة تقرن بالإيمان, فالمؤمن يحب ربه ورسله وما أنزله على الأجيال البشرية, التي تسعى كأنها أمواج النهر المتوافدة.
"...والذين آمنوا أشد حبا لله..." البقرة: 165
وفي الحديث :
"والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا"
"رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس..."
ويقول علي بن أبي طالب:
"أحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك واكره له ما تكره لها"
فالمحبة خلاصة الفضائل ومستودعها, وتبدأ بحب الخالق العظيم, والخير والعمل الذي يُسعد الإنسان, وهي حب لا محدود ولا مشروط, وتشير إلى العلاقة المعطاء الخالصة, والإرادة الضامة الماحصة, والمحبة صوت جميل, ونماء أثيل, ونداء روحٍ أصيل, فتجشموا عناء العمل بها, والتغني بألحانها والتنعم بأثمارها. فما أعذب جداول المحبة وأرق مياه ينابيعها المتدفقة من قلوب الخلق المتصافية, فتحابوا وتراحموا إن أعظمكم إيمانا وانتماءً لعين اليقين, هم المتحابون الخالصون في محبتهم والذين بتراحمهم وتواددهم ينعمون.
وقال يحيى بن حيان: المجتمعات المتحابة قوية والمتباغضة ضعيفة, فالمحبة اقتدار والتباغض انكسار, والعدو الذي يريد النيل من أي مجتمع يبث فيه روح الكراهية النكراء, ليصول عليه ويقضي عليه بضربة ٍنجلاء, وكم من الشعوب تمزقت وتفتت وتحولت إلى فرائس للمعتدين على مصيرها, والأمثلة حية في مجتمعاتنا, وعلينا أن نتدارك أوضاعنا قبل أن يمعن المفترسون بنا نهشا وتبضيعا وفرسا.
وأضاف: المحبة طاقة معروف, وإرادة تواصل إنساني وارتقاء حضاري, تتوهج في دروب الإنسانية, وتتفاعل مفرداتها الرحبة, لتشمل معطيات الحياة كافة, وتساهم بتنويرها بالفضيلة والقدرة على الصلاح والسلام والوئام, والأخوّة والتفاني في صناعة السعادة الاجتماعية والوطنية, وإدامة ربيع البشرية الزاهي المزدهر بالآمال والتطلعات الجميلة السامية.
ومضى يحيى بن حيان قائلا: المحبة قوة التعبير عن الإنسانية, ومنتهى الانسجام مع الرحمان الرحيم, والإدراك الحقيقي لمعاني العبودية والوحدانية, وصدق الإيمان والانتماء إلى خالق الأكوان, العزيز المقتدر المنّان. المحبة فيض إشراق الإنسان بقلب الإنسان, ووهج الرجاء المنير في دنياه, وبدر التآخي والتبرك بالنعمة والصفاء الخالص المنسكب بطاقة الوداد والحنان.
والمحبة جوهر العقائد السماوية ونور الأديان.
فارفعوا رايات المحبة, وشمروا عن سواعد التوادد والتراحم والتعاضد والاعتصام بمصالحكم, وبديهيات بقائكم ومنطلقات عزكم وكرامتكم, فالمجتمعات بما فيها تكون, وما يتوطنها يبني له واقعا جميلا أو تنورا تنسجر فيه, وتكون رمادا في جعبة الخسران.
"فليحب بعضكم بعضا"
و"القلب المحب يسع الدنيا"
"وبحسن المعاشرة تدوم المحبة"
فهل ستكون المحبة تاج وجودنا, وعرش مسيرتنا في مملكة الإنسان, علينا أن نتساءل قبل فوات الأوان, وقد تضابحت من حولنا الأكوان؟!!
ويتبع >>>>: مقامات الأربعاء (7)
واقرأ أيضاً:
كوفاد/ سَعادةُ أمّةٍ!!/ مَقامات الأربعاء