الإمساك Constipation من أكثر الأعراض الطبية انتشاراً ويصيب ما يقارب ٢٠٪ من الناس ويرسل الإنسان نحو مراجعة طبية وفحوص مختبرية متعددة. لا يتم العثور على آفة خطيرة في الكثير من الحالات والمقال يتطرق إلى هذه الظاهرة بصورة عامة أولاً ومن ثم إلى ظاهرة الإمساك في الطب النفسي بصورة موجزة.
نظرة طبية عامة
الإمساك أكثر انتشارا في الإناث مقارنة بالذكور بنسبة ٢ إلى واحد(1). تكثر ملاحظته في فترة الحمل ويصيب ٤٠٪ من الحوامل ويعود سبب ذلك إلى أن هرمون البروجستيرون الذي يزيد مستواه أثناء الحمل يؤدي إلى استرخاء العضلات. يتم تعريفه بثلاثة تحركات أمعاء (تغوط) أسبوعياً أو أقل من ذلك، أو صعوبة في التغوط نفسه. الأمراض التي تسبب الإمساك متعددة وتشمل الأمعاء نفسها والأعصاب التي تغذي الأمعاء ولذلك تكثر ملاحظته في المصابين بأمراض عصبية مثل اضطراب باركنسون والتصلب المتعدد. مصدر الإمساك أحياناً هو عضلات الأمعاء نفسها والنسيج الداخلي. هناك الكثير من العقاقير التي تسبب الإمساك بسبب أعراضها الجانبية. العقاقير المضادة للحموضة قد تسبب الإمساك أحياناً بسبب الألمنيوم، ولذلك ترى الكثير منها تحتوي على المغنسيوم الذي يؤدي إلى الإسهال من أجل موازنة تأثير العقار على فعالية الأمعاء.
العقاقير والإمساك |
مضادات حموضة تحتوي على ألمنيوم مضادات الاكتئاب مضادات الصرع مضادات الذهان مستحضرات الكالسيوم الكودين والمورفين المدررات مستحضرات الحديد |
لا يصعب تشخيص الأمراض الخطيرة التي تسبب الإمساك منذ الوهلة الأولى، والغالبية العظمى من المرضى لا يحتاجون إلى فحوص مختبرية معقدة. يتم تجاوز الإمساك في الكثير من الحالات ولكنه أحياناً قد يكون سبب إصابة المريض بالبواسير والشق الشرجي.
علامات الإنذار المبكر الخطيرة للإمساك |
سن أكثر من خمسين عاماً تاريخ عائلي لالتهابات القولون المزمنة تاريخ عائلي لأورام القولون نزف عبر المستقيم الأعراض جديدة بدون تفسير أعراض شديدة لا تستجيب لعلاج فقر الدم فقدان وزن يزيد على خمسة كغم |
هناك من يعاني من الإمساك بسبب القولون العصبي والسكري وضمور الغدة الدرقية. ظهوره للمرة الأولى وبدون سبب واضح قد يكون من علامات أورام الأمعاء وخاصة بعد نهاية العقد الخامس من العمر.
عدم تدريب الأطفال على استعمال المرافق الصحية بصورة صحيحة قد يؤدي إلى إصابتهم بالإمساك في عمر مبكر.
العوامل العامة للإصابة بالإمساك |
طعام خالي من الألياف تغير طارئ في الفعاليات اليومية مثل السفر الإسراف في إهمال الدافع للتغوط الكسل قلة السوائل الحمى السمنة نقص الوزن القلق الاكتئاب كثير الملاحظة في ضحايا الاعتداء الجسدي والجنسي |
الوقاية من الإمساك
هناك ثلاثة قواعد عامة وبديهية للوقاية من الإمساك وهي:
أولاً: الطعام الذي يحتوي على الألياف مثل البقول والخضروات والفاكهة. تساعد الألياف على تحفيز حركة الأمعاء الغليظة.
ثانياً: إيقاع الجسد اليومي والهرمونات تحفز حركة الأمعاء وخاصة بعد الإفطار. متى ما شعر الإنسان بالدافع لتفريغ الأمعاء فيجب الاستجابة لهذه الإشارات الصادرة من الجهاز العصبي وعدم إهمالها.
ثالثا: النشاط البدني يساعد جميع عضلات الجسم وزيادة فعاليتها ويشمل ذلك فعالية عضلات الأمعاء الغليظة.
العلاج بدون وصفات طبية
أولاً: هناك العديد من المسهلات المتوفرة بدون وصفة طبية ومنها ما يزيد من كمية السوائل في الأمعاء، أو كتلة الغائط، أو تحفيز عضلات الأمعاء. لكن استعمال المسهلات بهذه الصورة قد يـودي بالنهاية إلى كسل الأمعاء الغليظة وعدم استجابتها بصورة كلية للعلاج.
ثانياً: زيت النعناع متوفر كمستحضر غذائي ويمنع تشنج عضلات الأمعاء. كبسولة واحدة قبل الأكل بنصف ساعة تساعد الكثير ولكن البعض يشكو من ارتفاع حموضة المعدة بسببه.
ثالثاً: البروبيوتيك مستحضرات تحتوي على بكتريا ومتوفرة كزبادي. يبدو أن بكتريا Bifidobacterium lactis الموجودة في الزبادي تساعد الكثير. رغم ذلك ترى الإسراف في الحليب والأجبان يؤدي إلى الإمساك.
العلاج بوصفات طبية
أولاً: المسهلات وتصنيفها كما ورد أعلاه. قد يستعمل الطبيب أكثر من مستحضر في آن واحد لمعالج الحالة. لا يجوز استعمال المسهلات لفترة طويلة دون إشراف طبي.
ثانياً: رغم أن العقاقير المضادة للاكتئاب لا تساعد الإمساك ولكن وجود أعراض اكتئابية واضحة تساعد المريض على الشفاء من الاكتئاب والإمساك وخاصة العقاقير مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية م.ا.س.ا SSRI.
ثالثاً: رغم أن الجراحة هي لأسباب خطيرة دوماً ولكن هناك من يحتاجها لعلاج الإمساك لوحده.
الأمساك في الطب النفسي
هناك نوافذ عدة لمناقشة الإمساك في الطب النفسي. يعتبر الإمساك واحدا من عدة أعراض بيولوجية وجودها يشير إلى إصابة المريض باضطراب الاكتئاب الجسيم ويتم وصفه أحياناً بالسوداوية Melancholia. القاعدة العامة هي أن وجود هذه الأعراض يتطلب استعمال عقاقير مضادة للاكتئاب بجرع كافية وأحياناً إضافة موازن للمزاج.
الإمساك في هذا الإطار هو ظاهرة وظيفية مصدرها عدم التوازن الوجداني وتأثير ذلك على فعالية الجهاز العصبي الذاتي. مصطلح الإمساك الوظيفي Functional Constipation يتم استعماله في الممارسة السريرية مع المريض الذي يشكو من الإمساك ويصر على علاجه وينبذ وضع أعراضه الطبية في إطار طبي نفسي. يضيف الكثير ضرورة عدم وجود أعراض تشير إلى تشخيص القولون العصبي.
يمكن دراسة الإمساك في الطب النفسي من خلال مجموعات الاضطرابات النفسية أو العقلية المختلفة كالآتي :
الاضطرابات النفسية العضوية: تكثر ملاحظة الإمساك في مختلف الاضطرابات النفسية العضوية وفي جميع الأعمار بسبب عطل الوظائف العصبية المختلفة. الكثير من المرضى يعانون من اضطرابات عصبية تتطلب استعمال عقاقير مختلفة واحد من أعراضها الجانبية هو الإمساك مثل العقاقير المضادة للاكتئاب والمضادة للذهان والمضادة للصرع.
الفصام: جميع العقاقير المضادة للذهان(3) تؤدي إلى الإمساك. ويؤدي استعمال العقاقير المضادة للذهان إلى ارتفاع معدلات انتشار الإمساك في المرضى بنسبة تتراوح ما بين ٢ – ٢٥٪ ولكن هذه الأرقام تصل إلى ١٤ -٦٠ ٪ مع استعمال عقار الكلوزابين Clozapine وهو أحد أسباب وقف المريض للعلاج(5). لا يتميز الإمساك بانتشاره فحسب بل أحياناً بشدته وخطورته على حياة المريض(5).
الملاحظة السريرية التي هي في غاية الأهمية في المرضى المصابين بالفصام المزمن هي ظهور الإسهال. هذه العلامة قد تكون أحياناً علامة إصابة المريض بالتهاب القولون الإقفاري Ischemic Colitis . عتبة الشعور بالألم أحياناً في مرضى الفصام أعلى من غيرهم وقد يكون الإسهال هو العرض الوحيد لهذه الحالة الخطيرة التي تتطلب تداخلاً جراحياً طارئاً(2).
الاضطرابات الوجدانية: الإمساك كما تم ذكره أعلاه من الأعراض البيولوجية للاكتئاب الجسيم، وإذا لم يتطوع المريض بالحديث عنه فيجب سؤاله عنه. العقاقير المضادة للاكتئاب وخاصة الثلاثية الحلقة كثيراً ما تؤدي إلى الإمساك ويجب تحذير المريض وتشجيعه على تغيير طعامه وتحسين نشاطه البدني اليومي. رغم أن البعض قد يشكو من الإسهال بسبب العقاقير ولكن الإمساك أكثر انتشاراً.
متلازمة نادرة تدعى متلازمة كوتارد Cotard’s Syndrome مصدرها وهام المريض بفقدانه عضوا أو جزءً من أعضائه مثل القولون وتبعاً لذلك يفسر إصابته بالإمساك. هذه المتلازمة تستجيب للعلاج بالعقاقير والتخليج الكهربائي.
الاضطرابات العصابية: تكثر الشكوى من أعراض جسمانية متعددة في المرضى المصابين باضطرابات عصابية. هناك علاقة بين الإمساك والتركيز على حركة الأمعاء في الدراسات النفسية التحليلية حول الحصار المعرفي (الوسواس القهري)، ولكن الدراسات الحديثة لم تثبت وجود هذه العلاقة والشكوى من الإمساك لا تختلف عن الأعراض المعوية الأخرى(4).
تكثر ملاحظة الإمساك في اضطرابات الأكل المختلفة بسبب قلة تناول الطعام أو الإسراف في استعمال المسهلات للتخلص من الوزن.
اضطرابات الشخصية: الكثير من للمصابين باضطرابات الشخصية يستعملون مواد كيماوية وعقاقير محظورة في مقدمتها عقاقير أفيونية، وهذه بدورها تفسر الإمساك.
الخلاصة
الإمساك ظاهرة شائعة كثيرة الملاحظة. هناك علامات إنذار مبكر يجب الانتباه إليها في الممارسة الطبية والنفسية التي تتطلب جهوداً طبية مكثفة وسريعة.
الوقاية والعلاج لا تختلف في الممارسة الطبية العامة والنفسية. الإمساك قد يكون سببا لتوقيف العلاج، ويجب المبادرة في الوقاية منه مبكراً في الطب النفسي.
المصادر:
1- Dennison C, Pravda M, Lloyd A et al (2005): The health related quality of life and economic burden of constipation. Pharmacoeconomics 23(5): 461-476.
2- Dworkin R (1994): Pain insensitivity in schizophrenia: a neglected phenomenon and some implications. Schizophrenia Bull 2002): 235-248.
3- Meek P, Coates A, Norelli L, Woodcock D, Shobola O et al (2008): A systematic review of Cochran reviews for anticholinergic effects of antipsychotic drugs. J clin Psychopharmacol 29: 41-46.
4- North C, Napier M, Alpers D, Spitznagel E (1995): Complaints of constipation in obsessive compulsive disorder. Ann Clin psychiatry 7(2): 65-70.
5- Rege S, Lafferty T (2008): Life- Threatening constipation associated with clozapine. Australia’s Psychiatry 16: 216-219
واقرأ أيضًا:
متلازمة الاختلال الإداري / تقييم التعلق في الطفولة / الأفكار الانتحارية والتعامل معها