بالعلم قاوم (2)
"السفاح صار لقباً لهذا القاتل الذي قام بتمزيق أوصال طفلٍ لم يتجاوز عمر الست سنوات، ثم قام بالتخلص من جثته برميها في مكب نفايات..." لابد أن قراءة الخبر السابق صادمة، كما أنها تثير اشمئزاز القارئ لهذا الفعل المقزز.
- عندما يتم النظر باشمئزاز لأفعال شخص ما فهذا يزيد من النفور منه، وتختلف درجات الشعور بالاشمئزاز تجاه الآخرين بحسب العديد من العوامل، وهو يساعد كشعور بطرد الشخص مثار الاشمئزاز من دائرة الرحمة والشفقة Compassion، إلى دائرة النفور والتعصب والعنصرية Racism، فنحن كبشر نكون عنصريين تجاه من نشعر باشمئزازٍ منهم، كما يحصل في العنصرية الطبقية أو العرقية أو الدينية.
- كوننا كبشر نميل إلى التعميم في أحكامنا بشكلٍ فطري كما يقول علماء النفس المعرفي، فمن السهل أن تستثار العنصرية الطبقية لدينا بشكل معمم نتيجة خبرة محدودة أو كشكلٍ من أشكال النمذجة، حيث يصبح أفراد دائرتنا الاجتماعية In-Group هم أساس بناء أحكامنا وتصوراتنا تجاه الآخر، ونميل لحمايتهم من أفراد الدوائر الاجتماعية الخارجية Out-Group، فهكذا يقسّم الإنسان - هذا الكائن الاجتماعي بطبعه - يقسّم المجموعات الاجتماعية، باختصار هي دائرتي (معي)، أو دائرة أخرى ( ليس معي، أو حتى ضدي)، ولذلك فإن الدائرة الخارجية تستثير ردود الفعل البشرية الطبيعية تجاه الغرباء، فنحن نشعر بشكل طبيعي ومنذ طفولتنا بنوع من القلق تجاه الغرباء، وقد يتطور هذا القلق في العمر اللاحق ليتحول إلى شعور الكراهية أو الاشمئزاز، وكلاهما بوابة العنصرية والتعصب.
- تقوم التربية الصهيونية على تعزيز حدود المجموعة الداخلية In-Group ودعمها من خلال فكرة الشعب المختار، والعرق السامي، والدم الثمين، وشعب الكارثة والبطولة، بحيث تعزز معايير الجماعة وتدعمها، وتدعم العلماء اليهود وتفانيهم لصيانة المشروع الصهيوني بالعلم والمعرفة، وتجعل من قصص السبي والشتات دافعاً للحياة، وتعزز مبدأ أن تكون مجهولاً يموت بشرف لخدمة وطنه، فلا مكان للشهرة وتضخيم الذات، فإنكار الذات هو تغذية "نحن" (أي روح الجماعة)، فما دامت (نحن) حيةً ستتفانى كل ذات لتموت مجهولة بشرف خدمتها لنحن.
وفي مقابل ذلك فكل ما عدى العرق القومي اليهودي هو "غوييم" أي الأغيار، وهم أيُ أفراد أو شعوب غير هذا الشعب المختار أي الشعب اليهودي، فكل من عداهم هم مجموعة خارجية Out-Group، أما مجموعتهم الداخلية In-Group فهي المحاطة بالقداسة والحفظ.
- أما الأميُّون الذين هم أمتنا، كما هو اسمنا في القرآن الكريم - وليس الأغيار كما يطلق علينا من قبل هذا التيار العنصري المتعصب- نواجه مشكلة حقيقية في تشكل هوية "نحن" كشعوب عربية، وقد صارت "الذات" متضخمة لدرجة تقديم الفرد مصلحته على مجتمعه وملته وقومه وأمته، أصبحنا من أمم التنافس حتى التناحر، وهذا يعكس اختلالاً عميقٍ في بنية مجموعتنا الداخلية، ويبدو أننا نحتاج للتراحم فيما بيننا قبل أن نطلب ذلك من الآخرين. وهذا ليس تعميماً على الجميع منا، لكن هو الحالة الأكثر وضوحاً في تشخيص وضعنا الحالي.
- لم يكن الهدف من درس اليوم وما حصل من مقارنة في الفقرتين السابقتين تمجيد العدو وذم الصديق، ولكنها محاوله لرسم صورة وتصور لأحد أبعاد البقاء في دائرة الصراع الحديث كخصم قوي، خاصة وأننا أصحاب الحق والأرض والمقدسات، وكونه من المستحيل أن يتحول العداء الأزلي وصراع البقاء لنصبح أحبة نحن الأميين وهم الشعب المختار كما يدّعون، ولن يخرجوا أي كان من دائرة الأغيار، فهم أهل عقيدة واضحة في صراعهم معنا، وما نحن لهم إلا جواييم ليس أكثر، في دائرة الاشمئزاز، وهم أولى أن يكونوا فيها.
17/12/2017
* سلسلة تبحث في توظيف علم النفس في القضايا العادلة.
واقرأ أيضأً:
الرِّعاية النَّفسية / العبث بالعقل: الحلقة12 / صناعة الهدر / أيها المبتلى بالوهم : الموهومون / نحمل في داخلنا (٢) : الحاجة للأمان