المرايا
المرايا هذه الأيام في كل مكان. تراها في كل غرفة في البيت والعمل وهناك حتى من الأبنية ما جدارها من مرايا وتوجد في العديد من الهواتف الجوالة. وقت النظر في المرآة هو ٦ ساعات أسبوعياً للمرأة و٤ ساعات للرجل.
التحديق في المرآة ليس بالسلوك الجديد، ويعود تاريخه إلى ما لا يقل عن ٥٠٠ عام قبل الميلاد. هناك الكثير من الأساطير والخرافات حول المرآة في مختلف الثقافات وخاصة في الحضارة الإغريقية الكلاسيكية. بدأ ارتباط المرآة بعلم النفس والطب النفسي الحديث مع ولادة المدرسة النفسية التحليلية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث أثارت اهتمام أحد إعلام هذه المدرسة وهو كارل كوستاف يونغ الذي اعتبرها كرمز من رموز محتوى عالم اللاوعي للبشرية. ليس هذا بالأمر الغريب في المدرسة التحليلية التي اقتبست الكثير من فرضياتها من الفنون والعلوم الروحانية.
اهتمام علوم النفس بالمرآة لم يتوقف، وهناك العديد من الدراسات التي تطرقت إلى البحث عن علاقة بين التحديق في المرآة والأبعاد الثلاثة التالية:
١- تمييز الذات.
٢- تعريف الذات.
٣- وعي الذات.
هذه الأبعاد الثلاثة تخضع لعملية تطورية وتصل إلى مرحلة النضوج في منتصف أعوام المراهقة أو العقد الثالث من العمر وهناك من لا ينضج نفسياً. مرحلة النضوج مع التحديق في المرآة هي العتبة التي يستنتج عندها الإنسان بأن الصورة المرئية هي تمثيل حي للذات. هذه العملية تحتاج إلى ربط المعلومات البصرية (من المرآة) مع:
١- التمثيل الجمالي للذات.
٢- التمثيل الحركي للذات.
٣- التماثيل العاطفي للذات.
تجمع الصورة مع التمثيل والناتج هو التمثيل العام للإنسان في المخ. لذلك يمكن القول بأن صورة المرآة هو مقلد كامل للإنسان من جميع الأبعاد ولذلك لا يستغني الإنسان عنها.
صورة الفرد في المرآة التي يتفحصها الإنسان غير الصورة الفوتوغرافية التي يلتقطها ويتفحصها. الصورة الثانية تتميز بجمودها والأولى بفعاليتها التي تسمح للإنسان بالفرصة لاستيعاب ملامح الوجه والجسد ومقارنة ذلك بالصورة التي يخزنها في الدماغ والتي تم رسمها عن طريق استقبال مختلف الحواس والمصادر الداخلية والخارجية. الإنسان الذي يتفحص صورته في المرآة هو أشبه بالمتفرج الذي يرى نفسه كما يراه غيره. حين ذاك يمكن القول بأن التحديق في المرآة قد تكون نتيجته:
١- الاعتراف الذاتي بأن صورة المرآة هي صورة الإنسان نفسه كما يتصورها هو وغيره.
٢- الاعتراف الذاتي بأن صورة المرآة أبشع من صورة الإنسان كما يتصورها هو وغيره.
٣- الصورة في المرآة هي غير الصورة التي يعرفها الإنسان أو يقبل بها ولا علاقة لها بالصورة المخزونة في الدماغ.
التحديق في المرآة والطب النفسي
لا يصل إنسان إلى عيادة الطبيب النفسي شاكياً من التحديق في المرآة. ولا توجد عتبة معينة تفصل بين الوقت الطبيعي وغير الطبيعي للتحديق في المرآة. يصل الإنسان إلى الفحص الطبي النفسي بسبب أعراض نفسية أخرى ولا يتطوع بالقول بأنه يتفحص نفسه في المرآة، والغالبية العظمى من العاملين في الطب النفسي لا يعير لهذه الظاهرة أهمية سريرية. لكن أهمية الظاهرة تكمن في مجال البحوث الأكاديمية لدراسة مختلف الظواهر النفسية، ولكن معظم هذه الدراسات ضعيفة وعدد العينات فيها لا تتجاوز العشرات والكثير منها لم يتم تكرارها وقوتها الإحصائية دون المستوى المقبول.
١- يتصدر اضطراب تشوه الجسد Body Dysmorphic Disorder قائمة الأمراض التي تتميز بكثرة التحديق في المرآة. يعاني الإنسان من القلق وتعسر المزاج بسبب منطقة معينة من جسده وخاصة الوجه، ويقضي فترة طويلة يقارن نفسه بالآخرين. في الوقت الذي قد يقضي فترة طويلة يحدق بالمرآة تراه بعد فترة زمنية قد تطول أو تقصر يتجنب فيها المرآة تماما. يسعى إلى نعومة الجلد ونتف الشعر وإخفاء ما لا يستحق أن يخفيه من مظاهر الوجه أو الجسد. هذا الاضطراب كثير الارتباط بالحصار المعرفي (الوسواس القهري) رغم أن تجربة مؤلمة في الماضي تلعب دورها في العديد. علاجه بالعقاقير المعروفة بمثبطات استرداد السيروتنين الانتقائية SSRIs وعلاج معرفي سلوكي خاص بهذا الاضطراب.
٢- كان ولا يزال اضطراب القهم العصبي من أكثر الاضطرابات المعروفة بالتحديق في المرأة. ترى المريضة دوماً بأن صورتها في المرآة مشوهة وغير مقبولة.
٣- المريض المصاب بالفصام أو اضطراب الوهام المزمن قد يصل مراكز الطب النفسي شاكياً من أعراض تشبه أعراض اضطراب تشوه الجسد سوى أن فكرته وهامية. هذه الشريحة من المرضى تصل الصحة النفسية بسرعة ولا يصعب تمييزها. هناك الكثير من المرضى المصابين بالفصام يعاني من هلوسة بصرية مع التحديق في المرآة.
٤- يمكن تعميم التحديق في المرآة واضطراب الصورة البصرية على الاكتئاب والهوس والقلق وغير ذلك حيث أن الصورة التي يراها الإنسان لنفسه لا تطابق الصورة المخزونة في الدماغ. أما المريض المصاب بالخرف فهو أحياناً لا يميز نفسه.
وأخيراً هل التحديق في المرآة ظاهرة طبيعية؟ والجواب نعم.
وهل التحديق في المرآة صفة نرجسية؟ والجواب كلا.
وإنما هي سلوك لابد منه أحياناً.
واقرأ أيضًا:
استشارات عن المرآة